في منتصف يونيو الجاري، وافقت لجنة الاقتراحات والشكاوى بمجلس النواب، على مقترح للنائب أيمن أبو العلا، بمشاركة القطاع الخاص في منظومة التلقيح، ببيع لقاحات كورونا الحاصلة على موافقة هيئة الدواء المصرية للقادرين، بالتوازي مع استمرار الحكومة في توفيرها مجانًا بضوابط انتظار الدور وأولويات للراغبين.
وخلال اجتماع اللجنة، وصف مساعد وزيرة الصحة ورئيس قطاع الطب الوقائي، علاء عيد الاقتراح بالصائب، وأكد أن وزارته تنفذ في الوقت الحالي إجراءات للتعاقد مع شركتين لتوفير اللقاحات بمقابل مادي، مشددًا على أن المجال مفتوح لأى شركة تتقدم للمشاركة، وفقًا لمعايير وزارة الصحة، لتسريع وتيرة التلقيح، لافتًا إلى أن مصر لقحت ثلاثة مليون مواطن فقط حتى الآن، ولم يتم تحديد سعر اللقاح.
وتستهدف الحكومة تلقيح 40 % على الأقل من المواطنين بنهاية 2021، حسبما أعلن الدكتور مصطفى مدبولي، وهي نسبة تبدو بعيدة عن معدلات التلقيح العالمية، فبريطانيا مثلا التي يصل تعداد سكانها 66 مليون لقحت 60 % من سكانها، والولايات المتحدة التي يتجاوز عدد سكانها الـ328 ملبون نسمة لقحت حوالي نصف الشعب.
وبشكل عام، حصل 5.8 من مجموع سكان العالم على الجرع الكلية من اللقاح، فيما تم إعطاء أكثر من 1.8 مليار جرعة لقاح Covid-19 في جميع أنحاء العالم.
خبر طرح اللقاء أثار العديد من التساؤلات، خاصة وأن وزارة الصحة والسكان قالت إنه في مارس الماضي لا صحة للسماح لأي من الشركات الخاصة بتوفير لقاحات فيروس كورونا للمواطنين، مُوضحةً أن الوزارة هي الجهة الوحيدة المنوط بها توفير وتطعيم المواطنين بلقاح فيروس كورونا حسب الأولويات وفقًا لتوصيات منظمة الصحة العالمية.
تسريع التلقيح لمن يرغب
بطء وتيرة التطعيم هي التي دفعت اللجنة إصدار هذا القرار وفقا لتصريحات أعضائها، لتسريع عملية التلقيح لمن يرغب، فهناك فئات ترغب في السفر وتنتظر الحصول على اللقاح، كما أن حصول الشخص على اللقاح من مستشفيات خاصة بمقابل مادي سيتبعه شهادة معتمدة، ولكن في المقابل يرى عدد من الأطباء أن هذا الأمر سيفتح الباب أمام تسليع عملية التلقيح بحسب وصفهم في ظل وباء عالمي.
من سيحدد سعر اللقاح؟ أصحاب الاقتراح قالوا إن الصحة عليها تحديد سعره حتى لا يترك الأمر للمستشفيات الخاصة. وهنا يشير الدكتور محمود فؤاد مدير مركز الحق في الدواء، إلى أن هذا الأمر مهمة الشركات الخاصة، من استيراد التكنولوجيا والمواد الخام والإنتاج والبيع، خصوصا أنه بعد تسجيل أغلب اللقاحات في مصر باستطاعة أي شركه تصنيعه.
وبدأت مصر خلال الأسابيع الماضية تصنيع حوالي مليوني جرعة من لقاح سينوفاك، ضمن اتفاقية موقعة بين الشركة القابضة للمستحضرات الحيوية واللقاحات (فاكسيرا) وشركة “سينوفاك” الصينية.
وغير واضح حتى الآن الأسعار التي ستعتمدها الوزارة لتداول اللقاحات عبر شركات خاصة، فعالميا على سبيل المثال تتراوح الأسعار بين 4 دولارات بالنسبة لأسترازينكا البريطاني، إلى 70 دولارا بالنسبة للقاح سينوفارم الصيني.
