في زنزانة صغيرة في أحد السجون المخصصة للنساء، ستقضي ريناد عماد، 3 سنوات من عمرها في سجن. بتهمة نشر فيديوهات وصور تعتدي على قيم ومبادئ الأسرة المصرية والمجتمع.
ريناد المعروفة إعلاميًا بفتاة “التيك توك“، لم تتخيل يومًا أن شخصًا لا تعرفه سيكون سببًا في سجنها. شخص شاهد وقرر أنَّ ما تقدمه الفتاة الصغيرة سيؤثر على الأخلاق ويخدش الحياء ويفكك المجتمع، فقدّم بلاغًا في يونيو 2020. وبعد عام يصدر الحكم بالسجن.
وطالت بلاغات فرحات الفنانة رانيا يوسف حيث اتهمها في بلاغ بازدراء الأديان والفعل الفاضح بعد لقاء إعلامي لها.
لكنّ المحامي سمير صبري، يبقى واحدًا من المنفردين بالرقم القياسي في البلاغات ضد الفنانين. فالرجل تقدم بـ3212 بلاغًا للنائب العام ضد فنانين وسياسيين ورجال أعمال. يزعم أنهم أنهم ارتكبوا أفعالاً تخالف الثوابت والقيم والعادات، أو ما يمثل ازدراء الأديان.
صانعات المحتوى والمصير
وعلى ذكر ريناد عماد، فإن عدد المحبوسات بسبب نشر محتوى على تطبيقي تيك توك ولايكي، سبعة فتيات. وهن إمَّا على ذمة المحاكمة، وإما تنفيذًا لأحكام صدرت بحقهن، وفقًا لبيانات الصادرة عن النيابة العامة خاصة بتلك الوقائع. فضلًا عن باقي المستهدفات والمستهدفين على خلفية الحملة الأمنية التي استهدفت صانعات/ين محتوى على مواقع التواصل الاجتماعي.
وإذا كانت قضية ريناد عماد ارتبطت باسم المحامي أشرف فرحات الذي قدم بلاغًا ضدها العام الماضي. فقد سبقتها حسام حنين التي حكم عليها بالسجن عامين وغرامة 300 ألف جنيه. وذلك بعد بلاغ قدمه المحامي سمير صبري المعروف بكثافة بلاغاته ضد المشاهير، يتهمها فيه بنشر فيديوهات تحض على الفسق والإتجار في البشر.
“أبو البلاغات” يحاكم المجتمع
لم يكتف صبري الذي يعرِّف نفسه على صفحته على الفيسبوك بـ”أبو البلاغات”. بل أقام دعوى قضائية ضد رئيس مجلس الوزراء ووزيري الإعلام والاتصالات، يطالب فيها بالحكم بغلق تطبيق “التيك توك”. ويزعم مخالفته القيم الدينية والأخلاقية والاجتماعية، معتبرا أن المحتوى الذي يقدم على “التيك توك” يخدش الحياء والآداب العامة وينشر الفجور.
قضايا التيك توك، كما عرفها المصريون، جاءت في إطار ارتفاع موجة الوصاية المجتمعة تحت شعار “قيم الأسرة المصرية”. تلك التي شهدت خلال السنوات الماضية ظهور مجموعة من المحامين، عينوا أنفسهم رقباء على المجتمع. واعتادوا تقديم بلاغات استهدفت فنانين وأدباء وسياسيين ورياضيين، حتى إن البعض منهم أطلق مبادرة “تطهير المجتمع”. والبعض الآخر أعلن صراحة أنه وصيٌّ على المجتمع.
“أنت حر ما لم تضر”، شعار فقد قيمته ولم يعد له مكان في المحروسة. فأنت أصبحت حرًا طالما رضي عنك محامون أوصياء على المجتمع. يقولون إنهم يدافعون عن الأخلاق، ويرى آخرون أنهم يبحثون عن شهرة على حساب سنوات تضيع من عمر فتيات صغيرات.
فنانون تحت الرقابة
فتيات “التيك توك”، لم يمثلوا الحلقة الأولى أو حتى الأخيرة في دائرة البلاغات المستمرة منذ عدة سنوات، فسبقهم سياسيون ومفكرون وفنانون ورياضيون. وقفوا متهمين أمام النيابة أو في جلسات المحاكم لمجرد بلاغ قرر محامي تقديمه دون أن تكون له مصلحة مباشرة.
فكان آخر هذه البلاغات، تقدم بها صبري، اتهم فيها الفنان إيمان البحر درويش، بالتحريض على الفوضى. وجاء بعد ساعات من انتقاد الفنان لإدارة الحكومة لملف التفاوض في أزمة سد النهضة.
الفنان محمد رمضان كان له نصيب هو الآخر من بلاغات صبري، حيث تقدم ببلاغ رسمي للنائب العام ونيابة أمن الدولة العليا ضد رمضان لتعمده نشر أخبار كاذبة من شأنها تهديد الاقتصاد القومي، مطالبًا بالتحفظ على أموال محمد رمضان وطلب منعه من مغادرة البلاد. وجاء البلاغ بعد أن نشر رمضان فيديو على صفحته يتحدث فيها عن تلقيه اتصالاً من أحد البنوك الخاصة يؤكد تحفظ الدولة على أمواله.
