تتبنى الحكومة خطة جديدة لتحويل المصانع المتعثرة والمغلقة إلى وحدات إنتاجية صغيرة. عبر استغلال أصولها من الآلات والأراضي التي تملكها، كوسيلة لتلافي المبالغ الضخمة التي تحتاجها للتطوير أو تجاوز الزمن منتجها. كذلك تشجيع المشروعات الصغيرة باعتبارها الأكثر مساهمة في النمو الاقتصادي عالميًا.
بدأت وزارة قطاع الأعمال العام سياسة جديدة لإنشاء مجمعات صناعية ومصانع للملابس الجاهزة، قائمة على استغلال أراض مصانع غير مستغلة. خاصة في قطاع الغزل والنسيج. كما بدأت باستغلال مصنع بمحافظة الفيوم مغلق منذ سنوات، ليتم تحويله إلى 20 مصنعًا صغيرًا.
وقال مصدر بوزارة قطاع الأعمال العام، لـ”مصر 360″، إن مجمع الفيوم الجديد سيتم طرحه أمام صغار المستثمرين بتمويل من جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر. وتم اختياره للبدء به لارتباطه بخطة تطوير المحالج لإنتاج أقطان بجودة عالية. خالية من الشوائب بجانب وجود محلج الفيوم المطور الموجود بالمنطقة ويعوّل عليه كثيرًا في قطاع الغزول.
تستهدف الحكومة زيادة نمو القطاع الصناعي من 6.3% عام 2018/2019 إلى 10.7% بحلول العام المالي 2021/2022. لما يسهم في خفض معدلات البطالة إلى 8% قياسًا على معدلات العام المالي 2017/2018. كذلك الاهتمام بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة من خلال تخصيص 10% من الأراضي الشاغرة والمرفقة للمشروعات الصغيرة.
ووفق المصدر فإنه سيتم تنفيذ المجمعات ذاتها في الزقازيق بالشرقية وكفر الزيات بالغربية وكفر الدوار بالبحيرة. وهي مدن تتضمن محالج ستكون جاهزة للعمل والإنتاج الضخم، خلال الموسم المقبل. مع تطوير المحالج التي تتضمنها. كذلك توقع أن يكون البدء في الغربية على اعتبار أن لها باع طويل في صناعة الملابس.
عدد ضخم
يتماشى ذلك التوجه مع إعلان وزارة القوى العاملة تدشين مليون مشروع صغير للقضاء على البطالة، مع الاهتمام بالمشروعات الصغيرة، والتدريب المهني.
وقال وزير القوى العاملة، في تصريحات تلفزيونية، إن الحكومة لو تمكنت من تنفيذ 100 ألف مشروع صغير ستوفر مليون فرصة عمل، ما يعني أن المليون مصنع صغير يمكنها أن توفر 10 ملايين فرصة عمل، إذ تستوعب التنامي الكبير في عدد السكان ومخرجات التعليم السنوية.
كما أوضح أن المشروعات الكبرى للدولة حلت أزمة البطالة العائدة من العراق وليبيا. كذلك يوجد حاليًا قوائم انتظار في مشروع التدريب المهني. ما يعني إقبال كبير من الشباب على بدء مشروعات خاصة، أو امتلاك حرفة مهنية يبدأ بها حياته.
ووفق إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء فإن مصر يتخرج فيها من التعليم العالي سنويًا نحو 569 ألف خريج. بينما يمثل التعليم الفني 40% من طلاب المرحلة الثانوية سنويًا. بواقع 1.9 مليون طالب. موزعين بين مدارس التعليم الفني الزراعي والصناعي والتجاري والفندقي.
ظلت مشكلة التمويل أحد المشكلات الأساسية التي وقفت أمام حدوث نقلة في الصناعات الصغيرة في مصر. قبل أن ينشط جهاز المصرفي التعامل معها. وآخرها توقيع جهاز تنمية المشروعات عقد لتمويل مشروعات متناهية الصغر مع بنك مصر بقيمة 500 مليون جنيه. ليبلغ إجمالي العقود الموقعة بين الطرفين 1.8 مليار جنيه.
ويتراوح التمويل الذي يحصل عليه المشروع الصغير بين 50 و200 ألف جنيه. كما يتم إعفاء المشروع من ضريبة الدمغة ورسوم التوثيق والشهر لعقود تأسيس الشركات والمنشآت وعقود التسهيلات الائتمانية والرهن المرتبطة بأعمالها لمدة 5 سنوات. من تاريخ قيدها في السجل التجاري.
توفير التمويل
بلغ إجمالي التمويلات التي ضخها جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة والمصانع متناهية الصغر خلال نحو سبع سنوات. 31.3 مليار جنيه بهدف تمويل المشروعات بكل أشكالها. حيث تم ضخ 12.6 مليار جنيه للمشروعات الصغيرة من خلال الجهات الوسيطة. ما وفر 294.374 فرصة عمل جديدة.
