“لاتقتل النساء من الغرباء، ولا من قطاع الطرق ولا من اللصوص، إنهن يقتلن من أكثر الناس قربا، وفي أكثر الأماكن اطمئنان للإنسان، يقتلن في غرفهن، ومنازلهن”.
انتشرت العبارات السابقة وغيرها خلال اليومين السابقين في أعقاب تداول فيديو يوثق جريمة مروعة في سوريا ذهبت ضحيتها فتاة قاصر، قُتلت رمياً بالرصاص على يد عائلتها.
وسريعا ما احتل هاشتاج (حق فتاة الحسكة)، الوسم الأكثر انتشارا على مواقع التواصل عربياً. ويظهر في الفيديو “الذي نمتنع عن نشره” لاحتوائه على مشاهد صادمة وغير أخلاقية. مجموعة شبان يقتلون فتاة في ريف محافظة الحسكة في سوريا.
وظهر في الفيديو أكثر من 10 شبان يقومون بإطلاق الرصاص الحي على فتاة الحسكة في منزل مهجور. وتظهر وهي تنازع من أجل البقاء على قيد الحياة. ويسُمع أحد الشبان وهو يطلب من آخر أن يضربها برصاصة في رأسها لتموت فوراً. وهو ما حدث.
وذكر مركز الأبحاث وحماية حقوق المرأة في شمال وشرق سوريا أنه تأكد من صحة الجريمة بناء على حديث مصادر تواصلوا معها في محافظة الحسكة.
روايات عن الجريمة
وتتراوح الروايات حول أسباب قتل الفتاة “ع.س”. بين رفضها الزواج من نجل عمها الذي شارك في قتلها. وأنها حاولت الهروب. لكنهم أعادوها وقاموا بقتلها. وأنها كانت على علاقة بشخص هرب إلى تركيا، وخلفها تواجه مصيرها.
ما أكده أيضاً الناشط عهد الصليبي الذي ذكر أن الجريمة حصلت منذ 3 أيام في مساكن حي الزهور المعروفة باسم “حوش الباعر” في ريف الحسكة.
وقال الصليبي في تصريحات صحفية “الفتاة قتلت على يد أهلها تحت مبرر الشرف”.
كما أعلن مصدر إعلامي آخر من ريف الحسكة. إن حادثة قتل فتاة الحسكة تمت على يد أشقائها. بعد اتهامها بإقامة علاقة مع شاب. مضيفاً أنها تبلغ من العمر 20 عاماً.
لكن مركز الأبحاث وحماية حقوق المرأة أشار إلى أن الضحية لا يتجاوز عمرها 18 عاما. بمعنى أنها قاصر وتحت السن القانوني. ما يُظهره الفيديو أن الفتاة بجسد نحيل وقصير. ما يعني أنها قاصر.
وترتفع نسبة الجرائم في سوريا في الآونة الأخيرة لتحتل المرتبة الأولى عربياً والتاسعة عالمياً، للعام 2021. بحسب المواقع المتخصصة في رصد مستوى الجريمة في كافة أنحاء العالم.
وتغيب الإحصائيات الرسمية حول العدد الفعلي لجرائم الشرف في سوريا. نظرا لحساسية الموضوع، من منطلق العادات والتقاليد الرجعية. مع ذلك تنص المادة 17 من “قانون المرأة” على تجريم القتل بذريعة الشرف واعتباره جريمة مكتملة الأركان. تتراوح العقوبة عليها بالسجن من 3 إلى 20 عاما. كما تعاقب المادة المذكورة الشريك بالجريمة بالحبس لمدة تصل إلى 9 سنوات.
النساء ضحية..التمييز والخلافات الاجتماعية
وفق تقرير مكتب الأمم المتحدة فإن أكثر من نصف ضحايا جرائم القتل لعام 2018 في جميع أنحاء العالم قُتلن على يد شركاء حياتهن أو أقارب. معظمهن في أفريقيا، تليها الأمريكيتان، ثم أوروبا.
وفي مصر لايوجد قانون صريح يبرر جرائم الشرف بحسب المحامية في حقوق المرأة لمياء لطفي، بعكس بلاد الشام التي كان بعضها يملك مثل هذه المواد، حتى تم إلغاء أغلبها مؤخرا.
ولكن بالرغم من ذلك يتم استغلال مواد الرأفة بالقانون، لمحاكمة الجناة، من قبل القضاة، والحجة دائما تكون الضغط النفسي الذي يقع على المتهم من قبل المجتمع.
وفي جرائم قتل الأزواج. يميز القانون بين الرجل الذي يتساهل معه في حال قتله لزوجته بدعوى الخيانة. في حين أنه لايبرر الأمر للمرأة أبدا، فضلا عن ثقافة القضاة التي تنعكس على الأحكام في تلك الجرائم.
