وجدت دولة السلفادور الفقيرة في أمريكا اللاتينية ضالتها في العملات الرقمية لخلق حلول لمشكلات اقتصادها الضعيف. الذي يسيطر السوق غير الرسمية على 70% من معاملاتها.
وأقر البرلمان السلفادوري قانونًا اعتبر “بيتكوين” عملة تداول رسمية بجانب الدولار. بينما منح رئيسها ذو الأصول الفلسطينية نجيب أبوكيلة. الأجانب الذين يستثمرون بالعملات الرقمية في بلاده حق الإقامة الدائمة.
وترى رئاسة البلاد أن شرعنة “العملات الرقمية المشفرة” يمكنها توفير فرص عمل. كذلك إتاحة دخول 70% من السكان للقطاع المصرفي لامتلاك حسابات بنكية.
يبلغ الناتج المحلي للسلفادور 27 مليار دولار فقط ولا يتطور بصورة ملحوظة. إذ ظل يدور طوال أعوام في فلك 26 مليار دولار في ظل اعتماده في المقام الأول على التحويلات المالية القادمة من الخارج. إذ تعادل 22% من إجمالي الناتج المحلي.
وحملت الإصلاحات الاقتصادية التي تم تطبيقها على مدار عقدي في السلفادور في خفض نسبة الفقر من 40.5% إلى نحو 23%. وفقًا لبيانات البنك الدولي من حيث تحسين الظروف الاجتماعية. وتنويع قطاع الصادرات، والوصول إلى الأسواق المالية الدولية من ناحية الاستثمارات.
أوضاع صعبة
وعانت الدولة الصغيرة التي لا تزيد مساحتها عن 21 ألف كلم كثيرًا منذ ظهور وباء كورونا الذي تسبب في تراجع عائدات السياحة. إذ تمثل 4.6% من الناتج المحلي الإجمالي بعائدات 862 مليون دولار من حصيلة زيارة قرابة 1.2 مليون سائح.
وتسجل الدولة المسجلة كأصغر دولة بأمريكا الوسطى وأكثرها كثافة سكانية بعدد سكانه 6.5 مليون نسمة تضخم يتجاوز 2.4%. ومعدل للنمو بالسالب منذ يوليو 2020 بنحو (19.8)%. قبل أن ينخفض إلى 10% ثم إلى 2.1% في يناير الماضي.
والحصول على العملات المشفّرة يعتمد في المقام الأول على ما يسمى بـ”التعدين” الذي يعتمد على معادلات رياضية وأكواد وخوارزميات معقدة. وكلما ازدادت كميّة العملات المستخرجة من تلك العملية الشبيهة بجمع الذهب في الألعاب الإلكترونية. ازدادت معها المعادلات الرياضيّة المطلوب حلّها تعقيدًا وأصبحت أكثر صعوبة.
ولا تستطيع السلطات الدولية تعقب “البيتكوين” مما يثير مخاوف حول إمكانية استخدام تداولها الذي يتجاوز 100 مليار دولار. فى تمويل أنشطة غير مشروعة كالإرهاب والجريمة المنظمة. وغسل الأموال عبر التحويل من الحسابات المصرفية المعتادة إلى نظيراتها الإلكترونية الافتراضية”.
مخاوف دولية
دخل صندوق النقد الدولي على الخط وقال إن موقف السلفادور سيجلب سلسلة من المخاطر والتحديات التنظيمية. كذلك أضاف أنه يتابع التطورات عن كثب وسنواصل مشاوراته مع السلطات. كما أعلن للصندوق مراجعتها لبرنامج الائتمان الخاص بها.
يقول محللون ماليون إن المخاوف من خطوة السلفادور تتعلق بالفساد وغسيل الأموال واستقلالية الجهات الرقابية. فالعملات الرقمية لا يمكن تتبعها. بينما أكدت صحف في أمريكا اللاتينية أن عصابات الجريمة المنظمة في أمريكا اللاتينية تتحول إلى العملات الرقمية. لغسيل مبالغ كبيرة من المال حتى يتمكنوا من إخفاء مساراتها.
