يستهلك الأفارقة الذين يقطنون منطقة جنوب الصحراء 34 مليون طن من الأرز المطحون سنويًا، 43% من هذه الكمية الضخمة مستوردة، لكن جائحة “كوفيد -19” أعاقت بشكل كبير سلاسل التوريد، ما عقد وصول الأرز المستورد إلى القارة. وإذا لم يتم اتخاذ إجراءات فورية، فإن نقص الإمدادات سيزيد من ضعف النظم الغذائية المجهدة أصلًا في المنطقة المتأثرة بالوباء.
وانخفضت الواردات من تايلاند، أحد أكبر الموردين لأفريقيا بنسبة 30% بسبب عمليات إغلاق الحدود والقيود العامة على سلاسل التوريد. يأتي ذلك في فترة زمنية تزيد قليلًا عن عام واحد منذ إعلان الوباء في ديسمبر 2019.
ويتعين على العديد من سكان المناطق الحضرية الفقراء، الذين يكافحون تقليديًا لشراء الأطعمة الأساسية، أن يتعاملوا الآن مع أغذية أكثر تكلفة. إذ ارتفع سعر أرز إنديكا الأبيض الشعبي بنسبة 22%.
ويمكن النظر إلى هذه التحديات على أنها جرس إنذار لأفريقيا لتعزيز إنتاجها المحلي وتحقيق الاستدامة الذاتية. حيث تمتلك الموارد اللازمة لإنتاج الكمية الكافية من الأرز. كذلك مع زيادة الاستثمار يمكن تحقيق تغيير هائل في خريطة الأرز الأفريقية.
كما يمكن النظر إلى هذه التحديات على أنها دعوة للاستيقاظ لأفريقيا لتعزيز إنتاجها المحلي من الأرز. وتحقيق الاستدامة الذاتية. خاصة أن القارة تمتلك الموارد اللازمة لإنتاج الأرز الكافي، ومع زيادة الاستثمار، ما يمكنها من تحقيق تغيير هائل.
تجربة غانا “الملهمة” في إنتاج الأرز
على سبيل المثال رفعت غانا إنتاجها بمعدل 10% كل عام منذ عام 2008، مع تسجيل زيادة حادة بنسبة 25% عام 2019. عقب إعادة تأهيل وتحديث أنظمة الري في البلاد. كذلك أدت هذه الاستثمارات إلى زيادة بنسبة 17% في الاكتفاء الذاتي من الأرز في البلاد بين عامي 2016 و2019.
وبينما لم تنتج دول غرب أفريقيا ما يكفي من الأرز لتلبية طلبها المحلي، فإن الزيادة الهائلة في الإنتاج تجعل غانا نموذجًا لما يمكن تحقيقه من خلال السياسات الداعمة. في هذه النقطة، لم تُعطِ الاستراتيجية الوطنية لتنمية الأرز في البلاد لعام 2009 وحملة الزراعة من أجل الغذاء والوظائف (PFJ) – التي تم إطلاقها في عام 2017 الأولوية للأرز فقط. كذلك حددت أهدافًا طموحة للتوسع في الإنتاج المحلي.
وكان من بين أهداف السياستين في غانا الاستعاضة عن واردات الأرز وإنتاج آخر عالي الجودة مقبول للمستهلكين. كما يمكن أن ينافس المنتجات المستوردة.
ولعبت أطر السياسات هذه دورًا محوريًا في التخلص من مخاطر فشل السوق مع الإسراع في تنفيذ ابتكارات جديدة لإنتاج أرز محلي. بما في ذلك تلك المتعلقة بعلم الجينوم والتجارة الإلكترونية.
أيدت حكومة غانا هذه التطورات من خلال حملتها “تناول أرز غانا”، إذ عملت على توعية المستهلكين المحليين بالأهمية الاقتصادية والغذائية للمنتجات المحلية.
وألهمت هذه الدعوة القوية مزارعي الأرز وأصحاب المطاحن والجهات الفاعلة الأخرى في القطاع الخاص لزيادة التوريد المحلي والتسويق. ونتيجة لذلك، زاد الإنتاج الوطني للبلاد من 138 ألف طن متري فقط في 2016 إلى 665 ألف طن متري في 2019.
كما لعبت الحكومة دورًا رئيسيًا في دعم تبني التقنيات المبتكرة في إنتاج الأرز. خاصة من خلال تطوير وتوزيع أصناف قابلة للتكيف محليًا.
