توفت جيهان السادات، أرملة الرئيس المصري الراحل أنور السادات، عن عمر ناهز الـ 88 عاما، داخل أحد مستشفيات القاهرة التي كانت تعالج فيه منذ أيام، وذلك بعد عودتها من رحلة علاجية طويلة بالولايات المتحدة.
على مدار 30 عاما، عاشت جيهان في كنف الرئيس المصري محمد أنور السادات، وعايشت معه أكثر لحظات المرارة والفخر والحزن والسعادة مرتدية عباءة سيدة مصر الأولى. قصة بدأت بالمصادفة وعدم التكافؤ وانتهت وهي سيدة مصر الأولى وأرملة لرئيس ارتبط اسمه بالحرب والسلام.
تحكي جيهان التي ولدت عام 1933 لأسرة ميسورة الحال، لأب مصري يعمل طبيب وأم بريطانية، عن حبها للسادات السجين السياسي قبل أن تلتقيه: “كان صديقا للعائلة، سمعت عنه قبل أن ألتقيه بنحو عام أو أكثر، كانت عائلتها التي اعتادت أن تقضي إجازتها الصيفية في السويس حيث توجد عمتها المتزوجة من ضابط طيار، دائما ما يتحدثون عن الضابط الوطني الذي واجه الإنجليز بكل قوة وضراوة دون خوف أو تهاون، وألقي به في السجن أكثر من مرة آخرهم على خلفية اتهامه في اغتيال أمين عثمان”.
كانت جيهان تجمع قصاصات الجرائد التي تحكي عنه. كانت تعرفه كما لم يعرف نفسه، هكذا كانت تردد دائما عن قصتهما.
شرارة الحب في السويس
الصدفة وحدها قادت جيهان لأن تلتقي “محمد أنور السادات” الضابط المفصول والسجين السياسي السابق، عندما ذهبت إلى عمتها لقضاء العطلة الصيفية في عام 1948، وهناك التقت لأول مرة السادات لتبدأ أول فصول قصة الحب الأسطورية التي تشبه في تفاصيلها قصص الحب الخيالية.
فتاة من أسرة ميسورة وجذور بريطانية لم تكن تبلغ بعد 15 عاما، يتهافت عليه الشباب عندما تضع قدميها على شواطئ السويس، تعجب برجل ثلاثيني، مطلق ولديه 3 أطفال، بلا وظيفة، وبلا مستقبل واضح، وأخيرا مطارد.
بعد أن التقت السادات وبدأت شرارة الحب في التوهج أثناء تواجدها على أحد شواطئ السويس، ألح عراف على أن يقرأ لها الطالع على مضض مدت له كفيها، تقول جيهان: “العراف أخبرني أنني سأتوج ملكة على مصر، ضحكت منه بسخرية وتركته وذهابت في طريقي”.
رغم وهج الحب البادي عليهما، إلا أن أحدا لم يبح للأخر، بعد أيام من لقاء العراف كان عيد ميلاد جيهان الـ 15، وفوجئت بهدية ومفاجأة خاصة: “كانت المفاجأة الأولى والأحلى في حياتي، كنت أعرف مدى عشق السادات للفنان فريد الأطرش، وفوجئت به يتنحى بي جانبا ويدندن وعينيه تتابعني أغنية “ياريتني طير وأطير حواليك”، حينها أدركت أننا نتبادل نفس الشعور.
كان ضيق الحال والمستقبل المعتمم الذي يواجه السادات، وكونه رجل مطلق ولديه 3 بنات، دافعا قويا لأي عائلة ترفض زواج أبنتها منه، إلا أن جيهان تحدت الجميع عندما وافقت على الزواج من السجين السياسي السابق.
“كانت عائلتي ترفض تلك الزيجة وبعد محاولات مضنية استطعت أن أقنعهم، أتذكر جيدا محادثتي مع والدتي ووقع كلماتي عليها عندما أخبرتها “لو متجوزتوش مش هتجوز غيره”، لقد كان تمردا كبيرا على العائلة، لكنهم في نهاية الأمر استجابوا لرغباتي وكللت قصة الحب بزواج بسيط، ولاحقا بالأطفال لثلاثة.
زوجة الصحافي والضابط والرئيس
عرف السادات بحبه للإعلام، فكان قارئا نهما يتناول صفحات الجرائد صباح كل يوم وهي عادة ما تركته أبدا، عندما تزوج السيدة جيهان لم يكن يملك قوت يومه، واستطاع أن يجد لنفسه طريقا نحو بلاط صاحبة الجلالة، حيث عمل صحفيا لفترة ليست بالطويلة، كان يحصل على المعلومات عبر أصدقائه في الجيش المصري.
بعد فترة استطاع العودة مرة أخرى إلى الجيش وهناك بدأ نفوذه ويتضح للجميع وتحولت دفة الحياة من زوجة مدني إلى زوجة ضابط يشارك في انقلاب غير دموي على الملك، تحكي جيهان عن تلك الفترة: “كانت رحلة صعبة في حياتي، كانت مليئة بالمخاوف، رغم عدم إطلاعي على بواطن الأمور، إلا أنني كنت أعرف زوجي عندما يكون متوترا ومشغول الفكر”.
بعد فترة وجيزة، وصل السادات إلى منصب نائب رئيس الجمهورية، وهنا تبدل الحال، تقول جيهان: “كنا نعيش في منزل بسيط في حي الهرم وكان المنصب الجديد يحتاج إلى وجاهة اجتماعية، إذ لا يصح أن يكون الرجل الثاني في الدولة يعيش في منزل بسيط للنتقل إلى فيلا كانت مملوكة سابقا لمخرج يهودي”.
