يعول نشطاء بالمجتمع المدني على القرار الحكومي الخاص بإجراء تحليل الـDNA للطفل عقب ولادته في الحد من ظاهرة الأطفال مفقودي النسب وأطفال الشوارع، في ضوء زيادة معدلات خطف الأطفال في الآونة الأخيرة.
وزيرة التضامن الاجتماعي، نيفين القباج، كشفت مؤخرا عن وجود اتجاه لإجراء تحليل الـDNA للطفل عقب ولادته، بالتعاون مع وزيرة الصحة والسكان، حماية للأطفال من إنكار النسب، وكذا حمايتهم من الخطف والتشرد.
ويهدف إجراء هذا التحليل والذي سيتم الاحتفاظ به لحماية الأطفال من الخطف والتشرد، وكذلك معرفة هوية الأطفال التي ستصل إلى دور الرعاية، لاسيما في حالة فقدان الطفل يسهل تعرف أسرته عليه حتى بعد مرور الوقت.
يتعلق هذا القرار بمشروع الجينوم المرجعي القومي، الذي قرر الرئيس عبد الفتاح السيسي البدء فيه في أوائل مارس الماضي، بهدف بناء خريطة لأجداد المصريين وأحفادهم لحمايتهم من الأمراض الوراثية، و يساعد على تشخيص و علاج الأمراض بدقة كبيرة ويكون بمثابة مرجع للدولة المصرية لجينات المصريين وعلاقتهم بأجدادهم القدماء.
يأتي ذلك المشروع المقرر الانتهاء منه عام 2025، بمشاركة وزارت الدفاع والصحة والاتصالات وأكثر من 15 جامعة ومركز بحثي ومؤسسة مجتمع مدني، وبتكلفة مبدئية تصل إلى 2 مليار جنيه.
نتيجة وليس سبب
تأتي تلك التطورات بعد تزايد المطالبات المجتمعية مع زيادة معدلات خطف الأطفال والجريمة، منهم من عاد لأهله، ومنهم من لم يعد لسنوات طويلة، ومنهم من تعرض لحوادث وحشية كالقتل والاغتصاب.
الطفلة ريماس والتي تم قتلها بعدما اغتصبها بالغ أربعيني، ليست بآخر الروايات، فقبلها واقعة “طفلة المعادي” والتي تباينت بها الأوقايل بأنها طفلة تسكن الشارع.
وبحسب تصريحات سابقة ليوسف حسني رئيس برنامج “حماية الأطفال بلا مأوى” فإن عدد الأطفال المشردين أو ما يطلق عليهم أطفال الشوارع في مصر بلغ حتى العام 2019 نحو 16 ألف طفل موزعين على 10 محافظات.
ومن هذا المنطلق تداول مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي منشورا يطالبوا فيه بعمل مسح DNA لكل عائلة لها طفل مختطف، ويتم إلقاء القبض على كل متسول يحمل طفل بقانون مفعل، ويتم إجراء عينة البصمة الوراثية أومسح DNA للطفل الموجود معه.
كما تطرق المنشور إلى الحديث عن وزارة التضامن الاجتماعي والتي بإمكانها عمل تلك التحاليل بأدوار الرعاية الخاصة بها، ليتم توفير قاعدة بيانات تجمع البصمة الوراثية يتم بعدها مقارنة الأسر التي فقدت طفلا بالحالات الموجودة ويتم تسليم كل طفل يثبت نسبه لأهله.
ما هو تحليل DNA؟
تحليل “DNA” هو تحليل للحمض النووى، من خلال إحدى خصائص الإنسان الحيوية، من خلال الوصول إلى المادة الوراثية الموجودة فى الإنسان “الجينات” والتى تميز كل شخص عن الآخر، خاصة وأن لكل إنسان صفاته الوراثية المختلفة.
ويساعد التحليل على تحديد هوية الفرد بناء على الحمض النووى المتوفر، ويتم عن طريق أخذ عينة بطرق وأساليب مختلفة، سواء عن طريق الفم، أو اللعاب، أو الشعر، أو حتى عن طريق الأظافر، أو الدم، وتعتبر العينات المأخوذة من اللعاب وخلايا الفم هى الأسهل والأكثر دقة.
