تحل اليوم الذكرى الثامنة لانتهاء فترة حكم جماعة الإخوان المسلمين لمصر. وهي الفترة التي لم تستمر أكثر من عام واحد. ولعبت الجماعة نفسها دورا هاما في انتهاء تجربتها من خلال محاولة استئثارها بكل المؤسسات واقصاء كافة القوى السياسية. بالإضافة إلى محاولة تغيير هوية البلاد الأمر الذي قوبل بالرفض من المصريين.
القرار – قرار شعب، عنوان فيلم وثائقي عرض بمناسبة مرور 8 سنوات على خروج تظاهرات 30 يونيو 2013 التي أطاحت بجماعة الإخوان من حكم مصر.
الفيلم الذي قدمه الفنان آسر ياسين. انطلق من أسباب خروج المصريين ورفضهم لحكم الجماعة بعد مرور سنة فقط من حكم الرئيس الأسبق محمد مرسي.
الفيلم تناول محطات في فترة حكم الجماعة. اعتبرها كانت سببا في رفض المصريين لها، واخرى اكتشفت من خلالها القوى السياسية المصرية أن حكم الجماعة لابد من انهائه لخطورته على البلاد.
“أسوأ احتلال لمصر”. هكذا وصف آسر ياسين الذي اختاره المخرج مروان حامد لتقديم الفيلم “حكم الجماعة”، واعتمد الفيلم على مشاهد حقيقة وأراء سياسيين وصحفيين ومواطنين لتحليل أسباب رفض المصريين لحكم الإخوان.
الاختيار بين الدولة والجماعة
الكاتب الصحفي إبراهيم عيسى، قال إن ما قبل 30 يونيو شهد وجود حالتين، موضحًا أن الأولى تمثلت في سرعة الانتباه والتنبه بذكاء وفطنة لدى المصريين في أن الإخوان يمثلون كارثة على البلاد.
وأضاف، أن الحالة الثانية. هي ظهور نوايا الإخوان وغبائهم وكراهيتهم للشعب. معلقًا: «الإخوان لا كانوا عارفين يحكموا أو يهدوا ويشتغلوا بعقل وسياسة».
وتابع: «الإخوان انكشفوا بسرعة وظهر خوائهم السياسي وعقلهم الضعيف الضحل سياسيًا وعدم مقدرتهم على إدارة البلد»، قائلًا إن الشعب يوم 30 يونيو كان أمام الاختيار ما بين الدولة أو الجماعة.
وذكر أن المصريين خرجوا خلال ثورة 30 يونيو في كل أنحاء مصر بما فيها الصعيد الذي كانت غائبا تمامًا في 25 يناير. مؤكدًا أن جميع طبقات المصريين خرجت في 30 يونيو.
ووصف استمرار الإخوان في الحكم بأنه كان شروعا في قتل الوطن. متابعًا أن يوم 3 يوليو جعل لـ30 يونيو إنجازا بالخلاص من حكم المرشد.
حاول الفيلم البحث في محطات واضحة يمكن أن تكون أدت إلى الموقف الجماعي المصري الذي تبلو ضد حكم جماعة الإخوان، وكان محاولة الجماعة السيطرة على كل شيء والانفراد بالقرار هو المقدمة التي حسمت موقف القوى السياسية.
الجمعية التأسيسية
الكاتب الصحفي محمد سعد عبدالحفيظ مدير تحرير جريدة الشروق وعضو مجلس نقابة الصحفيين. قال إن الإخوان استطاعوا خلال فترة حكمهم السيطرة على الجمعية التأسيسية، وأصبحت لهم الأغلبية داخل مجلس الشعب، لافتًا إلى أن المشكلات حول المادة الثانية وموقعها ومواد الحريات أثارت الأقلية المدنية الموجودة.
وأضاف، أن الرئيس الراحل محمد مرسي خرج يوم 22 نوفمبر 2012 بالإعلان الدستوري الكارثي. مشيرًا إلى أنه حصن بالإعلان قراراته التي أصبحت شبه إلهية.
وذكر أن «مرسي» منح الحق لنفسه التدخل في أعمال القضاء فعزل المستشار عبدالمجيد محمود، مضيفًا أن إصدار «الإعلان الدستوري» كان المسمار الحقيقي الأول في نعش حكم الإخوان، وأن الإخوان يفعلوا أي شيء من أجل الوصول والبقاء في الحكم.
ثنائية الانتخابات البرلمانية والرئاسية
أعاد الفيلم ثنائية الانتخابات البرلمانية والرئاسية، ففي الوقت الذي كان يطالب ميدان التحرير بإجراء انتخابات رئاسية أولا، صممت الجماعة على إجراء انتخابات برلمانية ما أنشأ واقعا مزيفا كما وصفه سامح عاشور نقيب المحامين المصريين السابق وعضو مجلس الشيوخ.
الواقع المزيف مكن الجماعة الاستيلاء على المجلس النيابي –بحسب عاشور- .
