“كتاب ولقاء تلفزيوني ولقب طبيب” هذا كل ما احتاجه “م.ف” كما عرف على صفحات التواصل الاجتماعي، أو مايكل فهمي في الأوراق الرسمية. ليحوز ثقة ضحاياه، ويوهمهم بفائدة العلاج بالملامسة وعبر الحقن الشرجية. مستعينًا بزوجته التي استفادت من كل هذا تحت ستار عمل تطوعي منحه مسمى كنسي.
ومن المقرر أن تبدأ اليوم محكمة جنايات شمال القاهرة في محاكمة “فهمي” وزوجته “سالي عادل” في اتهامهما باختطاف 6 فتيات قاصرات عن طريق التحايل. وهتك عرضهن بالقوة بإيهامهن باحتياجهن لعلاج وفحص خاصٍ.
مايكل عرف نفسه عبر الإعلام كطبيب نفسي، ومحاضر بكورسات الزواج. كلقائه عبر قناة “تن” في عام 2015. بينما أوضحت النيابة العامة أن نقابة الأطباء وإدارة العلاج الحُر أكدا عدم تسجيل المتهم بأي درجة علمية أو منشأة طبية خاصة. وعدم الاستدلال على عيادة مصرح له بها، بحسب بيان رسمي.
فخ “ثانوية عامة في يد المسيح”
“ثانوية عامة في يد المسيح” عنوان للكتاب “الفخ” الذي جذب ضحايا فهمي عبر سنوات. والسر في نهاية الكتاب الذي يختمه باختبار نفسي، يطلب من القارئ حله. ثم الاستعانة به شخصيًا لمعرفة الحل، عبر رقمه الشخصي المرفق للتواصل.
التربح عبر الدين مسألة ليست بالجديدة، ولكنها تظل الأكثر أمانًا، وقدرة على مراكمة الثروات. فإلى جانب شهادة الطب، يحمل مايكل لقب “شماس” فضلًا عن كتابه الذي يؤشر عنوانه على مدى ورعه، ومقدمته التي يؤكد فيها ضرورة وجود هذا الكتاب في كل بيت مسيحي.
وعن اللقب الديني يرى محامي الضحايا مايكل رؤوف أنه سهل الحصول عليه. الأمر لايتطلب سوى الانتظام في حفظ المردات الدينية أثناء العظات والصلوات والعلم باللغة القبطية. لكنه في الوقت نفسه هو لقب غير رسمي لا يحسب حامله على السلك البطريركي.
وعبر الكنيسة صنع فهمي علاقاته، و”شلة” المقربين منه، وأنشأ فريقًا للترانيم سمي “أوبن أرم” بمساندة زوجته وشريكته سالي عادل. وهي “الشلة” التي يقع أغلب أعضائها ضمن الفئة العمرية الأصغر. إذ يسهل السيطرة عليهم، وفي الخلفية مجموعة من الصور برفقة شخصيات كنسية مشهورة.
وهي الصور التي فسرها البابا تواضروس في تصريحه حول قضية فهمي قائلًا: “بعض الصور كان واخدها زمان. لأنه في وقت من الأوقات كان لسة متزوج. وجه يزورنا في كينج ماريوت، وأخذ صور ويانا. هو ومراته، فالصور لاتخدعك”.
التلفزيون الذي يثق الجمهور في ضيوفه
يثق المصريون بالعادة في المتدين والتلفزيون، وهو الأمر الذي عبرت عنه أحد ضحايا فهمي قائلة: “وثقت فيه وروحتله. كتبه كانت بتتباع في الكنيسة، وبيطلع في التلفزيون”.
أما التلفزيون نفسه فلم يعد محل ثقة، ففهمي لم يكن المُدعي الأول الذي يظهر عبر التلفزيون لتسويق أكاذيبه. فعلى سبيل المثال وليس الحصر، سبقه النائب السابق سعيد حساسين، الذي كان ضيفًا على كثير من المحطات. كما أنه أنشأ قناته الخاصة التي روج فيها لأعشاب يزعم بأنها طبية ومرخصة، قبل أن تصدر بحقه عشرات الأحكام الجنائية لاحقًا.
وهناك طبيب طنطا المعروف بـ”طبيب الأحضان” الذي ادعى وجود علاج نفسي “بالأحضان”، إذ صور لضحاياه أنها طريقة معترف بها للعلاج النفسي، ويستخدمها عدد من الأطباء.
وتضج القنوات الخاصة بإعلانات لأطباء يسوقون لمنتج أو يظهرون كضيوف في برنامج لكسب ثقة الجمهور عبر إعلان مدفوع في الأساس. دون محاسبة أو مراجعة. وهو ما تجد فيها الطبيبة النفسية منى حامد فوضى كبيرة بطلها غياب الرقيب.
وفي حديث الرقيب والرقابة، أعربت حامد عن قلقها مما يجري في المجال الطبي. تؤكد أن للأمر معايير دقيقة نظمتها اللوائح والقوانين بشكل معقول. لكنها تفتقد للتطبيق، فالجهات الرقابية لا تتحرك إلا بناء على شكوى رسمية.
تضيف: “طوال اليوم نسمع دعاية لمنتجات طبية في القنوات الخاصة، فهذا يفقد الوزن. وذاك يزيد القدرة الجنسية، متجاوزين بذلك أبسط القواعد العلمية. وفي ظل مستوى الوعي المنخفض بالنسبة للجمهور العادي يجد الجميع طريقهم لجني المال”.
غياب الرقابة وهو الدور المنوط بكل من نقابة الأطباء ووزارة الصحة، أعطى الفرصة لأيا كان بفتح عيادة، أو ادعاء الانتساب للطب على حد قول حامد.
