بمجرد الإعلان عن فوز إبراهيم رئيسي في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، التي شهدت أدنى مشاركة، منذ أربعة عقود، تصاعدت التكهنات بشأن السياسة التي ستنتهجها إيران إقليميا ودوليا، خاصة في ملف المحادثات النووية في فيينا.
انخفاض المشاركة في الانتخابات الإيرانية التي وضعت إبراهيم رئيسي على كرسي الرئاسة، جاءت بسبب شبه المقاطعة من دوائر سياسية عديدة، خاصة بعد استبعاد مجلس صيانة الدستور العديد من المرشحين، من التيارين الإصلاحي والمتشدد، وانسحاب ثلاثة مرشحين، قبل يومين تقريباً من انطلاق الانتخابات. إذ أعلن اثنان من المتشددين وهما سعيد جليلي وعلي رضا زاكاني انسحابهما، ومرشح واحد إصلاحي هو مهر علي زاده. الأمر الذي جعل وصول رئيس السلطة القضائية إلى قصر سعيد آباد يحدث بـ”التزكية” في ظل “عدم التنافسية”.
تسبب فوز رئيسي في صعود تكهنات عديدة بخصوص السياسة المتشددة التي ستتخذها إيران، إقليمياً، وعدم انفتاحها على الغرب. كما لا يتوقع أن تراجع طهران مواقفها بخصوص انخراطها في الصراعات في المنطقة، وكذا نشاطها السياسي والميداني في سوريا ولبنان والعراق واليمن.
لجان الموت
وفي ظل تنامي الاستقطاب الحاد في طهران على خلفية فوز المرشح الأصولي والمحافظ، فإن الأخير يواجه حملة حقوقية عنيفة ومحتدمة لتورطه في “جرائم ضد الإنسانية” وعمليات عنف وقمع، تعود لثمانينات القرن الماضي، حيث كان عضواً في “لجنة الموت” التي قامت بتنفيذ أحكام الأعدام بحق آلاف المعارضين السياسيين الإيرانيين إثر فتوى أصدرها، وقتذاك، الإمام الخميني. كما أنه متورط في قمع احتجاجات 2019.
وفي أعقاب الإعلان عن نتائج الانتخابات الإيرانية، قالت منظمة العفو الدولية: “وصول رئيسي إلى الرئاسة بدلا من إخضاعه للتحقيق في جرائم ضد الإنسانية وجرائم قتل وإخفاء قسري وتعذيب، هو تذكير قاتم بأن الإفلات من العقاب يسود في إيران، إذ إنه انخرط في (لجان الموت)، بينما كان يحتل منصب معاون المدعي العام للمحكمة الثورية في طهران عام 1988، وقد تورط في تنفيذ عمليات قمع واسعة بحق آلاف المعارضين المعتقلين، تراوحت بين إخفاء قسري وإعدامات خارج نطاق القضاء بشكل سري”.
المنظمة التي تعنى بحقوق الإنسان، اعتبرت أن السلطات الإيرانية لا تزال حتى اليوم متكتمة حول مصير الضحايا والمكان الذي توجد فيه الجثث، ما يرقى أيضا إلى جرائم ضد الإنسانية.
لم يكن التاريخ وحده شاهدا على جرائم رئيسي، فالحاضر أيضا يحمل بحسب المنظمة، دلائل على تورطه في حملات القمع التي تسبب فيها، خلال العامين الأخيرين، حين كان على رأس السلطة القضائية، بحق المعارضين والناشطين السياسيين الذين قادوا الاحتجاجات الفئوية، منذ نهايات عام 2019 وطالت مئات المعارضين السلميين والمدافعين عن حقوق الإنسان وأفراد أقليات مضطهدة اعتقلوا بشكل تعسفي.
وبحسب المنظمة: رئيسي مسؤول أيضا عن توقيف آلاف المتظاهرين ومئات عمليات الإخفاء القسري بعد الاحتجاجات التي اندلعت في نوفمبر 2019 وتم قمعها بشكل عنيف.