دول تمتلك قاعدة بيانات
أعطت الدول المتقدمة اهتماما كاملا للبصمة الوراثية، حيث أنشأت المملكة المتحدة أول قاعدة بيانات وطنية للحمض النووي في أبريل 1995، تسمى قاعدة البيانات الوطنية للحمض النووي (NDNAD). وبحلول عام 2006، احتوت على 2.7 مليون ملف حمض نووي (حوالي 5.2٪ من سكان المملكة المتحدة)، بالإضافة إلى معلومات أخرى للأفراد ومشاهد الجريمة و 5.7 مليون ملف شخصي بحلول عام 2015. ويتم تخزين هذه المعلومات في شكل رمز رقمي، الذي يقوم على تسميات كلSTR ، ونيوزيلندا هي البلد الثاني الذي أنشأ مثل هذا النوع من قواعد البيانات.
كذلك كانت دولة الإمارات العربية المتحدة هي الأخرى سباقة في هذا المجال فقد أنشأت قاعدتي بيانات للبصمة الوراثية عام 2008 الأولى متعلقة بالسجل المدني والثانية متعلقة بالسجل الجنائي.
في السياق ذاته، أصدرت الحكومة الكويتية قانونا في يوليو 2015 تطلب من جميع المواطنين والمقيمين الدائمين (4.2 مليون شخص) الحصول على الحمض النووي الخاص بهم لقاعدة بيانات وطنية. وكان سبب هذا القانون مخاوف أمنية بعد تفجير داعش الانتحاري لمسجد الإمام الصادق.
“DNA على بطاقة كل مواطن”
وتحت شعار “DNA على بطاقة كل مواطن”، حاولت سميرة حمدى الحاصلة على بكالريوس تجارة، تأسيس مشروع قامت فيه بتجميع معلومات عن تحليل الـ”DNA” بشكل عام، لكتابته ضمن قاعدة بيانات المواطن المصرى فى البطاقة، وعلى شهادات ميلاد الأطفال.
تبنت سميرة ذلك الاتجاه، بعدما قررت أن تشارك الجمعيات الأهلية في مشروعها “الأسر البديلة” والتي تقوم من خلاله برعاية طفل على فترات متفاوته، للشعور بدفء الأهل، ولكن ذلك الأمر أثار داخلها تساؤل: “أين الأم والأب هذا الطفل”، وهو ما حاولت أن تجد له إجابة من خلال تدشين قاعدة بيانات للبصمة الوراثية لكل طفل، نظرا أن أطفال دور الرعاية هم مجهولي النسب وليس أيتام.
ولكن انتهى هذا المشروع إلى لا شيئ/ بسبب عدم تبنى الحكومة للفكرة، بعد سنوات من البحث عن منفذ للمشروع دون جدوى.
أطفال مجهولي النسب
يستخدم الـ DNA في تحليل الأمراض الوراثية، والبصمات الوراثية الذي يفيد في عالم الجرائم. أو علم الانساب الوراثي.
كما بات تحليل البصمة الوراثية مؤخرا يستخدم في إثبات النسب، فتقول شيرين غالب أستاذة الطب الشرعي والسموم بمستشفى القصر العيني، إن وقائع الاغتصاب وزنا المحارم وغيرها بات إثبات نسب الأطفال فيها عن طريق تحليل البصمة الوراثية وهو جنين في بطن أمه.
وتطالب غالب بضرورة أن يراجع النائب العام المواد التي تعطيه الحق بأن بأمر بالاعتماد على التحليل في هذه الحالات.
وبحسب قانون الطفل في المادة 4 “لا يجوز أن ينسب الطفل إلى غير والديه، ويحظر التبني. وله الحق في إثبات نسبه الشرعي إليهما بكافة وسائل الإثبات بما فيها الوسائل العلمية المشروعة. وعلى الوالدين أن يوفرا الرعاية والحماية الضرورية للطفل. وعلى الدولة أن توفر رعاية بديلة لكل طفل حُرم من رعاية أسرته ويحظر التبني، ولا يجوز أن يكون الاسم منطوياً على تحقير أو مهانة لكرامة الطفل أو منافياً للعقائد الدينية”.
قضايا استخدم فيها البصمة الوراثية
استخدمت المحاكم تحليل البصمة الوراثية لإثبات هوية مرتكبي عدد من الحوادث الإرهابية وفي التحقيقات الجنائية، وفي حال توافر تلك البيانات كقاعدة بيانات مركزية للأفراد، ستمكن من تسهيل عمليات البحث ومقارنة عينات الحمض النووي التي تم تجميعها من مسرح الجريمة مع الملفات المخزنة في قواعد البيانات.
“إذا توفر لدى الدولة قاعدة بيانات للبصمة الوراثية الخاصة بكل مواطن سيتم التعرف بسهولة وسرعة على هوية الجثث المجهولة ومن ثم إبلاغ الأهالي لاستلامها “، يقول الدكتور هشام عبدالحميد، رئيس مصلحة الطب الشرعي السابق.