تعقب: “لا يوجد تفتيش سواء على الأطباء أو على العيادات، أصبحت تلك الجهات مجرد ردات فعل”.
علم الملامسة والزوجة الشريك
ادعى مايكل أنه مدرب وحاصل على كورسات للمشورة. كما اعتبر أن تلك المؤهلات تكفي لعلاج مرضاه. فهل تكفي شهادة الطب لممارسة العلاج النفسي تحديدًا؟
أجابت الطبيبة منى حامد عن السؤال بالنفي، مشيرة إلى أن التخصص النفسي على المستوى الأكاديمي أصبح بالغ الدقة. هناك التخصص حسب الفئة العمرية على سبيل المثال. كذلك أكدت أن الأمر يتطلب شهادات أكاديمية، وسنوات خبرة، ولا يقف أبدًا عند شهادة الطب العامة.
أما فيما يخص المشورة، وهي جلسات دعم تجريها الكنيسة للمقبلين على الزواج، فأكدت حامد أنها أيضا لا تشرعن لممارسة الطب، او فتح عيادة خاصة، وإنما تعد من الخدمات المعاونة التي لاتخرج عن سياق محدد، داخل الكنيسة، وعبر شخصيات تلقت التدريب اللازم.
وفي كل الأحوال فإن ملامسة المرضى يعد جريمة بحسب الطبيبة حامد. إذ إن موقع الطبيب النفسي المتنفذ وسلطته على مرضاه، تجعل من الأمر انتهاكًا واضحًا حتى في حال موافقة المريض انطلاقًا من كونه الحلقة الأضعف التي جاءت لطلب المساعدة.
حتى في التخصصات الأخرى التي تستوجب الملامسة يتحتم وجود مساعدة، أو ممرضة مع الطبيب، على حد رأي حامد. وكان فهمي خلال التحقيقات أكد أن انتهاكاته للضحايا كانت بناء على طلبهن.
أما المحامي رؤوف فيرى أن زوجة المتهم مايكل طرف أصيل في الجريمة، فوجودها منحه فرصة لارتكاب جرائمه عبر سنوات دون كشفه. إذ أن وجود سيدة بجواره، وفي المجتمع الكنسي، يخلق حالة من الطمأنينة داخل نفوس الفتيات.
واعتبر رؤوف أن فهمي وسالي بمثابة العصابة التي تغولت في الإجرام، فلم يكتفيا بحبهما لجمع المال عبر الضحايا والتبرعات. لكنهما لم يفوتا فرصة إشباع رغباته المنحرفة أيضًا.
وخلال التحقيقات أقرت سالي بحبها جمع الثروات، كما أنها كانت رئيسة مجلس إدارة جمعية تزعم أنها خيرية تدعى “المصير”، تجمع التبرعات باستمرار. بحسب ما يزعم المتهمين. كما أن سالي وزوجها يملكون حسابات بنكية و4 سيارات ووحدات عقارية.
قوة السوشيال ميديا وضغط الجماعة النسوية
ساهمت التكنولوجيا الرقمية خلال السنوات الأخيرة في خلق مجتمع عالمي من النسويات، اللاتي يستخدمن تكنولوجيا الاتصال الحديثة بأنواعها. وما نتج عنها من شبكات التواصل الاجتماعي، ومدونات وصفحات خاصة. حتى لم تعد مجالًا للتميّز الذكوري فقط كما كانت في البدايات.
قضية مايكل فهمي تعد نموذجا يتحتم دراسته في ذلك الشأن، إذ أثيرت الوقائع منذ سنوات، ولكن لم يتخذ منها موقف جاد حتى وقت قريب. فمن ناحية صغر سن الضحايا لم يسمح لهن بتحمل تكلفة الاستعانة بمحامي. كما أنهن لم يكن على صلة ببعضهن البعض، وكذلك لم تساعدهن الكنيسة في الأمر، رغم المناشدات.
بعدها فقدت الضحايا الأمل حتى تبنت القضية، إحدى الصفحات المعروفة بنشاطها في فضح المنتهكين، وحماية الضحايا، خاصة من النساء.
يحكي محامي الضحايا مايكل رؤوف عن كيفية وصول الضحايا إليه فيقول: “بدأ الأمر بمنشن لأحد الفتيات له. في منشور على صفحة speak up والتي بدورها كانت بدأت حملتها للكشف عن جرائم فهمي”.
يرجع رؤوف أهمية مثل هذه الصفحات النسوية إلى كونها ملاذًا للضحايا. كذلك فرصة لتكوين رأي عام يساعد الناجيات في الحصول على حقوقهن. ومنها الصفحة الرسمية للنيابة العامة، والتي انشأت في الآونة الأخيرة. واستطاعت أن تبني جسورًا من الثقة بين المواطن العادي ومرفق العدالة. ما يساهم بشكل كبير في تحقيق الردع اللازم للجرائم مستقبلًا.
وتمثل مدونات مثل “دفتر حكايات” و”ASSULT POLICE”، وغيرها حلقة وصل بين المجتمع المدني ومحاميه وهؤلاء الضحايا. كما تساهم في تقوية رأي عام رافض للجرائم الجنسية، وأكثر تعاطفًا مع الضحايا. على حد اعتقاد المحامي رؤوف.
وتعد مدونة دفتر حكايات إحدى المدونات التي ظهرت خلال السنوات الأخيرة. كما ورد فيها العديد من شهادات لاعتداءات جنسية. بحق ضحايا كنا بالعادة يخشين من فضح أمرهن. أما “ASSULT POLICE” فهي الصفحة التي كشفت جريمة الفيرمونت، ووثقت لها، رغم براءة المتهمين لاحقا.