لا تزال الإشارات متواصلة من وزارة النقل والجهات الحكومية للجوء إلى القطاع الخاص بغرض إدارة وتطوير مرفق السكة الحديد. آخر تلك التلميحات جاءت على لسان وزير النقل عقب حادث قطاري حلوان والإسكندرية.
وقال كامل الوزير إنه لم يجد “تعاونًا كافيًا من موظفي سكة الحديد” منذ توليه الوزارة. واعتبر أن الموظفين مستمرون في التخاذل، مهددًا باحتمالية استعانة مصر بالشركات الأجنبية لإدارة المرفق. لكن حتى الآن لم تحدد وزارة النقل سيناريو محدد سيتم الاعتماد عليه لتطوير وإصلاح المنظومة.
وتعتزم الحكومة إصلاح منظومة السكك الحديدة عبر حزمة جديدة من خطط التنمية، على رأسها إشراك القطاع الخاص في تطوير المرفق. لكنها تقول إن الخطة ترتكز على إقامة شراكة مع شركات عالمية لإدارة وتشغيل خطوط السكك الحديدية، مع احتفاظ الهيئة بملكية الأصول.
تلك السياسات أعقبت سلسلة من حوادث القطارات، ودون جدوى برامج التنمية التي تبنتها الحكومات المتعاقبة. لكن حديث الوزير بأنه “لا مكان للفاسدين في هيئة سكة الحديد”، طرح تساؤلات حول جدية الاستعانة بالقطاع الخاص.
حوادث القطارات
وذكرت ورقة بحثية للبنك الدولي، بعنوان تطوير السكك الحديدية والسلامة في مصر لعام 2020، أن حوالي ألف حادث قطار يحدث سنويًا في مصر بسبب الافتقار إلى إجراءات السلامة والأخطاء البشرية.
وفي حين لا تتوفر إحصاءات رسمية عن عدد الوفيات الناتجة عن حوادث المرفق. يقول البنك إن مصر لديها 5 أضعاف عدد الحوادث الخطيرة مقابل أوروبا، و7 مرات مقابل بريطانيا و20 مرة مقابل اليابان.
ويضيف أن “السلوك الشخصي وضعف الإشراف وإنفاذ السلامة على المزلقانات غير القانونية وسرقة الأصول وإهدار أموال الصيانة وسوء التدريب الذي يؤدي إلى خطأ بشري أو سوء التصرف، هي كلها عوامل من الأسباب الرئيسية في ذلك”.
مسؤولية الموظفين
وكانت الوزارة تحمل موظفين مسؤولية تعمد إحداث الأزمات داخل المرفق. ولجأ وزير النقل إلى تحميل قيادات الهيئة المسؤولية، بعد مقترح قانون فصل أيِّ موظف منتمي إلى جماعة الإخوان.
المقترح جاء بعدما طلب وزير النقل أمام البرلمان في أبريل الماضي، إجراء تعديل تشريعي على قانون الخدمة المدنية. المختص بتنظيم علاقات العمل للعاملين في الدولة. ليتمكن من فصل ما يقرب من 162 عاملاً، ما بين سائق وموظف، في هيئة السكك الحديدية ثبت انتماؤهم للإخوان. ورغم ذلك، فإن الهيئة تنفي دائما فكرة خصخصة المرفق.
خطة التطوير
ويقول المهندس مصطفي أبوالمكارم، خلال استعراض خطة الهيئة لتطوير أداء الهيئة إنه لا نية لخصخصة السكة الحديد. ولكن يشير إلى أن هناك شركات ستعمل على تطوير الأداء وتحديد دور كل شركة، وإدارة وتشغيل نظم الجودة. فضلاً عن بنود تدريب خارج وداخل مصر.
وتشمل الخطة شراء 6 قطارات من الشركة الإسبانية العالمية تالجو، والتي يمكن أن تديرها شركة أجنبية أو متعددة الجنسيات. كما سيجري إسناد تشغيل عربات النوم الجديدة البالغ عددها 200 عربة إلى شركة أجنبية، لم يكشف عنها.
وفقًا لتقديرات البنك الدولي في ديسمبر 2018، تحتاج مصر إلى إنفاق ما لا يقل عن 10 مليارات دولار (ما يزيد عن 150 مليار جنيه) لإصلاح السكك الحديدية في الفترة بين 2019 و2029. وكانت من بين التوصيات التي تطرق إليها البنك الدولي، أن النقل بحاجة إلى دعوة القطاع الخاص للمشاركة في عملية التطوير.
