في المباريات النهائية للبطولات الكبرى دائمًا ما يبرز دور المدير الفني، إما أن يكون على مستوى الحدث ويقود فريقه لمعانقة المجد أو يكون خارج الخدمة ويضيع كل شيء على منتخبه، هذا بالفعل ما حدث بملعب ويمبلي العريق مساء أمس الأحد في نهائي كأس أمم أوروبا 2020 بين إنجلترا وإيطاليا، حيث قاد روبرتو مانشيني الأزوري بكل “معلمة” للفوز باللقب وتحديدًا بتغييراته وإدارة المباراة بالشوط الثاني ثم الأشواط الإضافية وحتى بركلات الترجيح واختياراته الجيدة.
على النقيض تمامًا كان وضع جاريث ساوثجيت مدرب الإنجليز الذي أضاع بضعفه الفني وقراءته وإدارته السيئة للمباراة والشوط الثاني تحديدًا ثم الأشواط الإضافية وكل الكارثة في ركلات الترجيح ليكرس عقدة له وللشعب الإنجليزي بعدما أضاع إنجلترا من قبل كلاعب في بطولة 1996 على ملعب ويمبلي أيضًا.
بنصف نهائي البطولة آنذاك أمام ألمانيا وأضاع ركلة الجزاء الحاسمة ليطيح بإنجلترا خارج البطولة، ها هو يقوم بدور البطولة ثانية في الفشل والإخفاق ويصبح فأل نحس لمنتخب الأسود الثلاثة على مدار تاريخه.
ليحقق منتخب إيطاليا اللقب الثمين والنجمة الثانية بتاريخه باليورو بعدما انتظر 53 عامًا منذ آخر تتويج في نسخة عام 1968، حيث فاز بركلات الترجيح بنتيجة 3-2 بعد انتهاء الوقتين الأصلي والإضافي أمام إنجلترا على أرضها ووسط جماهيرها الغفيرة بالتعادل الإيجابي بهدف لكل منتخب.
مانشيني صنع الفارق وساوثجيت أضاع اللقب
بدأ مانشيني المباراة بتوليفته المعتادة من اللاعبين وطريقة لعبه الواحدة منذ انطلاق اليورو 4-3-3، ولكن بعد الشوط الأول الذي نجح في قرائته جيدًا خصمه ساوثجيت بلعب بطريقة 5-4-1 وجعل دفاع الإنجليز محكمًا ونجح في تسجيل هدف مبكر لظهيره الأيسر المتألق لوك شو، خرج مدرب الأسود الثلاثة منتصرًا ومتفوقًا من الجانب التكتيكي على مانشيني، لكن الشوط الثاني جاء بما لا يحمد عقباه على الإنجليزي، بعدما قام المدرب المعلم للطليان بتغييرتين قلبتا المباراة رأسًا على عقب، حيث لعب بمهاجم وهمي إنسيني أمام الثلاثي الدفاعي الإنجليزي بالعمق، مع نزول بيراردي كجناح أيمن على حساب المهاجم الصريح إيموبيلي الذي تاه وسط الدفاع الخرساني بالشوط الأول، وذهب كييزا المتألق كجناح أيسر.
ومن هنا اختلفت الأمور تمامًا وبات الأزوري أخطر كثيرًا بعدما أربك مانشيني تكتيك ساوثجيت وشتت ثلاثي الدفاع وسحبهم للأمام مع إنسيني ليفضي مساحات بينهم للأجنحة الرائعين وكان له ما أراد وأضاعا هدفين محققين، قبل هدف التعادل من ركلة ركنية شهدت جرينتا الطليان وروحهم القتالية الجبارة وتحديدًا ثنائي الدفاع المتمرسين كيليني وبونوتشي صاحب الهدف وصانع الألعاب من الخلف للأمام بشكل عظيم.