وأضاف: الجماعة استغلت سيطرتها على البرلمان وأصدرت دستورًا يتوافق مع مصالحهم بشكل كامل.
ودلل على ذلك. أنه اكتشف عندما اختير في لجنة المئة المعدة للدستور مرتين. ممثلًا لنقابة المحامين أن اللجنة كانت خاضعة لسيطرة الجامعة بواقع 80 اسمًا من الإخوان والجماعات التابعة لها.
ولفت إلى أن إضافة الـ20 اسمًا الآخرين لقائمة المئة كانت محاولة لإصباغ شكل ديمقراطي للمشهد. لكن الأمر تحول في النهاية إلى صناعة دستور إخواني كامل، مؤكدًا أنه امتنع عن المشاركة في اجتماعات هذه اللجنة أو إبداء الرأي في أي مقترح له.
وأرجع هذا القرار إلى أن قرار اللجنة كان باطلًا ومخالفًا للقانون ولكافة الشرائع، لكن الجماعة أصرت على هذه السياسات، واستعانت بعناصر من الجماعة في مجلس نقابة المحامين، وذلك من إضفاء المشروعية على تمثيل النقابة في اللجنة.
ونوه عاشور، إلى ان الجماعة وجدت أن النائب العام آنذاك عبد المجيد محمود ابن مؤسسة قديمة وتقليدية ومستقلة وبعيدًا عن سيطرتها، فحاولت السيطرة عليه لكنها فشلت رغم ممارستها ضغوطًا عسكرية عليه لتنفيذ توجيهاتها.
الانتخابات البرلمانية
محاولة الاستئثار بالبرلمان كانت أحد الألغام التي زرعتها الجماعة في طريق حكمها، فروى الكاتب الصحفي ورئيس حزب الدستور السابق، خالد داود، كيف أدارت الجماعة ملف انتخابات أول برلمان عقب ثورة يناير.
وقال، إن آخر تواصل حدث مع جماعة الإخوان تم من أجل وضع قانون الانتخابات البرلمانية، بما يضمن تحقيق النزاهة في العملية الانتخابية.
وأضاف داود، أنه بعد يوم واحد من هذا الاجتماع، أصدر مجلس الشورى قانون انتخاب مخالف لكل ما تم الحديث عنه خلال المشاورات.
ولفت إلى أن القانون تم وضعه بطريقة تضمن فوز جماعة الإخوان بـ80% من مقاعد البرلمان، لافتًا إلى أن قيادات الجماعة كانت تعرض عليهم مقاعد برلمانية مقابل عدم التحرك ضدها والغضب من ممارساتها، ومن ثم إشعال الثورة ضدهم.
محاولة تغيير الهوية والعداء للفن
لم يقتصر الأمر على محاولة السيطرة السياسية على كل المؤسسات، بل بكانت هناك محاولات لتغيير هوية المجتمع، وكانت دار الأوبرا أحد أهم القلاع الفنية في مصر على قائمة المؤسسات التي استهدفتها الجماعة بحسب الدكتورة إيناس عبدالدايم، وزيرة الثقافة، التي مثل قرار إنهاء ندبها من رئاسة دار الأوبرا المصرية، شرارة اعتصام رموز المعارضة والمثقفين بمقر وزارة الثقافة بالزمالك.
عبد الدايم قالت: إن «يوم انتخاب محمد مرسي رئيسًا للجمهورية، يوم سيئ وصعب جدا وقاسي».
وأضافت: كانت نظرة لمستقبل غامض للغاية وخفت أوي على بلدي أكثر من أي شيء آخر وخفت على أولادي».
وتابعت قائلة: “كان عايزنا نغير لبس الراقصات والعارضات في المسرح بس ده اترفض تماما وكانوا عايزين يغيروا النظام في دار الاوبرا وكانوا شايفين ان هذا المكان مخل”.
الغضب من الإخوان وصل إلى ماسبيرو، وتحكي المذيعة نسرين أسامة أنور عكاشة، إنها عانت من التعسف الشديد خلال حكم الإخوان، فترة عملها كمذيعة بـ«راديو مصر»، مشيرة إلى نقل 2 من زملائها بلا أسباب لمجرد نشر خبر من الوكالة متعلق بافتتاح الرئيس المخلوع محمد مرسي لكوبري.
وأضافت أن فريق عمل الراديو حاول مواجهة الأمر ومنع الظلم الذي يتعرضون له، مؤكدة أن أشكال الظلم كانت منتشرة وقت حكم الإخوان بشكل واسع.
وذكرت أن الأمر انتهى بحالة غضب شديدة انتابت جميع العاملين داخل الراديو ما قبل ثورة 30 يونيو بشهرين. قائلة إن البعض لم يستطع استكمال العمل، فضلًا عن أن البث المباشر للمحطة توقف، الأمر الذي كان له صدى كبير.
وأشارت إنهم تعرضوا بعد تلك الأزمة لاستدعاء من رئاسة الجمهورية في ذلك الوقت.
