تتنوع الحركات المسلحة في أفريقيا، وتتعدد أهدافها لكنها تشترك في كونها داء جديد يضاف للقارة المريضة. خلقوا حالة من الرعب والعنف عبرت الحدود. ورغم اختلاف جنسياتها ولغاتها وأهدافها إلا أن السلاح والعنف كان القاسم المشترك لجماعات رفعت كان شعارها إراقة الدماء.
في هذه السلسلة نستعرض تلك الحركات وسياق تكوينها وقصة نشأتها..
“أنتي بالاكا” وخدعة الدفاع عن النفس من خلال العنف
بدأ تشكيل حركة “أنتي بالاكا” في أفريقيا الوسطى كرد فعل على عنف من حركة “سيليكا” الإسلامية. إذ أن الأخيرة نفذت أعمال عنف ضد مسيحيين على أساس ديني وعرقي عام 2013 حينما استولوا على السلطة.
ومن هنا قررت المجموعة التي توحدت تحت اسم “أنتي بالاكا” في الظهور تحت دعوى “الدفاع عن النفس”. وكعادة أغلب التشكيلات الشبيهة والتركيبة الدفاعية ضد الدموية والتطرف يتحول المضطهد مع المتهم. لتنفذ الميليشيا المسيحية نفس ما كانت تشكو منه من أعمال عنف ودموية تجاه الجميع. سواء المنافسين لهم على السلطة أو المدنيين في المنطقة.
بدأت الحركة سلسلة من الصراعات التي راح ضحيتها المدنيين من المسلمين بجانب المسلحين بنفس درجة عنف حركة “سيليكا”. كذلك عمت الفوضى الناتجة عن أعمال العنف أرجاء المنطقة.
وأطلقت ميليشيا “أنتي بالاكا” على نفسها في بداية التكوين “المناهضون للسواطير”، لتضفي على نفسها نوع من الشرعية الدفاعية ضد الجماعة المسلمة. تلك التي تستخدم السواطير في أعمال العنف ضد المسيحيين. كما كشفت أن عملها بالأساس ينصب على إخراج المسلمين من البلاد.
انتزاع السلطة وأسباب التشكيل
نفذت حركة “سيليكا” المسلمة سلسلة من أعمال العنف تستهدف انتزاع السلطة لصالحها خلال عام 2013 في مواجهة المسيحيين. وتمكنت لأول مرة من تنصيب ميشيل جوتوديا المسلم رئيسًا لأفريقيا الوسطى. بعد عزلها لفرانسوا بوزيزي. لتشتعل نيران لم تنطفئ وصراعات انتهت باستقالة أول رئيس مسلم في 10 يناير لعام 2014. أي أنه لم يستمر في الحكم أكثر من 10 أشهر متصلة. كما أعلن أن السبب الذي دفعه نحو هذا القرار يرجع لشعوره بالعجز في مواجهة العنف.
وتولت الحكم كاترين سمبا بنزا، خلفًا للرئيس المسلم، ميشيل جوتوديا، إلا أن الحرب التي اشتعلت لم تهدأ خاصة بعد تشكيل جماعة “أنتي بالاكا” المسيحية. التي راحت تعمل على استعادة السلطة من المسلمين مستخدمة أقصى أشكال العنف.
ولا تتعدى نسبة المسلمين في البلد الـ15% بينما الأغلبية هناك مسيحية. بينما دعم الرئيس الرابع لأفريقيا الوسطى المسيحي الذي تم عزله فرانسوا بوزيزيه حركة “أنتي بالاكا” بجنود من الجيش.
تورط فرنسا في أعمال العنف بإفريقيا الوسطى
اتهم الرئيس المسلم ميشيل جوتوديا، بشكل واضح فرنسا بالانخراط والتورط في دعم فرانسوا بوزيزيه لميليشيا “أنتي بالاكا”. كذلك استند إلى مصادر التمويل التي ترجع إلى حسابات بنكية لديها.