كل ذلك حدث أمام مرأى ومسمع المدرب ساوثجيت ولم يحرك ساكنًا حتى كادت إيطاليا تخطف الفوز من قبل ملعبه وجماهيره بالشوط الثاني دون اللجوء للأشواط الإضافية من الأساس، وعندما قرر التدخل كان خاطئًا ومتأخرًا كذلك كثيرًا، بإدخال الشاب اليافع قليل الخبرات بوكايو ساكا رغم وجود نجوم كبيرة على مقاعد البدلاء مثل جاك جريليش وماركوس راشفورد وجادون سانشو، ثم أدخل هيندرسون بدلاً من ديكلان رايس أفضل لاعب بوسط إنجلترا في هذه المباراة ليفقد المباراة تمامًا، ودفع بجريليش متأخرًا وبلا جدوى.
وعندما قاده الحظ للأشواط الإضافية استمر في توهانه وضعفه كعادته في التعامل وقراءة المباريات والتغييرات المؤثرة في سير المباراة، وكان مانشيني أفضل منه كذلك بإدخال بيلوتي مهاجم آخر وسحب إنسيني، بل الأغرب من ذلك هو دفع ساوثجيت بالثنائي راشفورد وسانشو قبيل نهاية الوقت الإضافي من أجل الاعتماد عليهما في ركلات الترجيح، وهما في حالة غضب من عدم لعبهما لفترة أطول وتفضيل الشاب ساكا الذي لم يقدم اي مردود مقبول طول البطولة ومع ذلك يصر على إشراكه على حساب نجوم كبيرة وله خبرات عظيمة عنه.
لكن الثنائي خيبا أمل ساوثجيت وأنصفا عدالة كرة القدم وردوا لمانشيني ضمنيًا حقه في التفوق الكبير الذي قام به طوال اللقاء على مدرب إنجلترا، بإهدار الركلتين الثالثة والرابعة، قبل أن يقوم “المسكين” ساكا بإهدار الركلة الخامسة ليضيع اللقب الأسهل من إنجلترا وسط أرضها بسبب فشل وضعف مدربها السيء ساوثجيت.
أرقام وظواهر النهائي
هدف للتاريخ: سجل لوك شو هدف منتخب إنجلترا بعد 117 ثانية من انطلاق المباراة، وهو أسرع هدف في تاريخ المباريات النهائية لبطولة كأس الأمم الأوروبية.
كذلك فإن هذا هو ثاني أسرع هدف يسكن شباك إيطاليا في بطولة كبرى – يورو أو كأس العالم – بعد هدف الفرنسي لاكومب بعد 31 ثانية في مونديال 1978.
تبديل منحوس: شهدت المباراة النهائية استمرار ظاهرة “البديل المنحوس” بخروج لاعب للتبديل بعد دقائق من دخوله كبديل، والتي تكررت 8 مرات في بطولة يورو 2020 قبل المباراة النهائية.
وكان جوردان هندرسون لاعب وسط إنجلترا صاحب الواقعة التاسعة من هذا النوع في يورو 2020، حيث دخل في الدقيقة 74 بدلا من ديكلان رايس، وخرج في الدقيقة 120 ليفسح المجال لدخول ماركوس راشفورد.
نحس المستضيف: أقيمت بطولة يورو 2020 في 11 ملعبا موزعة على 11 دولة أوروبية، من بينها ملعب “ويمبلي” الإنجليزي، الذي احتضن منافسات نصف النهائي والمباراة النهائية.
وبهذا بات منتخب إنجلترا بمثابة صاحب الأرض في النهائي ضد إيطاليا، وبخسارته استمرت عقدة المضيف في المباراة النهائية للمرة الثالثة.
وخسر منتخب البرتغال على أرضه في نهائي يورو 2004 ضد اليونان، ثم فاز على فرنسا صاحبة الضيافة في نهائي يورو 2016، قبل سقوط إنجلترا أمام إيطاليا.
خليفة بوفون في الموعد: نجح جانلويجي دوناروما في قيادة فريقه للفوز بركلات الترجيح للمرة الخامسة في مسيرته، ليواصل سجله الذهبي بعدم خسارته سواء مع نادي ميلان (3 مرات) أو منتخب إيطاليا (مرتين).
وجنى دوناروما ثمار تألقه اللافت في يورو 2020، وحصل على جائزة أفضل لاعب في البطولة، ليصبح أول حارس ينال هذا الشرف منذ استحداث الجائزة بداية من يورو 1996.