ربما لم يتصور محمد رمضان، محامي الغلابة، أن ارتداء سترة صفراء سيكلفه ثلاث سنوات من عمره، ومازال الرقم مرشحًا للزيادة.
أول أمس رأت النيابة أن “ابن الإسكندرية الجدع” كما يلقبه أصدقاؤه يمثل خطرًا على الدولة. فاتخذت قرار تدويره لقضية ثالثة تحمل نفس الاتهامات، التي سبق أن برأته المحكمة منها.
وقررت نيابة أمن الدولة العليا حبس رمضان 15 يومًا على ذمة القضية رقم 910 لسنة 2021. وذلك بعد توجيه تهمة الانضمام لجماعة إرهابية، وهي القضية الثالثة من نوعها.
وألقي القبض على رمضان من أحد شوارع الإسكندرية، في 10 ديسمبر عام 2018، بعد نشره صورة على “فيسبوك”. وهو يرتدي سترة صفراء، فتم احتجازه بمقر الأمن الوطني.
حينها وثقت المفوضية المصرية للحقوق والحريات تعرض رمضان للضرب والاعتداء بمقر الأمن الوطني. قبل ترحيله إلى نيابة المنتزه، حيث جرى احتجازه في غرفة صغيرة بها 6 أشخاص معصوبي العينين وتجريده من ملابسه بواسطة شخصين بغرض تفتيشه، وحسبما أكد رمضان نفسه في تحقيقات النيابة.
وهي التحقيقات التي أدت إلى احتجازه على ذمة القضية رقم 16576 لسنة 2018. إذ واجه عدة اتهامات، أبرزها “حيازة وإحراز 5 سترات صفراء للدعوة للمشاركة في تظاهرات ضد النظام على غرار التظاهرات التي شهدتها فرنسا في وقت سابق”.
تدوير محمد رمضان.. دائرة مفرغة
بعد عامين وهما الحد الأقصى لمدة الحبس الاحتياطي، قررت محكمة جنايات الإسكندرية إخلاء سبيل “رمضان” في 2 ديسمبر 2020. إلا أن وزارة الداخلية لم تخل سبيله، وعُرضه في 8 ديسمبر على نيابة أمن الدولة العليا. التي قررت حبسه على ذمة القضية رقم 467 لسنة 2020 حصر نيابة أمن الدولة العليا.
تكررت الاتهامات كالعادة وتركزت حول الانضمام إلى جماعة محظورة، على خلفية محضر تحريات أمنية يزعم نشره رسائل من محبسه تهدف لزعزعة الاستقرار.
وظل رمضان قيد الحبس الاحتياطي من خلال قرارات تجديد حبس ورقية دون حضوره من محبسه. وهو ما يعد انتهاكًا صارخًا للحق في المحاكمة العادلة، وفي استغلال لأوضاع جائحة كورونا.
“الأمر أصبح دايرة مفرغة” هكذا يرى منسق عام حملة الدفاع عن المحامين ياسر سعد. واستكمل حديثه: “ما إن يخرج محتجز الرأي من قضية حتى يقابل أخرى، وحتى إتمامه فترة العامين أصبحت غير كافية”. وأضاف سعد: “ليست هناك قواعد واضحة تحكم الموقف”.
محمد رمضان.. سجون الموت
يعاني رمضان من حالة صحية متدهورة نتيجة ظروف احتجازه غير الإنسانية، وفق تقارير حقوقية.
وفي 19 فبراير الماضي، أقر رمضان في محضر جلسة المحكمة بتوقيع الكشف الطبي عليه بناء على طلبه. وكانت النتيجة أنه يعاني من انسداد في الشريان التاجي وتورم في الرجل ما يحتاج لخضوعه إلى فحوصات وأشعة. إلا أن إدارة السجن امتنعت عن تحويله إلى متخصص في أمراض القلب للكشف عليه ورفضت نقله إلى المستشفى.