وفي جرائم قتل الأزواج. يميز القانون بين الرجل الذي يتساهل معه في حال قتله لزوجته بدعوى الخيانة. في حين أنه لايبرر الأمر للمرأة أبدا، فضلا عن ثقافة القضاة التي تنعكس على الأحكام في تلك الجرائم.
هذا التمييز بدوره منح الرجال الفرصة لاستمرار ارتكاب جرائم قتل بدعوى الدفاع عن “الشرف”، والإتيان بجرائم سببها خلافات اجتماعية بالأساس مثل حرمان السيدات من الميراث، أو الإجبار على الزواج، أو التواصل مع شخص ترفضه العائلة، وفق لطفي.
ضغط نفسي
وانتقدت لطفي مسألة الضغط النفسي الذي يبرر للقتل. في حين تعيش السيدات تحت ضغط نفسي أكبر من قبل الأهل، والمجتمع المحيط، ومع ذلك يتهاون القانون في حقوقها، ويميزها بالسلب.
اللافت بالأمر أنه غالبا ما تكون الإشاعات، أو مرض نفسي للزوج أو الاتهامات الكيدية هي دوافع الجريمة ورغم ذلك يتم تخفيف العقوبة، وهو ما ترجعه لطفي لمطاطية المصطلح، وسهولة وصم السيدات مجتمعيا.
المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في مصر. أجرى دراسة عام 2015 أفادت بأن 70%، من جرائم الشرف لم تقع في حالة تلبس وإنما اعتمد مرتكبيها على الشائعات.
وأوضحت الدراسة أن تحرِيات جهات التحقيق في 60% من هذه الجرائم أكدت سوء ظن الجاني بالضحية والتربص بها.
الأمر نفسه أشار إليه مركز قضايا المرأة. الذي قال في أحد أبحاثه أن الشك في السلوك. وليس التلبس، هو السبب الأول في ارتكاب جرائم الشرف بنسبة 79%. كما ان رد فعل في 90% من الحالات، يكون الإقدام على ارتكاب جرائم القتل.
تروي لطفي أحد الأمثلة على هذا الوضع. وهي إحدى حالات مركز المرأة الجديدة ترجع لفتاة صغيرة من المنصورة، أجبرها أهلها على الزواج مبكرا، ثم طلقها زوجها، بعد أن أنجبت طفلا، فسارعوا إلى تزويجها من رجل يكبرها بأربعين عاما.
وخلال الزواج اكتشفت الفتاة سادية الشريك، وتعرضت معه لأشد أشكال الإيذاء النفسي والبدني، وسارعت بالهروب من المنزل، إلى القاهرة للعمل والاستقلال بنفسها، فحاول أهلها قتلها بعد ضغط الزوج عليهم ووصمهم اجتماعيا”.
جرائم الشرف..تواطؤ مجتمعي رسمي
فى أكبر استطلاع للرأى شارك فيه أكثر من 25 ألفا من عشر دول عربية أجرته شبكة البارومتر العربي البحثية المستقلة في منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لصالح بي بي سي العربية، سُأل المشاركين عن مدى قبولهم ” القتل غسلا للعار” فكانت الدولة الأعلى عربيا الجزائر بنسبة 27 % تليها المغرب بنسبة 25 % ثم الأردن بنسبة 21%.، كما أن القتل غسلا للعار كان مقبولا عن المثلية الجنسية.
وبحسب البحث تتكتم أجهزة التحقيق أحيانا على تفاصيل القضية، كما حدث فى حالة الفلسطينية إسراء غريب التى نفى النائب العام شبهة “قتل الشرف” في قضيتها وتحفظ على التفاصيل “احتراما لخصوصية القتيلة” كما ورد في بيان النيابة.
وعلى مستوى القبول المجتمعي للمسألة تعتبر لطفي أن الجميع متواطئ ومتهم بالسلبية، فمن ناحية يميل قوات إنفاذ القانون إلى وصف حالات العنف، التي غالبا ما تصل إلى القتل لاحقا، بالخلافات الأسرية، وتفضيلهم عدم التدخل فيها.
ومن زاوية أخرى يعاني المجلس القومي للمرأة خللا في تحمل مسؤولياته، بدعوى الحفاظ على الأسرة المصرية، والنأي عن اتهامات تتعلق بتغريب الأسرة، والمساهمة في انحراف المرأة، فتكون النتيجة امتناع كافة الأطراف عن مساعدة المرأة.
وحول الملاجئ التي تم تدشينها من وقت قريب في عدد من المحافظات لمواجهة حالات العنف. فتشير لطفي إلى صعوبة الوصول إليهم. فضلا عن تعذر القائمين عليها بعدم وجود أماكن فارغة، خاصة في حالة مرض السيدة نفسيا مثلا، أو وجود أطفال.