وأضاف فؤاد لـ”مصر 360″ أن البيع مرتبط بسياسات الدولة ودرجة اهتمامها بالحقوق الاقتصادية والصحية، وهو ما لم يحدث في أي دولة حتى الآن، لأن الوباء كارثة عالمية، ويجب أن يتم تطعيم الشعوب بشكل مجاني.
وعندما تنبهت منظمه الصحة العالمية لإمكانية لحدوث احتكارات كونت تحالف كوفاكس الذي دخل فيه ٨٢ دولة من الدول الأفقر، حتى يحصلوا على نصيبهم من اللقاحات المختلفة، ورغم ذلك هناك دول العالم الصناعي استحوذت على أكتر من ٦٠% من اللقاحات، والباقي لدول العالم الأخرى.
تسليع للخدمات الصحية
يرى مدير مركز الحق في الدواء، أن دخول القطاع الخاص في مصر سيكون نموذج لدخوله في مجال المختبرات للكشف عن الوباء والمسحات أيضا للكشف عن الإصابة بالفيروس “البي سي أر”، فدون أن تحدد الوزارة سعر محدد سيتحول الأمر لتجارة.
وتحولت تحاليل وفحوصات فيروس كورونا إلى بيزنس كبير في مصر، بسبب إقدام المستشفيات والمعامل الخاصة على توفير المسحات وتخصيص غرف خاصة للعزل في بداية انتشار الفيروس بمصر، وهو ما يخشى فؤاد تكراره مع توزيع اللقاحات.
اللقاح حسب الوضع الحالي صعب المنال للجمعيات وفقا لتصريحات فؤاد، فهناك أشخاص سجلوا منذ ثلاثة أشهر ولم يتم الاتصال بهم، وهناك أشخاص يريدون السفر للخارج، وهناك أيضا جاليات أجنبية تعيش في مصر، كل هؤلاء ستكون لهم فرصة الحصول على اللقاح من المستشفيات الخاصة بسهولة.
ولكن عند تحديد سعر محدد له من قبل الصحة، فالملاحظة المهمة، أن يتم تحديد سعر اللقاحات وفقا للأسعار العالمية، و”دمج سيستم واحد هو نفس سيستم الوزاره حتى نعرف أعداد الحاصلين على اللقاحات للوصول للمناعة المجتمعية المطلوبة، ولكن ما تحصل عليه الدولة حاليا فهو نصيبها من المساعدات الدولية، والتي تذهب للمستشفيات العامة.
مسؤول الحق في الصحة في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية والخبير في إصلاح القطاع الصحي، الدكتور علاء غنام، وصف بيع اللقاحات في المستشفيات الخاصة بالتحايل، لماذا؟
يقول غنام لـ”مصر 360″، إن جعل اللقاح في الوباء بمقابل مادي لفئة معينة، يعد مخالفة صريحة للدستور، ففي تلك الحالة من يحدد سعر اللقاح هم الأثرياء من يمكنهم الحصول عليه، كما أنه يعد تكريسا للتمييز السلبي، متابعا أننا نمر بفترة وباء عالمية، على الدولة مواجهتها مهما كانت التكلفة، كما أن طرح اللقاح للبيع سيضر موقفنا من الدعم من قبل مبادرات كوفاكس وغيرها.
وأضاف غنام أن تسليع الخدمات الصحية خطر، خاصة لقاح في ظل وباء مع ندرة اللقاح، فهنا سيخلق الأمر سوق سوداء للأدوية واللقاحات، وزرع مبدأ الخلل السعري، واللامساواة، وجميعها أمور ضد الحق في الصحة، وانتهاك للدستور.
