في خطوة غير مسبوقة قررت محكمة جنح مستأنف ثاني الزقازيق بإصدار حكمها في جلسة 27 يونيو الجاري. بتعديل الحكم الصادر في القضية الشهيرة بـ”دكتور الميكروباص” من حبس سنة مع الإيقاف إلى سنتين مع الشغل.
واستندت المحكمة في حكمها الأولي للمواد 278 و306 مكرر فقرة أ من قانون العقوبات، وعملًا بنص المادتين 32 و55 من قانون العقوبات.
“طبيب الزقازيق المتحرش”
وترجع الواقعة عندما فوجئت طالبة بطبيب يتحرش بها داخل ميكروباص حيث كانت في طريقها إلى جامعة الزقازيق. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل أن الطبيب المتحرش مارس العادة السرية أمامها. ليتوقف السائق على صرخات الفتاة ويمسك الركاب بالطبيب المتحرش.
الحكم جاء بالتزامن مع موافقة اللجنة التشريعية بمجلس النواب نهائيًا على مشروع قانون مقدم من النائب أشرف رشاد رئيس الهيئة البرلمانية لمستقبل وطن. على تعديل بعض أحكام قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937 والخاصة بالتعرض للغير والتحرش الجنسي.
وكانت أقصى عقوبة للتحرش الجنسي قبل تعديل القانون سنة حبس وغرامة لا تزيد عن 10 آلاف جنيه. لكن التعديلات المقترحة رفعت العقوبة إلى سنتين حبس لا تتجاوز الـ4 مع غرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تزيد عن 200 ألف جنيه. أو بإحدى هاتين العقوبتين لكل من تعرض للغير في مكان عام أو خاص بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية. سواء بالإشارة أو بالقول أو الفعل بأية وسيلة. بما في ذلك وسائل الاتصالات السلكية أو اللاسلكية أو الإلكترونية أو وسيلة تقنية أخرى.
التعديلات الجديدة
وبحسب التعديلات سيتم مضاعفة العقوبة إذا تكرر الفعل من الجاني. وقد تصل إلى الحبس 7 سنوات وغرامة لا تزيد عن 500 ألف جنيه إذا كان المتحرش أو الجاني له سلطة وظيفية أو أسرية أو دراسية. كذلك إذا مارس عليه أي ضغط تسمح له الظروف بممارسته عليه أو ارتكبت الجريمة من شخصين فأكثر. أو كان أحدهم على الأقل يحمل سلاحًا.
المستشار إبراهيم الهنيدي، رئيس اللجنة التشريعية في مجلس النواب قال إن مشروع القانون جاء لمواجهة ظاهرة التعرض للغير والتحرش الجنسي. تلك الظاهرة التي باتت مشكلة خطيرة تؤرق المجتمع وتتطلب جهودًا لمواجهتها من عدة مسارات، أبرزها المسارات التشريعية العقابية.
بينما قال وكيل لجنة الشؤون التشريعية والدستورية بالمجلس، إيهاب الطماوي، إن التعديل الجديد دمجت التحرش الإلكتروني إلى التحرش الجنسي. بعدما انتشر التحرش عبر استخدام الوسائل الإلكترونية المختلفة، وأصبحت العقوبة تصل لـ4 أعوام.
أثر التحويل من الجنحة إلى الجناية
انتصار السعيد المحامية، ورئيسة مجلس أمناء مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون علقت قائلة: “تحويل عقوبة التحرش من جُنحة لجناية هو أمر رادع أكثر. إذ أن العقوبة أشد بكثير وبالتالي نحن بحاجة إلى تطبيق القانون بجانب التوعية بخطورة الظاهرة التي وصفها البرلمان بأنها تمس الأمن القومي. وبالتالي تحتاج عقاب رادع”.
كما أضافت: “من الواضح أن هناك تعليمات في هذا الوقت بالتعامل والاهتمام مع البلاغات المقدمة بالتحرش. إلا أننا نحتاج أيضًا إلى توعية أكثر خاصة أن الناس في مصر حتى بعض القائمين على تطبيق القانون نفسه لديهم أزمة. في اعتقاد أن العادات والأعراف أقوى من تطبيق القانون. وبالتالي هي معادلة متوازية توعية بالإضافة إلى تطبيق”.
