تدخل محادثات فيينا النووية جولة سابعة محفوفة بمناورات بين الولايات المتحدة وإيران، وخلافات بين موسكو وطهران. ولا تزال إيران متمسكة بشرط رفع العقوبات التي فرضها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب كـ”خطوة أولى” للعودة إلى الاتفاق النووي. بخلاف المماطلة بشأن تمديد العمل بالاتفاق التقني الخاص باستمرار عمليات المراقبة التي يقوم بها مفتشو الهيئة الدولية للطاقة الذرية.
رئيس البرلمان الإيراني، محمد باقر قاليباف، قال إن طهران “لن تقدم صوراً من داخل بعض المواقع النووية إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية؛ لأن اتفاق التفتيش مع الوكالة انتهى أجله”.
وفيما هددت أمريكا، مؤخراً، بالانسحاب من محادثات فيينا، نفذ البنتاجون ضربات دقيقة على مواقع للميلشيات المدعومة من إيران بسوريا والعراق. هذا الموقف اعتبره مراقبون بمثابة “رسالة تحذيرية” إلى طهران. وهو التصعيد الأول الذي تقوم به إدارة جو بايدن بعد الاستهدافات المتكررة منذ مطلع العام الجاري على القواعد العسكرية لقوات التحالف، ومحيط السفارة والقنصلية الأمريكية، في بغداد وأربيل. والتي اتهمت فيها واشنطن الميلشيات الموالية لإيران.
تعقيدات حول الملفات الخلافية
وبعد ست جولات من المفاوضات غير المباشرة تحمل الجولة القادمة المتوقعة الأسبوع المقبل تعقيدات جمة حول الملفات المتنازع عليها. بل إن ثمة تناقضات وخلافات جادة ظهرت بين موسكو وطهران.
وبحسب وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، فإن “منع إيران من الحصول على قدرات نووية عسكرية يبقى مصلحة قومية للولايات المتحدة”. كما هدد بالانسحاب من المفاوضات، وقال إن “موعد انسحاب بلاده من مفاوضات فيينا يقترب”.
وأضاف بلينكن: “إذا استمروا في تشغيل أجهزة طرد مركزية أكثر تطوراً، بشكل مستمر على مستويات أعلى وأعلى، فسنصل إلى نقطة صعبة للغاية من الناحية العملية”.
لذلك تراوح المفاوضات مكانها على خلفية وقوف طهران عند جدل النقطة الأولى بخصوص مسألة رفع العقوبات. وهو الأمر الذي ترفض الولايات المتحدة تقديم تنازلات بشأنه أو التراجع عنه. كما يقول المبعوث الأمريكي الخاص إلى إيران “روبرت مالي” إن واشنطن لن توافق على إزالة العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب.
واشنطن: نافذة التفاوض مع طهران لن تظل مفتوحة
ولفت إلى أن الولايات المتحدة “ستنسحب من المفاوضات إذا كان الاتفاق الذي تريده إيران لا يتفق مع مصالحنا”. وأردف: “نافذة التفاوض مع طهران لن تظل مفتوحة إلى الأبد. حيث إن هدف واشنطن هو التوصل إلى اتفاق يمنع الإيرانيين من امتلاك السلاح النووي”.
إلى ذلك، قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زادة: “على الأطراف الأخرى أن تتخذ القرارات”. وتابع: “الجمهورية الإسلامية لم تنسحب البتة” من الاتفاق، بل “على الولايات المتحدة أن تتخذ بنفسها قرار العودة إليه ورفع العقوبات غير القانونية”.
طهران: إيران لن تتفاوض إلى ما لا نهاية
وفي المقابل، هدد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية مطلع الأسبوع الجاري، بانسحاب طهران من المفاوضات النووية. وغرد خطيب زاده عبر حسابه في “تويتر”: “نعتقد أن الاتفاق لا يزال ممكناً، شريطة أن تقرر الولايات المتحدة التخلي عن إرث ترامب”. وتابع: “لن تتفاوض إيران إلى ما لا نهاية”.
كما قال المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، علي ربيعي، إن المفاوضات الجارية لإحياء الاتفاق النووي في فيينا “قد تؤجل للحكومة المقبلة. ما لم تتحقق مطالب إيران بنهاية ولاية الرئيس حسن روحاني، بناء على تشخيص كبار صناع القرار في النظام الإيراني”.