مع بداية التلقيح، أعلنت وزارة الصحة أنه سيتم طرح اللقاحات بالمجان للأطقم الطبية وغير القادرين الذين يضمهم برنامج “تكافل وكرامة”، وتحديد سعر في مقابل حصول باقي الفئات عليه، مما دفعإلهامي الميرغني نائب رئيس حزب التحالف الشعبي، برفع دعوى اختصمت كل رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء، ووزيرة الصحة بصفتهم، لتوفير اللقاحات بالمجان، انضم إليها العديد من الشخصيات العامة، ومع بدء التلقيح الفعلي قدمت الوزارة اللقاح بالمجان، فأعلن الميرغني وقف الدعوى، لكنه عاد وقال “إن عادوا عدنا”، في إشارة منه إلى أنه عند طرح اللقاحات بمقابل مادي سيجدد الدعوى مجددا.
اقرأ أيضا:
الجلطات والصلاحية والشفافية.. مثلث رفض لقاح أسترازينيكا في مصر
عودة مطالبات توفير اللقاح بالمجان
وأضاف الميرغني أن القانون والدستور في المادة 18 ينص على مجانية التطعيم، في وقت الأوبئة. حيث أقرت المادة 18 من بضرورة أن تكفل الدولة لكل مواطن الحق في الصحة المتكاملة وفقًا لمعايير الجودة، وجودة الصحة تشمل التطعيمات في حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة، ويجرم الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان في حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة.
صحيفة الدعوى جاء بها بأنه قد يكون من المقبول أن هناك ترتيب أولويات للفئات التي ستحصل على التطعيم شأن الأطقم الطبية، وكبار السن، والأمهات. حسب قدرة الدولة على استيراد اللقاحات لحين نجاحها في تصنيعها محليًا، أما جعل التطعيم بمقابل مادي فهو أمر مخالف للقانون بعيدًا عن قيمة هذا المقابل.
دول تتبع نفس المنهج في التلقيح
السطور السابقة تبدو مشابهة لما يحدث في دول أخرى، منها باكستانوالتي تقدم حالياً اللقاح مجاناً للعاملين في مجال الرعاية الصحية الذين يتصدرون جهود مواجهة فيروس كورونا ومن تزيد أعمارهم عن 50 عاماً، لكن الحملة اتسمت بالبطء، وفي الشهر الماضي سمحت البلاد للقطاع الخاص بالاستيراد التجاري للقاحات لكافة الناس.
وشهدت الجولة الأولى بيعاً تجارياً للقاح “سبوتنيك في” الروسي الذي يتم إعطاؤه على جرعتين لعامة الناس مقابل نحو 12 ألف روبية باكستانية (80 دولاراً) نظير عبوة من جرعتين، وفقا لمل نقله موقع العربية نت.
وذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن الاتجار في بيع اللقاحات ضد فيروس كورونا بدأ يزدهر في باكستان من خلال المستشفيات الخاصة، بعد الإقبال الكبير، والانتظار لفترات طويلة للحصول عليها، لكنه في نفس الوقت يشكل مظهراً للهوة بين الأغنياء والفقراء.
وأوضح التقرير أن هناك انتقادات عديدة موجهة لبيع اللقاحات في باكستان، وبعض دول العالم، وليس تقديمها مجاناً، موضحين أن ذلك يجعل اللقاحات متاحة فقط للأثرياء، تماماً مثلما فعلت الدول الغنية مثل أمريكا، بشراء كميات ضخمة من اللقاحات لتطعيم مواطنيها، وقامت بتخزين ملايين الجرعات من اللقاحات، تاركة ملايين البشر عاجزين عن الوصول للقاحات.
وقال التقرير إن الهند سمحت ببيع اللقاحات إلى المستشفيات الخاصة، رغم أنها تواجه عجزاً في توفير اللقاحات لمواطنيها، في ظل تفشي الفيروس بالبلاد، كما سمحت كينيا أيضاً ببيع اللقاحات، لكنها سرعان ما حظرت ذلك بسبب المخاوف من طرح لقاحات مزيفة، كما استطاعت بعض الشركات الكبيرة في أمريكا، مثل بلومبيرج، توفير اللقاحات لموظفيها من خلال علاقاتها.