السيطرة على ماسبيرو
ولفتت إلى أن الذي استدعاهم شخص تم تعيينه مستشارًا لرئيس الجمهورية بلا خبرة أو شيء يستدعي توليه للمنصب. وإلى أن الجلسة تضمنت تهديدات مباشرة وغير مباشرة ومبطنة لكل شخص موجود.
خدمات غائبة وحلول تدفع للسخرية ممن يقدمها. كان الحال كذلك في مصر. فكهرباء منقطعة أكثر من نصف اليوم. ومحطات وقود خاوية تتراص السيارات أمامها في طوابير. ومشادات أمام مخابز لم يصلها الدقيق، مشاهد رصدها الفيلم كانت دافعا للمواطن البسيط في رفض حكم الجماعة.
لكن ما دفعه للخروج أيضا للشارع في 30 يونيو، ما قدمته السلطة من حلول باتت مسار سخرية وقتها. كدعوة رئيس الوزراء هشام قنديل لارتداء ملابس قطنية لمواجهة حرارة الصيف في ظل انقطاع الكهرباء. وحديث الرئيس محمد مرسي عن أن بلطجية يحاولون قطع الخدمات لحشد المواطنين ضد الإخوان.
انتخابات الرئاسة
الفيلم يتناول كيف تعاملت الجماعة مع الأحداث بعد ثورة 25 يناير، وكانت البداية من انتخابات الرئاسة التي روجت الجماعة لوجود مخطط لتزويرها للضغط على المجلس العسكري –بحسب- عمرو عمارة أحد الشباب المنشق عن الجماعة ورئيس اتحاد الشباب العربي.
وأضاف: جماعة الإخوان نشرت الكذب وروجت الشائعات خلال فترة حكمها إلا أنه بعد 100 يومًا. أدرك الشعب المصري، مدى أكاذيبهم، وهو ما جعل الجماعة تتيقن فقدانها للشارع المصري.
بالطبع كانت مخاوف الأقباط من سيطرة الإخوان على مصر. خاصة بعدما أظهروه من محاولة لتغيير هوية البلاد أكبر بكثير من المسلمين. وأكدت الدكتورة إيفا بطرس، مسئول الإغاثة في مصر والوطن العربي بالكنيسة الإنجيلية وأحد المشاركين في فيلم “قرار شعب”. أن يوم انتخاب جماعة الإخوان الإرهابية، كان يوم أسود وصعب علينا كلنا، كان يوم مليء بالوعود المخيفة، ونشكر الله أنه تقبل دعواتنا وأنقذنا جميعًا.
عنف الجماعة
شهدت الاحتجاجات التي خرجت قبل 30 يونيو خلال فترة حكم مرسي، تعامل عنيف واعتداءات من قبل أعضاء الجماعة.
محمد سعد عبد الحفيظ عضو مجلس نقابة الصحفيين، قال إن مواجهة الاحتجاجات عادة ما تقابلها أي سلطة بطريقتين، إما القرارات السياسية أو الحلول الأمنية، وإن الجماعة اختارت طريقا ثالثا بالاعتداء على المحتجين ومحاولة تفريقهم وإرهابهم.
كان حادث الاعتداء على المعتصمين امام قصر الاتحادية من قبل عناصر الجماعة. الذي شهد اغتيال الصحفي الحسيني أبو ضيف. نقطة تحول انهت أي حديث عن بقاء جماعة الإخوان في الحكم.
عمرو عمارة كشف عن أن المجموعة التي شاركت في احدث الاتحادية هم من التنظيم الخاص لجماعة الإخوان المسلمين شعبة عين شمس. وان الهدف كان تفريق المحتجين وتصويرهم في محاولة لتضليل الرأي العام وإظهارهم كبلطجية.
يقول محمد سعد عبد الحفيظ، إن الحسيني اخذ طلقة محرمة دولية في الرأس بينما كان يقوم بدوره في تغطية وتصوير الأحداث، فيما يشير الصحفي أحمد فايق إلى أن الحسيني قد نشر تحقيق قبل استشهاده بأيام حول قرار مرسي الإفراج عن عدد من السجناء بينهم شقيق زوجته.
لم يقتصر عنف الجماعة على القاهرة. فالفيلم سجل شهادات عن حالات اغيتال واعتداءات نفذها الإخوان ضد نشطاء قبل 30 يونيو، خاصة في محافظة بورسعيد.
الكاتب الصحفي إبراهيم عيسى، قال، إن الإخوان سقطوا في المحافظات والأرياف قبل العاصمة. لأن أهالي الريف يعرفون بعض جيدا. واكتشفوا التحولات التي ظهرت على أعضاء الجماعة مادية والمكاسب السريعة التي حققوها خلال فترة حكم مرسي.
واختتم الفيلم بمشاهد الثورة على الإخوان يوم 30 يونيو و 3 يوليو. مؤكدا أنها كانت نهاية لحكم الإخوان وبداية لمصر الجديدة. ومدللا على ذلك بمقاطع مصورة لعدد من المشروعات التي أقيمت في مصر خلال السنوات الثمانية الماضية.