قرارات نزع الملكية لصالح المنفعة العامة، تمثلها مشروعات البنية التحتية، وهي بدورها تحقق جملة من المكاسب الاقتصادية والبنيوية. لكن ملامح الاعتراض الشعبي على آليات التطبيق تمثل مسرحًا شبه يومي وتعيد الجدل حول التطوير والتهجير.
زاد الحديث عن نزع الملكية بغرض المنفعة العامة خلال السنوات الماضية، التي شهدت خطة قومية للبنية التحتية. سواء بإنشاء طرق وكباري جديدة أو إعادة تخصيص مناطق وتأهيلها. وبعض الاعتراضات تتمثل في رفض نزع الملكية من الأساس، وبعضها الآخر في التقليل من قيَم التثمين والتعويضات أو تأخرها.
وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي أصدر القانون رقم 187 لسنة 2020 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 10 لسنة 1990 بشأن نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة.
نزع الملكية دستوريًا
أحدث قصص نزع الملكية في حي ألماظة بمصر الجديدة، حين تفاجأ الأهالي قبل أسبوعين بقرار إزالة الصف الأول من عمارات شارع حسين كامل سليم. وذلك بهدف توسعة الطريق في إطار تسهيل حركة المرور من وإلى العاصمة الإدارية الجديدة.
ورغم أهمية المشروع بالنظر إلى مكاسب الانتقال للعاصمة الإدارية الجديدة، فإن الأهالي يقولون إنهم بصدد إقامة دعوى قضائية للمطالبة بإلغاء قرار انتزاع الملكية، فإلى من ينضم القانون؟
“قانون نزع الملكية للمنفعة العامة لم يفرّق بين المناطق العشوائية، التي شملها التطوير والمناطق الراقية”. هكذا يوضح مدير المؤسسة العربية لدعم المجتمع المدني وحقوق الإنسان، شريف الهلالي.
وأشار الهلالي إلى أن جميع المناطق تخضع لإطار نزع الملكية للمنفعة العامة بموجب الدستور المصري. وتنص المادة 35 على: “الملكية الخاصة مصونة، وحق الإرث فيها مكفول، ولا يجوز فرض الحراسة عليها إلا فى الأحوال المبينة فى القانون، وبحكم قضائى، ولا تنزع الملكية إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض عادل يدفع مقدمًا وفقًا للقانون”.
لذلك يؤكد الهلالي أن “القانون وضع استثناء بأنه يجوز نزع الملكية للمنفعة العامة بقرار من الدولة بموجب تعويض عادل”.
الأهالي يعترضون على التثمين
لكن هذا التعويض أيضًا لا يرضي أهالي حي ألماظة. وتقول ماري رفيق، إحدى سكان المنطقة إنهم فوجئوا بلجنة تعاين الشارع (عرضه 18 مترًا) لإجراء توسعة عليه.
وتقول ماري إن “العمارات مسجلة من قبل شركة مصر الجديدة للإسكان والتعمير أي ليست مخالفة أو عشوائية”. وتعتقد أن “قانون نزع الملكية مفصل لضم أي مناطق تقرر الدولة أنها صالحة للمنفعة العامة”.
أما شقيقها “مينا” فيرى أنَّ التعويضات غير مرضية، نظرًا لأن الحلول المطروحة، إما الانتقال لمساكن “أهالينا 3”. وهو ما اعتبره لا يتوافق مع قيمة الشقة أو طبيعة المنطقة، أو التعويض المالي الذي سيقرره خبراء مثمنون من الحي.
لذلك يقول مينا إن الأهالي طرحوا حلولاً، من ضمنها اقتطاع جزء من منطقة المطار الحربي المقابلة لمنطقتهم. بالإضافة إلى عرضهم بناء السور المحيط للمطار مرة أخرى على حسابهم الخاص.
وسبق أن قررت الدولة نزع ملكية عقارات مجاورة للطريق الدائري والعمرانية وترسا وشارع خاتم المرسلين وعمارات نصر الدين وعمرو بن العاص ونزلة السمان وغيرها. وتلك المناطق شهدت طفرة في البنية التحتية ومشروعات الطرق والكباري لفك الاختناق عن القاهرة الكبرى.