وألزم البنك المركزي البنوك في 2016 بزيادة محفظة القروض والتسهيلات الائتمانية الموجهة للمشروعات المتوسطة والصغيرة لتصل إلى نسبة لا تقل عن ٢٠% من إجمالي محفظة التسهيلات الائتمانية لكل بنك، قبل أن يقرر زيادتها في فبراير 2021 لتصبح 25 %، مع اشتراط ألا تقل النسبة الموجهة للمشروعات الصغيرة عن 10%.
مشكلات مزمنة تواجه المشروعات الصغيرة
لكن المشكلة ليست في التمويل فقط ويأتي القدرة على تسويق المنتجات والخدمات التي ينتجها أو يقدمها المشروع الصغير في المقدمة. خاصة في قطاع مثل الملابس الجاهزة الذي يتضمن كيانات محلية كبيرة. وأخرى عالمية لديها فروع في كل مكان. والمنافسة لمن يستطيع أن يسوق وأن يرسم لنفسه صورة ذهنية إيجابية في السوق.
يؤكد محمود فوزي، صاحب ورشة أخشاب، أن الإشكالية التي تواجه الصناعات الصغيرة أيضًا في التغير المستمر للأذواق. فبعد نشاط ورشته في عمل الأثاث المكتبي الخشبي أصبح المعدني الأكثر انتشارًا حاليًا. ما دفع لتغيير نشاطه نحو الأثاث المنزلي ومعاناة مشكلات في المادة الخام التي جمع كميات منها ولم يعد يحتاجها حاليًا.
تبدو مشكلة فوزي منتشرة في العديد من الصناعات الصغيرة التي لا يملك أصحابها القدرة على انتقاء المعدات والآلات الأصلية اللازمة للصناعة. وعجزهم عن التواصل مع الموردين المحليين والدوليين ووقعهم أحيانًا في فخ شراء أدوات غير أصلية. تتقادم بوتيرة سريعة مما يضعهم في مشكلة الإهلاك السريع وتمويلها.
ويقول الخبير الاقتصادي خالد الشافعي إن منشآت الأعمال الصغيرة تبلغ نسبها نحو 50% من الناتج المحلي في دول العالم. ولم تأخذ وضعها المأمول في الاقتصاد المصري حتى الآن. ما يتطلب تحركات شاملة من بينها تغيير ثقافة خريجي المعاهد والجامعات للتعامل مع الأوضاع الاقتصادية الحالية. بالإضافة إلى فكرة المشروعات الصغيرة و المتوسطة وريادة الأعمال.
ويطالب خبراء اقتصاد بأن تكون الأولوية للمنتج المصري في التوريدات الحكومية ومساعدة المشروعات الصغيرة على الوصول بمنتجها إلى المواصفات القياسية. على مستوى الشكل النهائي والتغليف. ومعالجة المخلفات. كذلك تطوير العمليات الإنتاجية لتواكب التطورات التكنولوجية المتلاحقة وتغيير التصميم ليتلاءم مع تغير الأذواق.
التمويل ليس مشكلة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة
ويقول الشافعي إن التمويل لا يمثل مشكلة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة. فالبنوك لديها ودائع تناهز 4.7 تريليون جنيه يمكنها تمويل عدد ضخم من المشروعات مع توجيه أصحاب المشروعات ومساعدتهم بالخبرة الفنية اللازمة. وتذليل العوائق أمامهم للعمل والتوسع والتشغيل.
وأضاف أن بعض الشركات الصغيرة تعاني من منافسة غير عادلة مع الشركات الكبيرة. ما يستدعي جمعها في كيانات مثل المجمعات الصناعية الجديدة لتوطينها وإدخالها في المنظومة الرسمية. فتلك الكيانات لديها قدرة على استيعاب أكبر للعمالة وتقليل الاستيراد وضبط الميزان التجاري للدولة، وزيادة الناتج القومي الإجمالي.
وأطلقت وزارة التجارة والصناعة، أطلقت مبادرة “مصنعك جاهز بالتراخيص” لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة. بهدف طرح 22 مجمعًا صناعيًا متخصصًا في 14 محافظة. كذلك تتولى هيئة التنمية الصناعية دور إنشاء المصانع وترفيقها، وإصدار تراخيصها. ومن ثم طرحها للمستثمرين بسعر التكلفة دون تربح.
ويعتمد تقسيم المجمعات الصناعية وفقًا لنمط الإنتاج المتوافر لتتضمن عدد من المجالات على رأسها المفروشات والملابس الجاهزة، والبلاستيك. كذلك الصناعات الهندسية والكيماوية البسيطة ومواد البناء. مع إنشاء مراكز متخصصة لنقل المعرفة ومراكز للتدريب وتقديم الدعم الفني لتطوير الصناعة داخل كل مجمع.