عرف العالم “التيك توك“، باعتباره تطبيق يسمح لمستخدميه بإنشاء مقاطع فيديو ومشاركتها. لكن التطبيق الذي أثار جدلا واسعا في مصر خلال الشهور الماضية خاصة بعد اتهام فتيات تستخدمن التطبيق بالتحريض على الفسق، له وجه آخر  يتخذ من الصراع الأمريكي الصيني على التكنولوجيا عنوانا له.

الصراع التكنولوجي بين واشنطن وبكين، هو أحد عناوين صراعات اقتصادية وسياسية ممتدة منذ سنوات بين البلدين، فبينما تسعى الصين التي تقود العالم في مجال التكنولوجيات فائقة التقدم. تحاول الولايات المتحدة الأمريكية الحفاظ على مكانتها في مواجهة في هذا المجال.

في يناير الماضي. وقبل خروج ترامب من البيت الأبيض. وقع أمرا تنفيذيا يحظر المعاملات المالية ودفع أموال عبر ثمانية تطبيقات صينية. وأشار القرار لامكانية استخدام هذه التطبيقات لتتبع وجمع معلومات دقيقة عن موظفين فيدراليين في حكومة الولايات المتحدة.

وجاء في الأمر أنه يتعين على الولايات المتحدة اتخاذ إجراءات صارمة ضد أولئك الذين يطورون أو يتحكمون في تطبيقات برامج الاتصال الصينية لحماية أمن أمريكا القومي، وقبل هذا القرار بشهر، أضافت وزارة التجارة العشرات من الشركات الصينية إلى القائمة السوداء التجارية، بما في ذلك أكبر شركة لتصنيع الرقائق الإلكترونية في البلاد.

قيود على الشركات الصينية

كما فرضت الإدارة الأمريكية قيودا على عدد من الشركات الصينية والروسية. التي تتهمها بان لها علاقات بالمؤسسات العسكرية في هذه البلدان. لمنعها من شراء السلع والتكنولوجيا الأمريكية الحساسة.

وفي أغسطس الماضي، أمرت الولايات المتحدة شركة بايت دانس، مالكة تطبيق تيك توك، بإغلاق أو بيع أصولها الأمريكية، لترد الصين على الأمر. وتنفي ما وصفته بمزاعم أن شركات التكنولوجيا تشارك بياناتها مع الحكومة الصينية.

الصين لم تكتف بنفي الاتهامات في إطار ردها على القيود الأمريكي. بل ردت بفرض قوانين التصدير الخاصة بها التي تقيد نقل التكنولوجيا العسكرية إلى الخارج.

اختلفت السياسات التي تبناها كل من بادين وترامب بشأن التطبيقات الصينية
اختلفت السياسات التي تبناها كل من بادين وترامب بشأن التطبيقات الصينية

ومع قدوم بايدن. ألغى ما أصدره سلفه دونالد ترامب. بحظر تطبيقي تيك توك وويتشات الصينيين في الولايات المتحدة. وقال بايدن إنه على الوزارة استخدام “نهج قائم على الأدلة” لمعرفة ما إذا كانت مثل هذه التطبيقات تشكل خطرا على الأمن القومي للولايات المتحدة.

الصين أيضا لم تلتزم الصمت. ففي العام الماضي، قالت الخارجية الصينية. إنه إذا تم حظر تطبيق ويتشات في أمريكا فلن يكون هناك سبب يدعو الصينيين إلى الاحتفاظ بأجهزة آيفون ومنتجات أبل الأمريكية في الصين.

تضم منصة “ويتشات” ما لا يقل عن 1.2 مليار مستخدم، وهم في الغالب صينيون رغم أن التطبيق متاح بنحو عشرين لغة.

وتضم منصة “ويتشات” ما لا يقل عن 1.2 مليار مستخدم، وهم في الغالب صينيون رغم أن التطبيق متاح بنحو عشرين لغة.

وتحظى منتجات “أبل” بشعبية كبيرة في الصين. التي تعد أحد الأسواق الرئيسية للمجموعة الأمريكية خارج الولايات المتحدة. وتستحوذ مجموعة “أبل” على 8% من سوق الهواتف الذكية الصينية. متخلفة كثيرا عن “هواوي” وفقا لشركة “كاونتربوينت ريسيرتش” للإحصاءات.