“الحكم مبهج”
وعن تعديل الحكم الصادر بحق متحرش الميكروباص أكدت أن الحكم مبهج للغاية لأن هذا الطبيب لم تردعه دراسته أو ثقافته في القيام بجريمة فجة كهذه. وكذلك فأن الحكم عليه بسنة مع إيقاف التنفيذ من أول درجة دفعه إلى الخروج والتشنيع هو وأسرته على الفتاة وأهلها. وبالتالي هذا الحكم يعكس مدى الاهتمام بتطبيق قانون التحرش الجنسي. كذلك لفتت إلى أنها كمحامية على علم بأنه إذا كان قرر الواقعة خلال 3 سنوات كان سيحصل على أقصى عقوبة.
بينما ترى المدير التنفيذي لمؤسسة إدراك للتنمية والمساواة، نجوى إبراهيم، أن تعديل العقوبة الخاصة بالتحرش الجنسي هو مهم ورادع مجتمعي كبير. لكنها تؤكد أن الفكرة مازالت في آلية التنفيذ التي فيها مشكلة كبيرة. “وهو ما شهدنا في الحكم الأولى على متحرش الزقازيق الذي صدر حكمًا بحبسه سنة مع إيقاف التنفيذ خوفًا على مستقبله. على عكس الوصول لعقوبة أشد في الاستئناف وهو ما يختلف من قاض لآخر. فضلًا عن أنه يعد انتصار كبير جدًا”.
وتستكمل: “التعديل الذي تم تمريره في الجلسة العامة للتصويت سيكون أمر جلل خاصة أن القضية ضاغطة جدًا. كما أصبحت النساء أكثر شجاعة، وسيكون تعأثير التعديل أقوى لو صدر حكم أو اثنين على متهمين بالتحرش وفقًا للتعديل الأخير.
وتشير إلى أن الجزء الأهم هنا وبعيدًا عن التغليظ هو التطبيق نفسه. “الأمر الحاكم هنا هو كيفية التعامل مع الضحية وتسريع الإجراءات، وحل الإشكاليات التي تظهر من تحرير البلاغات الكيدية” وعبء الإثبات والشهود أمام النيابة وغيرها. وبالتالي نحن بحاجة إلى رؤية التطبيق ومتابعة الأمر.
الجناية أشد أنواع الجرائم
في السياق ذاته تقول جواهر الطاهر، المحامية ومديرة برنامج الوصول للعدالة بمؤسسة قضايا المرأة المصرية: “الجناية تعتبر أشد أنواع الجرائم. وعقوبتها تبدأ من 3 سنوات إلى 15 سنة. وقد تصل للإعدام في بعض الحالات. أما الجُنحة فهي عمل إجرامي أقل وعادة يعاقب على الجنح بعقوبات أخف من الجنايات. كذلك تبدأ عقوبتها من 4 أشهر فقط إلى 3 سنوات”.
كما تتابع: “لذلك هذه التعديلات مهمة للغاية وسيكون لها دور كبير في الحد من جرائم التحرش الجنسي. خاصة أن سن التشريعات بهذا الشكل، له دور في ردع المتحرشين. كذلك هو حق أساسي لحماية كل النساء وتمكينهن”.
المحامي أحمد مدحت الشحات، بمكتب المساندة القانونية بالشرقية، التابع لمؤسسة المرأة الجديدة. قال إن الحكم في جلسة الاستئناف أتى بعد تحديد جلسة النطق بالحكم ليوم 27 يونيو الجاري. وبالتالي هو حكم نهائي لكن يمكن الطعن عليه أمام محكمة النقض. كذلك استبعد أن يحدث أي تخفيف للعقوبة أو قبول للطعن.
وأضاف لـ”مصر 360″: “مع تعديل الذي أقرته اللجنة التشريعية في البرلمان فيما يتعلق بجريمة التحرش يشير إلى توجه الدولة بوضع رادع مجتمعي في التحرش”. لافتًا إلى أن هذا النوع من القضايا أصبح رداعًا في الأحكام عن السابق. فقديمًا كان الحكم 6 أشهر قبل أن يحصل على البراءة في الاستئناف.
موضحًا أن السبب في حصول المتهم على حكم مخفف في أول درجة هو تنازل الفتاة عن حقها وأصبح الحكم في جنحة فعل فاضح في الطريق العام. وبالتالي انضمامنا بعد استئناف النيابة بدورنا كمجتمع مدني للحفاظ على الحق حتى وصلنا للحكم الحالي.