وقبل أعوام قضت محكمة في سلفادور بالسجن ثلاث سنوات للرئيس الأسبق توني سقا ذو الأصول الفلسطينية. في مزاعم تهم بالإثراء غير المشروع وغسيل أموال وتهم أخرى. بسبب عدم توضيحه أصول 5 ملايين دولار من 6.5 ملايين دولار في أرصدة اكتسبها خلال فترة توليه منصبه. ليلحق برئيسين آخرين للبلاد هما موريسيو فونيس وفرانسيسكو فلوريس اللذين تم التحقيق معهما في تهم فساد.
وقبل أسبوع واحد، حكمت محكمة بالبلاد أيضًا على السيدة الأولى السابقة في السلفادور آنا ليجيا دي سقا. وشقيقها بالسجن لمدة 10 سنوات بتهمة غسل الأموال. كما تم القبض على العمدة السابق لعاصمة البلاد سان سلفادور للتواطؤ مع عصابات إجرامية.
تنافس كبير
وتشهد البيتكوين انتعاشًا بالمكسيك التي حولها مجموعة من الإسبان فرعًا لاتينيًا لأنشطة البلوك تشين. وهي تكنولوجيا خاصة بتطوير معظم العملات المشفرة والافتراضية. والآن تحت اسم (Woonkly) وتهدف إلى تمويل المشاريع الاجتماعية بالعملات الرقمية المشفرة.
ويوجد نحو 1166 شركة ناشئة مختصة بالعملات الرقمية في أمريكا اللاتينية، وتشهد البرازيل والأرجنتين وفنزويلا صراعًا من أجل استثمارها. وانضمت إليهم كولومبيا التي شهدت إطلاق أول موقع إلكتروني متخصص في تلك النوعية من العملات.
وتشهد دول أمريكا الجنوبية أوضاعًا اقتصادية صعبة منذ ظهور جائحة كورونا. إذ قالت منظمة العمل الدولية إن 26 مليون وظيفة فقدت بسبب جائحة كورونا في أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي.
ووفقًا للمنظمة انخفض متوسط معدل العمالة في المنطقة البالغ تعداد سكانها نحو 650 مليون نسمة. من 57.4% إلى 51.7% منذ تفشي الجائحة حتى نهاية العام الماضي. وارتفع مستوى البطالة في التوقيت ذاته على أساس سنوي من 8.3 إلى 10.6%.
وبحسب البنك الدولي، فإن الصدمات الداخلية والخارجية المتعددة الناجمة عن الجائحة ستؤدي إلى انكماش النشاط الاقتصادي بالمنطقة. ما يضعها في حالة ركود أعمق كثيرًا مما كانت عليه خلال الأزمة المالية العالمية في الفترة 2008-2009 وأزمة ديون أمريكا اللاتينية في الثمانينيات.
انطلاق قوي
مع خطوة السلفادور، تعافت “بيتكوين” من خسائرها، ارتفعت لتتداول عند مستوى 35,173 ألف دولار بزيادة نسبتها 10%. بجانب أنباء إيجابية من الهند التي خفتت من عدائها العملات الرقمية وتتجه لتنظيمها.
وكشف “نيو لإنديان إكسبريس” أن السلطات التنظيمية بالهند، التي تعاني تداعيات قوية من جائحة كورونا. في طريقها لتصنيف العملات المشفرة كفئة أصول بديلة مع تكليف مجلس الأوراق المالية والبورصات. بالإشراف على لوائحها، من المتوقع أن يناقش البرلمان مشروع قانون تنظيمي شامل لها في يوليو.
وكبدت جائحة كورونا تجارة الهند 15 مليار دولار في أبريل. بينما فقد 122 مليون مواطن أعمالهم بسبب سياسات الإغلاق، بينما انزلق عشرات الملايين إلى الفقر المدقع.
يبدو أن العملات الرقمية ستكتسب زخمًا في الدول الفقيرة أو تلك التي تعاني أزمات اقتصادية. كوسيلة لتحسين دخل مواطنيها الفقراء أو على الأقل منحهم أملًا بإمكانية تحقيق الثراء السريع. عبر التعدين في الفضاء الإلكتروني.