أرباح سنوية رغم الضغوظ

وبرغم الملاحقة والتضييق. فشركة بايت دانس المالكة لتطبيق تيك توك، أشهر التطبيقات التي تتعقبها أمريكا. حققت  أرباحا سنوية إجمالية بقيمة 19 مليار دولار بنسبة بلغت 93 في المئة.  بينما سجلت الشركة خسارة 45 مليار دولار للفترة ذاتها من العام الماضي. ونسبت هذه الخسارة إلى تسوية محاسبية نادرة الحدوث. ولا علاقة لها بعمليات الشركة.

وسجلت بايت دانس نشاط حوالي 1.9 مليار مستخدم لمنصاتها بداية من شهر ديسمبر الماضي.

ووفقا لتقرير نشرته بلومبرج، فإن أرباح الشركة، حققت نمواً في 2019 بنسبة 130% عن العام 2018، والشركة تمتلك مليار ونصف المليار مستخدم نشط.

وعلى الجانب الآخر، رصدت التقارير زيادة عدد مستخدمي التطبيق، مع بداية فترة كورونا، والحجر الصحي، وبقاء المواطنون لفترة طويلة في المنزل. فكان التطبيق أكثر الرابحين من الجائحة.

صراع ليس وليد اللحظة

الصراع ليس وليد اللحظة، فمن قبل، اعتقلت السلطات الكندية في 2018. منج وانزو المديرة المالية لشركة هواوي عملاق صناعة الاتصالات الصينية بناءً على طلب من السلطات الأمريكية.

وذكرت حينها وسائل إعلام أمريكية أن الولايات المتحدة تحقق في انتهاكات محتملة من قبل شركة هواوي للعقوبات الأمريكية ضد إيران. وهي الاتهامات التي تتردد بشكل دائم. فعادة  ما يتهم المشرعون الأمريكيون الشركة بأنها تشكل تهديدًا للأمن القومي الأمريكي. معتبرين أن التكنولوجيا التي تستخدمها يمكن أن توظَّف للتجسس من قبل الحكومة الصينية.

وفي نفس العام. أصدرت وزارة التجارة الأمريكية قرارًا بمنع شركتي هواوي و”زيت” الصينيتين. من شراء معالجات الهواتف الذكية والمحمولة من شركة “كوالكوم” الأمريكية عملاق صناعة الرقائق الإلكترونية المتخصصة في تكنولوجيا نظم الاتصالات على خلفية مزاعم بانتهاكها لوائح إدارة التصدير الأمريكية وبيع منتجات لإيران. وأيضًا منع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حينها شركة “برودكوم ليميتد” السنغافورية من محاولتها الاستحواذ على شركة “كوالكوم” في صفقة تاريخية تُقدر بـ142 مليار دولار أمريكي. على خلفية اتهامات بإضعاف المنافسة الأمريكية لصالح الصين.

ويأتي الصراع بسبب طموح الصين في السيطرة على التكنولوجيا. ما يسبب تخوفات من قبل أمريكا، وتهديدها اقتصاديا وعسكريا.

ما دعا وزير الدفاع الأمريكي إلى زيادة الإنفاق في مجال الذكاء الاصطناعي خشية الطموح الصيني. بما في ذلك المشروعات التي تعمل عليها وحدة الابتكار التجريبية التابعة لوزارة الدفاع.

وطالب الحكومة الأمريكية بتدعيم علاقاتها مع الشركات التكنولوجية. خاصة تلك التي تعمل في مجال الذكاء الاصطناعي.

وزاد توتر العلاقات الأمريكية الصينية بعد تفشي فيروس كورونا، واتهم ترامب الحكومة الصينية بالتسبب في تحول كورونا إلى وباء عالمي. حيث لفت في أكثر من مرة إلى إمكانية تخليق كورونا داخل مختبر صيني.

مستقبل الصراع؟

مع قدوم الرئيس جو بايدن، طرح سؤال مجددا، وهو هل ينتهي الصراع بين البلدين، وفي محاولة للبحث عن إجابة له، نجد أن الرئيس الأمريكي أجرى أول اتصال مع نظيره الصيني بعد 3 أسابيع، بينما جاء الاتصال مع رؤساء أخرين في اليوم الأول، وبالرغم من أن الرئيسان تحدثا سويا لمدة ساعتين، إلا أن كلا منهما ظل متمسكا بموقفه.

ويرى محللون أن الحرب التكنولوجية أو المنافسة التكنولوجية حتى الآن بين الصين وأمريكا هي حرب على تشكيل المستقبل؛ أيّ أنواع التكنولوجيا ستحكم؟ من المتفوق تكنولوجياً، وبالتالي اقتصادياً؟ وأيهما الدولة العظمى الأولى في العالم؟