الملف النووي.. القرار بيد المرشد
لا يرجح المحلل السياسي الإيراني محمد المذحجي حدوث تغييرات جمة في مواقف إيران الخارجية، ومن بينها الملف النووي، لكنه يؤكد في حديثه لـ”مصر 360″ أن رئيسي هو الأقرب للمرشد والأخير هو الذي يملك “القرار الأوحد” في المسار الذي سوف يتبناه النظام بخصوص إحياء الاتفاق والمسار الضروري للتفاوض.
المذحجي يعود ويؤكد أن ثمة تعقيدات سوف تشهدها العلاقة بين الرئيس والغرب وبطبيعة الحال الولايات المتحدة على خلفية وجوده على لائحة العقوبات الأمريكية، وبالتالي من المتوقع أن يطلب المفاوض الإيراني في فيينا رفع تلك العقوبات.
اقرأ أيضا:
تفجير نطنز.. لي ذراع إيران ورسالة ضغط على بايدن
ملامح برنامج
أمس، عقد الرئيس الإيراني أول مؤتمر سياسي له، وقد كشف عن بعض ملامح توجهاته السياسية، وعرج على “خططه المستقبلية”، حيث قال رئيسي: “المشاركة في الانتخابات عبرت عن إرادة الشعب للتغيير في الوضع الاقتصادي”، لافتاً إلى أن الانتخابات حملت رسائل للعالم على الرغم من الدعاية الإعلامية المعادية”.
وتابع: “أولوياتنا تحسين الوضع المعيشي للشعب الإيراني وبناء نظام إداري سليم بعيدا عن الفساد”، مؤكدا أن “الظروف ستتغير لصالح الشعب الإيراني. الحكومة المقبلة لن تكون متعلقة بتيار خاص في البلاد”.
كما شدد على أن سياسته الخارجية لن تبدأ من الاتفاق النووي ولن تنتهي به، موضحاً أن سياسة الضغوط الأمريكية فشلت في تحقيق أهدافها، وأنه يتعين على واشنطن إعادة النظر فيها.
طهران لا تعول على مفاوضات فيينا
وفي ما يتصل بمفاوضات الاتفاق النووي الإيراني في فيينا، أوضح الرئيس الإيراني أنه يدعم “المفاوضات النووية”، لكن ينبغي تحقيق المطالب الإيرانية.
وأردف: “طهران لا تعول على مفاوضات فيينا لتحسين الوضع الاقتصادي. ولن نسمح بمفاوضات استنزافية وينبغي لأي جولة مفاوضات أن تحقق نتائج”. وهو التعبير ذاته الذي سبق واستخدمه المرشد الإيراني علي خامنئي.
إلا أن رئيسي أعلن استعداده للقاء الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في حال رفع العقوبات والعودة الى الاتفاق النووي.
وتابع: “لا تفاوض على البرنامج الصاروخي والقضايا الإقليمية”، مشيرا إلى أن “طهران لن تتفاوض على أي قضية خارج إطار الاتفاق النووي”.
وألمح رئيسي إلى رغبته في الانفتاح على كافة دول العالم، حيث أكد على أن “سياسة إيران الخارجية ستكون قائمة على التعامل الواسع والمتوازن مع كافة دول العالم”.
كما أشار إلى أن قضية إلغاء العقوبات ستكون محور سياسة حكومته الخارجية، قائلا: إيران تسعى للتعامل مع كافة دول العالم”.
بيد أنها “ترفض التفاوض من أجل التفاوض”، موضحاً أن أمريكا من انتهك الاتفاق النووي وأوروبا لم تنفذ التزاماتها، ويتعين على واشنطن رفع العقوبات والعودة إلى الالتزام بالاتفاق النووي. ومن ثم، يجب على أوروبا ألا تخضع للضغوط والسياسات الأمريكية، وتعود إلى تنفيذ التزاماتها في الاتفاق”.
وأكد رئيسي أن الفريق الذي يقوم بمهامه في التفاوض بفيينا لن يتغير، وقال: “فريق التفاوض الإيراني يواصل عمله وقدم لنا تقرير المفاوضات، وفريق سياستي الخارجية يدرس ذلك”.