لاحقا طالبت 9 منظمات حقوقية، إدارة سجن طرة بنقله إلى المستشفى، وإجراء كافة الفحوصات الطبية اللازمة. وذلك بعد شكواه من آلام مستمرة في الركبتين، إلى حد عدم قدرته على الجلوس أو الحركة بشكل طبيعي.
وكان رمضان أرسل استغاثة من محبسه، تفيد بتدهور حالته الصحية، والتي نقلها عدد من زملائه المحامين. وطالبوا بتوقيع الكشف الطبي عليه، بعد شكواه المستمرة.
ولكن في 2 مايو الماضي، قرر الضباط المسؤولون عن السجن التنكيل بـ”رمضان”، عقابًا له على تكرار طلب الكشف الطبي. حيث تم نقله من العنبر المحتجز فيه إلى عنبر آخر سيئ التهوية، باﻹضافة إلى منع الزيارة عنه لمدة شهرين، بحسب المنظمات.
وأشارت المنظمات إلى أن هذا السجن شهد قبل عام وفاة شادي حبش، بعد الامتناع عن تقديم الرعاية الصحية اللازمة لحالته. ولذلك طالبت بالإفراج عنه، والتحقيق في منع إدارة سجن طرة الرعاية الصحية عنه.
في المقابل، نفت وزارة الداخلية في بيان رسمي حرمان محمد رمضان من تلقي الرعاية الصحية في محبسه بسجن طرة، مؤكده تلقيه كافة أوجه الرعاية الصحية وانتظام الزيارات الخاصة.
في حين، قال ياسر سعد إن حملة الدفاع عن المحاميين، تقدمت بطلب لنقيب المحامين لمخاطبة النائب العام ووزير الداخلية لإخلاء سبيل الزميل محمد رمضان المحبوس علي ذمة القضية رقم ٤٦٧ لسنة ٢٠٢١ حصر أمن دولة عليا؛ بسبب تردي أحواله الصحية بمقر حبسه بسجن طرة، ونقله إلى مستشفى السجن لتلقي العلاج اللازم.
محمد رمضان.. مرض والدته ووفاتها
وخلال فترة حبسه تعرضت والدة رمضان لانتكاسة صحية، ساهم في ذلك حالتها النفسية السيئة بسبب احتجاز نجلها. حينها تقدمت محاميته المحتجزة حاليا بدورها، ماهينور المصري، بطلبات جديدة، واحد منها لقطاع حقوق الإنسان بمديرية أمن الأسكندرية. بينما الآخر لمصلحة السجون، لتمكين رمضان من زيارة والدته، وهي الطلبات التي قوبلت جميعها بالرفض.
آنذاك نشرت المصري في حسابها على “فيسبوك”، عن الحالة الصحية لوالدة رمضان. وأوضحت أنها مصابة بورم في الرحم، وأن الأطباء اكتشفوا قبل أيام أنه أصاب الرئة وبدأ ينتشر للمخ. كما بدأت المطالبات بهذا تحت وسم “طلعوا محمد رمضان يشوف والدته”.
وبعد صراع من المرض وتعنت الداخلية، رحلت والدة محمد، فتغير الوسم إلى “طلعوا محمد رمضان يدفن والدته”. ولكن تكرر الموقف، ولم ينجح “أبو بيبرس” كما يحب أن يطلق عليه، في وداع والدته.
عن قضية رمضان، تقول مديرة الحملات المعنية بشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية، نجية بونعيم إن احتجاز محمد رمضان بسبب نشره صورة على “فيسبوك” تهزأ من القيود التي فرضتها الحكومة على بيع السترات الصفراء هو أمر مثير للسخرية تماماً.
تؤكد بونعيم أن “قضية رمضان تسلط الضوء على مدى استعداد السلطات المصرية لاتخاذ الإجراءات المشددة لقمع أدنى تحديات مفترضة لسلطتها”.
مضيفة: “لقد احتُجز محمد رمضان لمجرد تعبيره عن آرائه، وبسبب عمله كمحامٍ حقوقي. فيجب على السلطات المصرية إطلاق سراحه فوراً ودون قيد أو شرط، وإسقاط جميع التهم الموجهة إليه”.