تسهيلات حكومية وخطة تنموية
وينص قانون المنفعة العامة بعد تعديله على “أن يكون تقرير المنفعة العامة بقرار رئيس الجمهورية أو من يفوضه مرفقًا به مذكرة ببيان المشروع المطلوب تنفيذه، موضحًا بها قيمة التعويض المبدئي، والذي يجب إيداعها بحساب الجهة القائمة بإجراءات نزع الملكية. وذلك خلال شهر من صدور قرار المنفعة العامة ورسم بالتخطيط الإجمالي للمشروع والعقارات اللازمة له”.
وأبريل الماضي، تقدم إيهاب منصور وكيل لجنة الإسكان بالبرلمان بطلب إحاطة لإجراء تعديل تشريعي على قانون “نزع الملكية لمنفعة العامة”. ليتضمن آليات تعويض المواطنين في حالة نزع الملكية وتأخر صرف التعويضات.
وفي 2015 أقرَّ الرئيس السيسي تعديلاً تشريعيًا على قانون نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة. وذلك بهدف تقليص مدد صدور قرارات نزع الملكية من قبل الجهات الحكومية، وضمان سرعة تعويض أصحابها. في إطار خطة الدولة لمشروعات البنية التحتية.
وأشار منصور في تصريح لـ “مصر 360″، عن ما سماها “مساوئ” في تطبيق قانون 10 لسنة 1990. ويتحدث عن تأخر صرف المستحقات التي حددتها الجهة المحلية بثلاثة أسابيع، لكن بعض الأسر اضطروا لتأجير سكن آخر.
تأخير التعويضات
ويقول البرلماني إن بعض أهالي شارع خاتم المرسلين، الذين تم هدم منازلهم لإقامة محور ترعة الزمر تأخر صرف تعويضاتهم لأكثر من 6 أشهر. ولفت إلى أن هناك حوالي 23 أسرة لم يحصلوا على حقهم في سكن بديل أو تعويض عادل.
ودفع منصور بطلبه قائلاً: “القانون يجب أن يكون ملزم أكثر بمواعيد دفع محددة وبصورة أوضح لصرف التعويضات، وقبل أن يتم الإزالة للبحث عن بديل تستطيع الأسر التعايش به”.
الحكومة تنفي
وكان مجلس الوزراء قد نفى في وقت سابق ما تردد عن تأخير صرف التعويضات لعدد من الأسر التي جرى نزع ملكية وحداتهم لتطوير الطريق الدائري.
وتقدر التعويضات طبقا للأسعار السائدة وقت صدور قرار المنفعة العامة، وتضاف إليها 20% من قيمة التقدير. تودع الجهة طالبة نزع الملكية كامل مبلغ التعويض خلال مدة لا تجاوز ثلاثة أشهر من تاريخ صدور القرار. وذلك فى حساب يدر عائدًا لدى أحد البنوك الحكومية لصالح الجهة القائمة بإجراءات نزع الملكية.
في حالة تأخر الجهة نازعة الملكية عن إيداع مبلغ التعويض في الموعد تسدد هذه الجهة تعويضًا إضافيًا عن مدة التعويض بنسبة الفائدة المعلنة من البنك المركزي. ويصبح هذا التعويض حقًا لأصحاب الشأن. يؤول فائض الحساب بعد تمام صرف التعويض المشار إليه بهذا القانون إلى الجهة طالبة نزع الملكية. ويجوز بموافقة الملاك اقتضاء التعويض كله نقدًا أو عينًا.
نقاط خلافية
لكن “منصور” يقول إن الأسر التي حصلت على تعويض جرى تحديده بناءً على مبلغ 40 ألف جنيه عن الغرفة، لم يتم التفرقة بين المالك والمستأجر. كما لم تتم دراسة من كانوا يملكون نسبة في الأرض.