وانطلقت بعد ذلك التصريحات التي تنتمي لحكومة جودوتيا ومنها ما أكده وزير السياحة بأن استمرار دعم فرنسا لـ”أنتي بالاكا” سيؤدي إلى تقسيم المنطقة لجنوب مسيحي وشمال مسلم. كما يساهم في زيادة حدة الصراعات خلال الفترة المقبلة. معتبرًا أن الوضع يزداد سوءا مع مرور الوقت.
وأكد ذلك الرئيس التشادي، إدريس ديبي، الذي اعتبرها مشاركة في الجرائم التي تحدث في المنطقة بالتواطؤ مع الجماعات المسلحة لتأجيج الحرب الأهلية. على حساب الأبرياء من النساء والأطفال.
وأفريقيا الوسطى هي أحد المناطق الاستراتيجية بالنسبة لفرنسا فهي فقيرة وبها صراعات من جهة. لكنها غنية بالألماس الذي يقدر الفرنسيون قيمته جيدًا. لذلك يتم تصنيفها كمنطقة مصالح اقتصادية بالدرجة الأولى. وعزز الأمر حصولها على تفويض من مجلس الأمن بالمشاركة في إخماد فتيل الحرب الأهلية التي اشتعلت في المنطقة. وإنهائها إلا أن الكثير من التقارير والتصريحات المسؤولين أفادت بتورط فرنسا في دعم الميليشيات المسيحية أو بالأحرى “أنتى بالاكا”.
ولفرنسا تاريخ ممتد لا يخلو من سوء السمعة بعد فقدانها السيطرة على أفريقيا الوسطى التي هي جزء من أفريقيا الاستوائية الفرنسية. إذ ظلت تحت وطأة الاستعمار الفرنسي لنحو نصف قرن حتى تم إعلان استقلالها في عام 1960.
وتحتوي البلاد على ثروات مختلفة فبجانب النحاس والماس والذهب هناك أيضًا اليورانيوم وتمتلك “أريفا الفرنسية” وحدة لتحويله في “باكوما” التي تقع جنوب شرق البلاد.
تاريخ دموي منذ بدايته ضد القرويين وتوقعات بانقلاب مرتقب
منذ بدايتها قررت حركة “أنتي بالاكا” الإعلان عن نفسها بهجوم ضد تجمعات المسلمين في “بانجي” عاصمة أفريقيا الوسطى. إذ أسقطت آلاف الضحايا وأحدثت حالة من الفوضى العارمة. ما دفع المجتمع الدولي للتدخل في محاولة لإخماد فتيل الحرب الذي أشعلته بين المسلمين والمسيحيين.
فرنسا تولت زمام القيادة بالتعاون مع القوات الأفريقية في محاولة لإرساء الاستقرار في البلاد. إذ أدى الضغط ونيران الصراع الداخلي لاستقالة أول رئيس مسلم للبلاد. وتعيين كاترين سامبا رئيسة للمرحلة الانتقالية.
بلغ عدد الجنود التي كانت تعمل في تلك المرحلة تحت الإدارة الفرنسية نحو 7000 جندي بينهم 2000 فرنسيين. وظهر دور تشاد أيضًا في هذا المشهد لسعيها نحو التهدئة. وخوفها من انتقال الصراع لها حيث أن الأقلية لديها هم المسيحيين.
وتمكنت “أنتي بالاكا” من السيطرة على العاصمة “بانجي” في عام 2014 واضطر المسلمون بها للهروب نحو التشاد والكاميرون. بينما احتدمت الحرب واستمرت حالة العنف حتى عام 2018. بينما أصبح الصراع أكثر انحيازًا إلى السيطرة على الموارد والمعادن. إلا أن أرواح المدنيين لازالت مهدرة ولكن بنسبة أقل من السابق. وتجدد القلق في 2019 بعودة فرانسوا بوزيزيه من المنفى واتهامه بالاستعداد لعمل انقلاب جديد بدعم من الميليشيا المسلحة “أنتي بالاكا”.