وأوضح ربيعي أن المباحثات وصلت إلى مرحلة “يتعين فيها على الأطراف الأخرى أن تتخذ القرار”. وأضاف: “حتى الآن في رأينا، تم التفاوض حول كل ما يجب طرحه على طاولة المفاوضات بين الطرفين”.
واعتبر أن وجهة النظر الإيرانية “واضحة تمام الوضوح لجميع الأطراف”، تتمثل في “ما لم نتوصل لاتفاق حول كل الموضوعات على جدول أعمال المفاوضات لن نتوصل لاتفاق عملي. وإذا تم التوافق على جميع القضايا يمكننا أن نتحدث عن تبلور اتفاق”.
خلافات جدية بين طهران وموسكو
وفي نسختها الفارسية، أوضحت صحيفة “إندبندنت” البريطانية، الاثنين الماضي، أن “روسيا وجهت تحذيراً لإيران بشأن عدم دفع تكاليف محطة بوشهر للطاقة الواقعة جنوب طهران”. وتابعت على لسان مصدر روسي، لم تكشف عن هويته، أن “الخلافات الجدية بين طهران وموسكو تؤثر على محادثات فيينا”.
ويرجح المصدر نفسه حدوث مرونة في الموقف الإيراني بسبب أن “الرئيس الأمريكي جو بايدن يريد بوضوح العودة إلى الاتفاق النووي. وأن استمرار الأزمة النووية الحالية له عواقب اقتصادية على روسيا وعلاقات موسكو مع واشنطن”. بيد أنه يفسر التغيير الحاصل في الموقف الروسي اتجاه طهران على خلفية “التنافس الروسي الإيراني” المحتدم في الصراع القائم بسوريا. ونتائج اللقاء الأخير الذي جمع جو بايدن وفلاديمير بوتين في جنيف”.
تسبب انسحاب ترامب من الاتفاق النووي، وهي “اتفاقية كانت بمثابة مناورة تعطيلية وليس حلاً دبلوماسياً، في دفع إيران إلى التخلي عن التزاماتها وتشغيل أجهزة طرد مركزي أكثر كفاءة، وبناء مخزوناتها من اليورانيوم شبه المخصب”، حسبما يوضح معهد واشنطن.
ويضيف: “كان إعلان طهران الأخير أنها بدأت تخصيب نظير اليورانيوم-235 بنسبة 60%، وهي المادة المتفجرة الفعلية، خطوة مفزعة. ففي تلك المرحلة يكون قد تم القيام بمعظم العمل الشاق للتخصيب اللازم لتحقيق الرقم السحري البالغ 90%”.
لذا، ينبغي ربما النظر في احتمالية فشل الجهود التي تقودها الولايات المتحدة لمنع إيران من أن تصبح قوة شبه نووية، وفقا للمعهد الأمريكي. ويردف: “قد يبدو أن تفسير إسرائيل لهذا الوضع هو قدرة طهران على التخصيب بنسبة تصل إلى90%.
تغيير هرم السلطة بطهران وتل أبيب
وفي المقابل، قد ترى الولايات المتحدة أن إيران تمتلك قوة هجوم صاروخي ذات رؤوس نووية. وقد تظهر وجهة نظر وسطية محتملة بالنسبة للبعض وهي امتلاك إيران ما يكفي من اليورانيوم عالي التخصيب للقيام بتفجير تجريبي واحد على الأقل، وهو مصطلح يعني “كمية كبيرة”.
ويلفت المعهد الأمريكي إلى أن التغييرات التي جرت في قمة هرم السلطة بطهران وتل أبيب سوف تؤثر على المفاوضات ونتائجها بخصوص الاتفاق النووي. ويرى أن “رئيس وزراء إسرائيل الجديد، نفتالي بينيت، سوف يتخذ موقفاً مختلفاً للغاية بشأن هذه القضية عن سلفه بنيامين نتنياهو.
كما أن انتخاب الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لا يبعث الكثير من الارتياح. أما إعادة إحياء “خطة العمل الشاملة المشتركة” التي يتم التفاوض بشأنها في اجتماعات فيينا، فقد بدأت تبدو غير كافية بشكل متزايد لمواجهة التحدي، حتى لو كان من الممكن التوصل إلى اتفاق من نوع ما”.