وتابع: “نحتاج وضع تفسيرات في القانون، والعمل بها بناءً على ما حدث، لحصول المواطنين على حقوقهم في التوقيت المناسب”. يشير وكيل لجنة الإسكان، إلى أن بعض المناطق التي صدر لها قرار بنزع الملكية لم يتم تنفيذها وبالتالي لم يحصل ساكنيها على تعويضات مسبقة.
مدير المؤسسة العربية لدعم حقوق الإنسان أشار إلى أحقية الأهالي في الاعتراض بالطرق القانونية. والتي حددت اعتراضهم خلال 3 أشهرمن تاريخ نشر القرار بالجريدة الرسمية والذي يبدأ من الجهة المحلية. وصولاً إلى القضاء خلال شهرين بعد عدم أخذ الاعتراض الأول بعين الاعتبار.
وهنا يتحدث شريف الهلالي عن الحاجة لتسوية الخلافات والتعويضات مع الأهالي قبل بدء المشروع. كما يُعطي ذلك فرصة لصدور أحكام الطعن أو حدوث تعديل في التخطيط العمراني.
وأشار إلى أن الدولة لا تنتظر الحكم القضائي، فالقانون يذكر أن الدعاوي العينية والمرفوعة بخصوص القرار لا توقف الإجراء. ويرى الهلالي أن ذلك “تعسفًا ويناقض المعايير الدولية في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وخاصة الحق في السكن”.
ويلزم الدستور بصون الملكية الخاصة، ويشترط لنزعها في حالة المنفعة العامة دفع الدولة للمضار تعويضا عادلاً. وهو ما فسره قانون نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة الصادر في سبتمبر الماضي، في تحديد رئيس الجمهورية القرارات التي تستهدف المنفعة العامة، وتحديد لجنة بكل محافظة لتقدير قيمة التعويض طبقا للأسعار السائدة وقت صدور القرار.
حق التقاضي
وفي عام 2018، رفضت محكمة النقض دعوى أقامها مواطن صادر لملكه قرار نزع ملكية. وأشارت حيثيات الدعوى إلى أن المحكمة الابتدائية التابع لها الطاعن لم تنظر الدعوى بحجة أنه لم يلجأ إلى الجهة المحلية. وهي الإجراءات المتبعة والمذكورة في قانون المنفعة العامة في المادة 8 والتي تنص على “لذوى الشأن حق الاعتراض على البيانات الواردة بهذه الكشوف ويقدم الاعتراض إلى المقر الرئيسى للجهة القائمة بإجراءات نزع الملكية ولذوى الشأن الحق فى الطعن على القرار الذى يصدر فى الاعتراض أمام المحكمة الابتدائية”.
وأشارت الدعوى إلى أن عدم اللجوء إلى الجهة المحلية لا ينفي اللجوء إلى القضاء، إذ إن ذلك يعتبر أمرا مقيدا بسبق الاعتراض أمام الجهة القائمة بإجراءات نزع الملكية.
المحامي ياسر سعد، أشار إلى أنه بعد تحديد اللجنة قيمة التعويضات يقوم الفرد بالطعن على قيمة التعويضات. إما بزيادة المبلغ أو تثبيته أمام المحكمة الابتدائية التابع لها العقار خلال 60 يومًا.
وأضاف سعد أنه قبل الإزالة لابد من إجراء تخطيط استراتيجي لحجم الأضرار والمخاطر والمساحات والتعويضات ونشرها بالجريدة الرسمية. وذلك حتى يعلم ملاك العقارات ويبحثون الطعن من عدمه.
واستشهد سعد بما حدث في منطقة العمرانية وترسا، فبعد التخطيط لإزالة عدد من العقارات بهدف إنشاء محور ترعة الزمر، اعترض المشروع عددا آخر من العقارات وصدر لها قرار آخر بنزع الملكية.
وأوضح ياسر أن الأسباب التي حددها القانون لنزع الملكية يعتد بها “استثناء”. وهنا وجب أن يكون الأمر محددًا ويراعي الدستور والمعاهدات الدولية ولا يحق التوسع في الصلاحيات.