ودافع الرئيس الإيراني عن اتهامه بالانتهاكات الحقوقية، والمطالبات الحقوقية بإدانته وتقديمه للعدالة والمحاكمة، حيث قال إنه “رجل قانون ومدافع عن حقوق الإنسان ولا يمكن لأحد الادعاء والتشكيك بدفاعي عن حقوق الإنسان، وأفتخر بأنني كنت مدعيا عاما في إيران، وأنني دافعت عن حقوق الشعب من خلال مسؤولياتي في القضاء”، لافتا إلى أن “من يدعون الدفاع عن حقوق الإنسان، هم من أنشأوا داعش والجماعات الإرهابية”. وأكد أنه “يجب محاسبة الذين أوجدوا الجماعات الإرهابية وليس الذي حاكمهم دفاعاً عن حقوق الشعب”.
هندسة العملية الانتخابية
الدكتور عبد السلام القصاص، الباحث في العلوم السياسية، رأى أن الانتخابات الإيرانية لم تخالف التوقعات، وأن هندسة العملية الانتخابية كلها كانت تؤدي للنتيجة التي جرت بكافة ملابساتها، لكن كل ذلك يكشف عن جملة سياسات لن تكون سهلة في ظل وجود رجل متشدد في قمة هرم السلطة والنظام وحليف للمرشد الإيراني، في تماهي تام، للمرة الأولى، بين جناحي السلطة، وغياب ثنائية الإصلاحي والمتشدد، التي سادت منذ أربعة عقود.
ويقول لـ”مصر 360″: “لا يبدو أن هناك أي تراجع من طهران في ما يخص نشاطها الإقليمي وتدخلاتها في عدة دول بالمنطقة، والأمر ذاته ينطبق على برنامجها النووي والصواريخ الباليستية، وهو ما يفاقم من عملية التفاوض في فيينا والتي تشترط فيها الولايات المتحدة تعديل سلوك إيران الإقليمي ووقف نشاطها العسكري، من خلال دعم العناصر المسلحة، بواسطة الحرس الثوري، وتقييد مشروعها النووي والصاروخي، في حين أن تصر إيران أو بالأحرى المرشد الإيراني على رفع العقوبات بشكل كامل”.
ويتوقع الباحث المصري في العلوم السياسية أن يقوم الرئيس الإيراني بتغيير الوفد المفاوض في فيينا، بحيث يتشكل من مجموعة متجانسة مع توجهاته السياسية، وتحقق أهدافه التي يتوخاها المرشد الإيراني، لكن، في كل الأحوال، يرى أن المحادثات لن تسفر عن توافق مع القوى الكبرى، خاصة مع تحذير أوروبا طهران عشية الانتخابات من إطالة أمد المفاوضات، وأنها لن تستمر للأبد.
مسرحية الانتخابات
السيناتور الجمهوري، توم كوتون، وصف الانتخابات الإيرانية بأنها “مسرحية”، واعتبر القادة الإيرانيين بأنهم “إرهابيين وقتلة”. كما طالب الإدارة الأمريكية بعدم رفع العقوبات عن النظام. وغرد على حسابه في “تويتر”: “اختار خامنئي قاتلاً جماعياً كرئيسي في انتخاباتهم الأخيرة. وبدلاً من رفع العقوبات عن هؤلاء الإرهابيين القتلة، يجب على الرئيس بايدن دعم مطالب الشعب الإيراني ومحاسبة هذا النظام”.
من جهته، قال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس، إن واشنطن تعتبر العملية التي أفضت لانتخاب الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي مصطنعة للغاية وتفتقر للحرية والنزاهة.
وقال برايس إن “سياسة بلاده تجاه طهران تهدف لتعزيز المصالح الأميركية بصرف النظر عمن يرأس إيران”. وهو الأمر ذاته الذي أشارت له المتحدثة باسم البيت الأبيض، جين ساكي، خلال مؤتمر صحفي، حيث قالت إن “أي انتهاك لحقوق الإنسان سيتحمله الرئيس الجديد رئيسي”.