وقبل رمضان طالت بلاغات صبري، أبلة فاهيتا مقدمة برنامج “الدوبلكس”، والفنانات انتصار، وشيرين عبد الوهاب، ورانيا يوسف، وسما المصري، وآخرين. حتى أنه أعلن في إحدى تصريحاته، أن باقي المحامين يقلدونه ويسيرون على نهجه.
..وللسياسيين نصيب
السياسيون كان لهم نصيب كبير من بلاغات صبري، فرفع دعوى قضائية شهيرة عرفت إعلاميا بـ”الإشارة البذيئة” ضد المحامي خالد علي. كما استهدفت بلاغاته الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، والمستشار هشام جنينة الرئيس الأسبق للجهاز المركزي للمحاسبات، والفريق سامي عنان رئيس أركان الجيش السابق، وعبد المنعم أبو الفتوح رئيس حزب مصر القوية، حتى بلغ الأمر أنه تقدم ببلاغ لحل المجلس القومي لحقوق الإنسان.
لم يكن المحامي سمير صبري هو الوحيد الذي عين نفسه رقيبًا على المجتمع. وبالعودة للحديث عن المحامي بالنقض أشرف فرحات صاحب البلاغ ضد ريناد عماد فتاة التيك توك، الذي أسس حملة أطلق عليها “تطهير المجتمع”. وقد منح نفسه من خلالها الحق في البحث وراء كل ما يشاهده ليتقدم ببلاغ ضده، حتى أنه يعرف نفسه بصاحب أول دعوى قضائية ضد فتاة “فوتوسيشن سقارة”.
بعض المحامين ساروا على خط صبري وفرحات، أشهرهم المحامي وحيد الكيلانى، أحد مقدمي البلاغات ضد رانيا يوسف بسبب ارتدائها فستانًا في مهرجان القاهرة السينمائي. وظهر بكل تحدى معلنًا أنه مستعد للتنازل عن البلاغات المقدمة منه، فقط إذا خرجت على الهواء وقدمت الاعتذار للشعب المصري على ارتدائها هذا الفستان.
خدش الحياء العام
في العام نفسه، تقدم الكيلاني ببلاغ للنائب العام، ضد كل من الكابتن مجدي عبد الغني، وأحمد حسام ميدو، وحازم إمام، وإدارة قناة أون سبورت. يتهمهم بارتكاب فعل فاضح بسبب تسريب حديثهم في الاستديو أثناء تواجدهم للتعليق على مباراة مصر والبرتغال. ورغم أن الحديث الدائر بينهم كان “خاص” وجرى تسريبه إلا أن المحامي قرر أنهم يستحقون العقاب لخدشهم الحياء العام.
الأحزاب المقربة من السلطة لم تكن بعيدة عن بلاغات الحسبة السياسية، فالمحامي أيمن محفوظ، قدم بلاغا ضد حزب مستقبل وطن، يقول فيه إن الحزب استغل اسم الرئيس عبد الفتاح السيسي في الاستفتاء على الدستور.
محفوظ لاحق ببلاغاته كلا من الفنان عمرو واكد واتهمه بازدراء الدين الإسلامي، إثر مطالبة الأخير بإلغاء عقوبة الإعدام، كما تقدم ببلاغ للنائب العام ضد الفنان خالد أبو النجا قال فيه إن الأخير يروج للمثلية الجنسية. كما تقدم ببلاغ ضد الفنان رامز جلال، لأنه يقوم بتقديم برنامجا “سخيفا”. حتى إنه تقدم ببلاغ ضد أبو البلاغات بتهمة تزوير شهادة الدكتوراه.
محمد حامد سالم محامي يعرف نفسه بالمفكر السياسي، تقدم ببلاغات مختلفة ومتنوعة. لكن أكثر ما أثار اهتمامه هو رئيس حزب الكرامة السابق والمرشح الرئاسي السابق، حمدين صباحي، إذ قام بتقديم عدة بلاغات ضده، يتهم فيه بالتحريض على الدولة والمطالبة بإيداعه مستشفى الأمراض العقلية، وآخر ضد الحركة المدنية ومنها حمدين صباحي إلى نيابة نيابة شمال الجيزة، فضلاً عن بلاغه ضد نائب مجلس الشعب السابق ورئيس حزب الكرامة الحالي أحمد طنطاوي.
مخالفة دستورية
وتأتي هذه البلاغات رغم تقدّم “مسار” (مجتمع التقنية والقانون)، وهي منظمة مصرية تركز أنشطتها على الحريات الرقمية في النطاق القانوني المصري، بدفعٍ إلى محكمة جنح مستأنف القاهرة الاقتصادية يقول بعدم قانونية جريمة الاعتداء على قيم الأسرة المصرية.
ويستدل بأن المادة 25 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات تخالف العديد من النصوص الدستورية، مثل المادة 95 من الدستور الصادر في عام 2014 التي تقضي بأن تحترم النصوص العقابية مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، بأن تكون النصوص القانونية واضحة ومحددة بطريقة لا يكتنفها أي غموض، وأن يستدلّ على أركان الجريمة من المضمون الظاهر للنص وليس من خلال التأويلات والتفسيرات المختلفة لأحكامه، وهو ما تفتقر إليه عبارة: الاعتداء على مبادئ وقيم الأسرة المصرية.