سكرتيرة خاصة للرئيس
بعد وفاة الزعيم جمال عبدالناصر، تملك السادات زمام الأمور وأصبحا رئيسا للجمهورية.
خطوة يفتخر بها أي مواطن وأي سيدة يرتبط اسمها باسم الرجل الأول في بلده، لكن جيهان كانت تخشى عليه من عواقب أن يكون رئيسا لواحدة من أكبر دول المنطقة، وخاصة في ظل الحب الشعبي الجارف للزعيم جمال عبدالناصر. إلا أنها حرصت أن تقدم كل وقتها من أجل تذليل العقبات أمامه.
عندما تولى الرئاسة كان السادات يكره أكوام الورق التي توضع على مكتبه في صباح كل يوم، لذا كان دور جيهان هو الغوص في تلك التفاصيل ومراجعتها وتلخصيها لتكون بضع ورقات تضم أهم الأخبار والمعلومات التي يجب أن يطلع عليها الرئيس، فضلا عن العمل على تنظيم وقته تبعا للأهمية.
تثقيف السيدة الأولى
شعرت جيهان السادات أن منصب زوجها الحالي يحتاج منها الكثير من العمل حتى تواكب التطورات، لذا عمدت إلى إعادة تثقيفها بتاريخ مصر من جديد ووضعت تلك المهمة في يد الدكتور عبدالمنعم أبو بكر.
تقول جيهان في أحد حواراتها الصحفية: “كنت أريد أن أكون على قدر الحدث، لا يصح أن أكون زوجة رئيس الجمهورية جاهلة بتاريخ الدولة، لذا عكفت على دراسة تاريخ مصر القديم والتعرف عن قرب على المناطق الأثرية والاطلاع عن قرب بطبيعة الحياة في مصر وخاصة في القرى والنجوع والتعرف على العراقيل والأزمات التي تواجه المجتمع المصر بمختلف طبقاته وشرائحه”.
خلال تلك المرحلة، عرفت مصر لأول مرة لقب السيدة الأولى وخروج دورها عن المناسبات العامة والحفلات وغيرها من المراسم إلى دور اجتماعي وثقافي، فضلا عن دور سياسي غير معلن، حيث لعبت جيهان أدوارا مختلفة، وكانت بمثابة حمامة السلام التي تحلق في ظل السادات.
يقول دكتور محمود جامع، الذي كان صديقا ملازما للرئيس الراحل أنور السادات، إن تدخلات السيدة الأولى في السياسة كان قليلا ولكنه مؤثر، لافتا إلى أن الرئيس السادات كان يخفي عنها الأمور الحساسة، ويكتفي بالحديث في الأمور العامة، إلا أن ذلك لم يمنعها من الدخول في المناطق الشائكة.
يقول جامع في كتابه عرفت السادات” إن تغيير المادة 77 من الدستور بجعل فترة الحكم مفتوحة وليست مدتين فقط كان باقتراح من السيدة فايدة كامل زوجة وزير الداخلية الأسبق عندما كانت عضوا في مجلس الشعب، مع مجموعة من “الستات” بالمجلس بإيحاء من السيدة جيهان وقد عرف بتعديل “الهوانم”.
المرأة وقانون جيهان
عرفت السيدة جيهان طريقها نحو العمل العام ضمن إطار دور المرأة المصرية، وكان عام 1979، كان عام وقوع الحدث الجلل، حيث عرفت مصر قوانين الاحوال الشخصية.
وبحسب روايات تاريخية تم تغيير القانون، إذ أصبح حصول المرأة على الطلاق في حالة الضرر وليس في حالة سوء المعاملة، فضلا أنه في حالة الزواج من أخرى يكون من حق الأولى الطلاق، ومن يطلقها زوجها وتكون حاضنة لأطفالها يكون مسكن الزوجية حق لها، وبالفعل في نفس العام صدقت الحكومة على كافة التعديلات التي أقرها علماء الأزهر ووافق عليها البرلمان، فيما عرف إعلاميا باسم “قانون جيهان” .
كما في عهدها خصص 30 مقعدا في البرلمان المصري للنساء، لأول مرة في التاريخ النيابي المصري.
تقول مصادر أخرى أن الحضور اللافت لجيهان في الصحافة الغربية تسببت في توجيه الانتقاد للرئيس الراحل، حيث لم تعرف مصر من قبل سيدة أولى بهذه الشخصية والجرأة.
ما بعد الاغتيال.. أسرار أكتوبر التي لا تنتهي
عاشت جيهان حياة قاسية في الفترة التي أعقبت اغتيال الرئيس السادات وإضطرارها للعمل حيث عملت محاضرة في جامعة القاهرة، إلى جانب عملها محاضرة في أحد الجامعات الأمريكية.
توارت جيهان عن الأنظار سنوات عديدة وصلت إلى 35 سنة، حتى عادت للظهور على التلفزيون المصري في احتفالات الدولة بذكرى نصر أكتوبر، لتفتح خزائن أسرارها، إلا أن تكرار ظهورها مع إعلاميين مختلفين كل عام للحديث عن ساعة الصفر واللحظات الأخيرة في حياة الرئيس الراحل أفقد الجمهور شغف المتابعة لخلو الحكايات من أية تفاصيل جديدة.