ويوضح عبدالحميد أن عدم توفر قاعدة بيانات للبصمة الوراثية تمثل عائق أمام تحديد الجثث مجهولة الهوية سواء بسبب تشويه من حريق أو اختفاء معالمها كغريق أو كون الجثة أشلاء نتيجة تفجير، ويضطر الطب الشرعي حينها عمل تحليل الحمض النووي للجثة والاحتفاظ بنتيجة البصمة الوراثية إلى أن يظهر أحد من أهل الجثة فيتم مقارنة البصمة الوراثية الخاصة به بالبصمة المسجلة.
تحليل البصمة مرة واحدة
يجرى تحليل البصمة الوراثية مرة واحدة في العمر، وليس هناك حاجة لتكراره فنتائجة ثابته لا تتغير، يقول كبير الأطباء الشرعين، مشيرا إلى أن تكلفة العينة الواحدة تقدر بنحو ألف جنيه فنحتاج إلى ميزانية ضخمة لتنفيذ قاعدة البيانات.
يشير عبد الحميد إلى أن إجراء تحليل البصمة الوراثية يستغرق 6 ساعات فقط، وتمتلك مصلحة لطب الشرعى جهاز لتحليل البصمة الوراثية.
البصمة الوراثية للمواطنين
وعن آلية التنفيذ، لفت عبد الحميد إلى إنه من الممكن تسجيل بيانات البصمة الوراثية للمواطنين عن طريق السجل المدني أثناء استخراجهم للبطاقات الشخصية على أن يكون تقديم المواطن لبيانات البصمة الوراثية الخاصة به شرط أساسي لحصوله على البطاقة الشخصية وبالنسبة للأطفال يتم تسجيل بيانات البصمة الوراثية أثناء استخراج شهادات الميلاد.
بصمة القدم
في ديسمبر الماضي، أقام مصطفی محمد محمد أحمد، دعوى طالب فيها بإنشاء بنك DNA وتغيير شهادات الميلاد بإضافة صورة الأم وبصمة قدم الطفل وإنشاء إدارة الأحداث والمخطوفين، واختصم فيها كل من رئيس الجمهورية، وزير الداخلية، وزيرة التضامن، وزيرة الصحة، رئيس مجلس النواب، وزير العدل، رئيسة المجلس القومي للأمومة والطفولة بصفاتهم.
وفي هذا السياق، أوضح رئيس شبكة الدفاع عن الأطفال أحمد مصيلحي، أن ما يحتاجه الطفل المصري هو تشريع وليس دعوى، فشهادة الميلاد المصرية شهادة فقيرة لا تعبر بشكل أو بآخر عن الطفل المذكور اسمه داخلها.
يشرح مصيلحي أنه من خلال عمله واجه الكثير من قضايا اختطاف الأطفال يكون فيها الخاطف قادرًا على استخراج شهادة ميلاده جديدة للطفل المخطوف يثبت فيها أنه طفله، وهو ما يثبت ضعف هذه الشهادة التي لا تحوي سوى الاسم والرقم القومي ولكن ليس لها علاقة بجسد الطفل.
يطالب مصيلحي الدولة متمثلة في مصلحة الأحوال الجنائية منذ 2008، بأن يتضمن شهادة الميلاد بصمة رجل قدم الطفل عن طريق باركود، تحمل بيانات الطفل بما فيها بصمة القدم لعدم اختلافها على مدار الزمن.
يستعين مصيلحي بتجارب الدول والتي تقوم بعمل نماذج شهادات الميلاد، يتم اختيار تاريخ الميلاد للطفل المكود بباركود، مثل الموجود في البطاقة الشخصية والموجود على أي سلعة أو منتج، ويحمل هذا الباركود بيانات الطفل بالكامل وبيانات الأم والأب كذلك وصورهم، وبعض الدول تضع البصمة الوراثية للطفل، وصورة للطفل ودول تضع بصمة للقدم لعدم اهتلافها بتغير الزمن، وهناك دول تستعين ببصمة العين، كل هذه البيانات يتم إضافتها لهذا الباركود والذي يتم الاستعانة بها للاستعلام عن الطفل.
يرى مصيلحى أن تسجيل بصمة القدم هو الأسلوب الأسهل من تسجيل قاعدة بيانات البصمة الوراثية، والتي تتمثل عواقبه في استيراد مواد التحليل وتكلفته العالية للدولة نظرا للعدد الكبير للمواليد.