خصخصة جزئية لقطاع البضائع
وتتطلع الحكومة إلى تحويل قطاع نقل البضائع بالسكك الحديد إلى شركة مملوكة للدولة بالشراكة مع القطاع الخاص. وتحويل ورش السكة الحديد المتخصصة في إصلاح الجرارات والعربات إلى شركات، وذلك لزيادة الإنتاجية ورفع مستوى الجودة.
شهدت مصر في شهر أبريل الماضي ما لا يقل عن خمسة حوادث قطارات على الأقل. في ذلك التوقيت وافق بنك التنمية الأفريقي على قرض بقيمة 145 مليون يورو لتمويل تحديث السكك الحديدية.
ويقول مدرس الاقتصاد بجامعة أوكلاند الأميركية مصطفى شاهين إن الأولى إعادة تأهيل وتدريب السائقين والمهندسين ورفع كفاءة الطرق الحديدية والقطارات. ويشير إلى أن ذلك بسبب مقارنة الموازنة الموجة للمرفق مع مديونية السكة الحديد، والتي خلقت مساوئ داخل القطاع.
ويدلل على ذلك بأن الطرق ما زالت متهالكة، فهناك طرق لم تجرى لها صيانة من أيام الاحتلال الإنجليزي. بل إن موازنة الهيئة تقلَّصت مع ارتفاع سعر الدولار، مع رواتب معدومة للسائقين العاملين بالمنظومة.
لكنه لا يمانع الاستعانة بالإدارة الأجنبية تزامنًا مع تدريب المهندسين والسائقين. في حينها سنتمكن من تطوير القطاع، لكن ذلك سيحتاج لموازنات كبيرة. وأوضح أن الموظف في أيّ مكان هو ترس صغير ويجب ألا يلقى كل شيء على عاتق الموظفين الصغار.
الوحدات المتحركة
ويرى الدكتور عبد المجيد رفعت الخبير في السكك الحديدية أن المشكلة الأساسية تتعلق بالوحدات المتحركة (الجرارات والعربات) سواء في صيانتها أو تحركها والإشارات. ولفت إلى أن جميعها تحتاج إلى صيانة، والموظفون يحتاجون تدريبًا ورقابة.
وأشار إلى المحاولات التي جرت على مدار 20 عامًا لإدخال نظام إلكتروني إلى السكة الحديد. وإنشاء مجموعة من البرامج للسيطرة على قاعدة البيانات المتعلقة بالهيئة ما يصعب التلاعب فيها، ولكنها توقفت ولم يحدث صيانة.
ويقول إن الحل يتمثل في ضرورة عمل برامج متابعة للصيانة، كخطوة مبدئية مع الاهتمام بالتدريب ورفع كفاءة العنصر البشري. ويوضح أن تدخل القطاع الخاص قد يكون مفيدا، لأنه أفضل من القطاع العام الذي يرغب في الحفاظ على الكرسي دون التطوير والتنظيم. وذلك بخلاف القطاع الخاص الذي يرغب في الأساس إلى المكسب والربح.
ويشير إلى ضرورة النظر لتجارب الدول الأخرى وتطبيق ما يلائمنا بشكل صحيح. خاصة أن المنظومة متهالكة بالكامل، وأن الأمر يحتاج إلى وقت للتطوير.
ميزانية وإحصائيات
وتبلغ ميزانية هيئة السكك الحديد 220 مليار جنيه (14 مليار دولار) حتى عام 2024. كما تمتلك الهيئة خطوطا بطول 9570 كم وتخدم 23 محافظة وتنقل ما يقرب من 420 مليون راكب سنويا.
وتصل عدد المحطات إلى 705 محطة، يوجد 1332 مزلقانا و3040 عربة ركاب، منها 850 عربة مكيفة و8553 عربة بضائع و793 جرار. فضلاً عن 826 كوبرى و100 نفق.
وتعد سكك حديد مصر العمود الفقري لنقل الركاب في مصر، فيتم نقل 500 مليون مسافر سنويا (حوالي 1.4 مليون مسافر يوميا). و6 مليون طن سنويا من البضائع. بينما يبلغ عدد العاملين بهيئة 48 ألف عامل.