التحالف من أجل ثورة خضراء في أفريقيا (AGRA)
بالإضافة إلى ذلك درب التحالف من أجل ثورة خضراء في إفريقيا (AGRA) 680 من المزارعين على مستوى الدراسات العليا في القارة منذ عام 2006. إذ كان لهم دور فعّال في الحفاظ على إنتاج الأصناف المناسبة للظروف المحلية. تلك التي تعطي إنتاجية أكبر لكل فدان.
وتقدم “أجرا” مثل هذه التقنيات في جميع أنحاء أفريقيا. خاصة في البلدان التي لديها القدرة على إنتاج المحصول على نطاق واسع في غرب وشرق القارة مثل تنزانيا وكينيا. كما تأمل قريبًا أن تبلغ ارتفاعًا كبيرًا في إنتاج الأرز بعد تنفيذ سياسات داعمة وتبني أفضل ممارسات للإنتاج والتسويق.
ولكن لا يمكن لـ”أجرا” أن تفعل ذلك وحدها؛ أن الاستثمارات ذات المدى الطويل لا يمكن تحقيقها إلا من خلال مشاركة جميع أصحاب المصلحة. لهذا السبب، تواصل “أجرا” مناشدة جميع اللاعبين في سلسلة قيمة الأرز في زيادة إنتاج الأرز المحلي. وهو محصول له دور رائد في تحقيق الأمن الغذائي والاستقرار الاقتصادي للقارة.
إنتاج الأرز في مصر
من ناحية أخرى، وجهّت مصر الأولوية للحفاظ على الإنتاج الزراعي خلال أزمة “كوفيد-19″، إذ يلعب الإنتاج الزراعي الموسمي دورًا رئيسيًا في الأمر.
يقول محمد السباعي وكيل لجنة الزراعة والري بمجلس الشيوخ إن القطاع الزراعي المصري استطاع مواجهة الجائحة، بينما لم تتأثر الصاردات بشكل ملحوظ.
ويعد الأرز من المحاصيل الاستراتيجية في مصر، إذ مثل إنتاج مصر في 2019 ثلث إنتاج أفريقيا مجتمعة وربع استهلاكها.
وبحسب أحدث تقرير صادر عن وزارة الزراعة الأمريكية بشأن إنتاج مصر من الأرز في 2020-2021. قدرت بنحو 4.3 مليون طن.
لكن يواجة زراعة هذا المحصول الاستراتيجي في مصر تحديات أخرى بعيدة عن الجائحة، أولها تغير المناخ، وثانيها نقص المياه، حيث تبلغ المساحة المزروعة بالأرز في مصر حوالي 650 ألف هكتار من كامل المساحة المزروعة التي تقدر بحوالي 3.3 مليون هكتار، أي بمعدل 20% من إجمالي المساحة المزروعة في مصر.
كما تعتمد مصر على النيل في97% من احتياجاتها المائية.
السيناريو المتوقع لنقص المياه في بحيرة ناصر بسبب بناء سد النهضة الإثيوبي الكبير، مع سحب النقص من بحيرة السد، يؤكد إهدار ما يقرب من 1.7 مليون هكتار من الأراضي المزروعة في مصر. كذلك السيناريو المتوقع لارتفاع نسبي في مستوى سطح البحر في مصر. خاصة دلتا النيل تزيد من مساحة الأراضي المعرضة لخطر الفيضانات في شمال دلتا النيل بمقدار 300 كيلومتر مربع. والتي تقدر بخمس إجمالي الأراضي الزراعية في شمال شرق دلتا النيل فقط.
أيضًا من المتوقع أن تنخفض الغلات في جميع المحاصيل وتزيد من احتياجات الري. هكذا ستؤدي كل هذه التحديات إلى زيادة الضغوط على إنتاج المحصول وتقليل تخزين التربة في مصر. نتيجة لتغير المناخ ونقص المياه بسبب إنشاء سد النهضة. لذلك، التغيير في ممارسة إدارة المحصول. مثل تقليل الحرث، وخلق بديل آخر لحرق القش واستخدام الأسمدة بشكل متوازن. سيؤدي إلى التخفيف من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من الزراعة وتحسين مخزون المواد العضوية في التربة، وبالتالي جودة التربة وإنتاجيتها.
ترجمة- وفاء عشري