يستعد الحاج أبو عادل لحفل عرس نجله في المساء في صعيد مصر. ومن ضمن التجهيزات الأسلحة التي ستطلق منها العائلة الأعيرة النارية في الهواء.وهو الأمر الذي تتفاخر به العائلات هناك.
أبو عادل ليس منفردا في هذا الأمر. بل هو أمر استقر في عادات الأسر والعائلات في المحافظات. ومع تلك الأفراح تأتي غصة في قلب أسرة جديدة. لفقدها أحد أفرادها بسبب هذا الطلق الناري. كان آخرها ما شهدته قرية كفر الجنينة التابعة لمحافظة الدقهلية. عندما لقى شخص مصرعه بطلق ناري بسبب الاحتفالات.
ويذكرنا هذه المشهد. الطفل يوسف العربي. التي دشنت والدته حملة للمطالبة بوقف إطلاق النار في المناسبات.
لقى يوسف العربي مصرعه قبل ما يقرب من ثلاثة سنوات. بطلق ناري في أحد الأفراح. الذي كان متواجدا بالقرب منه. وبعد 1296 يوما من وفاة يوسف أيدت محكمة النقض سجن متهمين اثنين 5 سنوات، في القضية بغد رفض الطعن المقدم منهما.
فقدت مروة طفلها (13 سنة)، في مايو 2017. كان يلعب مع أصدقائه بالقرب من ميدان الحصري في مدينة 6 أكتوبر. عندما سقط على الأرض. فنقل إلى المستشفى واكتشف الأطباء وجود طلقة نارية في المخ، ودخل في غيبوبة.
وكشفت تحقيقات النيابة أن المجني عليه يوسف العربي قُتل برصاصة بالخطأ انطلقت من أحد الأفراح المقامة بالقرب من مكان إصابته. وأن الفرح شهد إطلاق نار بشكل عشوائي من المتهمين.
حق يوسف
“حق يوسف” كان عناون حملة دشنتها الأم. تضمنت مسارين، الشق القانوني لمحاسبة الجناة. والشق الاجتماعي بالسفر إلى العديد من المحافظات. للتوعية بخطورة إطلاق الأعيرة النارية في الأفراح، والمطالبة بوقف تلك العادة.
قالت قناوي، إنها حملت لنجلها وعدين. الأول بتتبع الجناة حتى معاقبتهم ما حدث بالفعل. أما الوعد الثاني فهو حملة “لا لضرب النار في المناسبات”. التي دشنتها الأم وفاة نجلها، للمطالبة بوقف تلك العادة التي يمكن أن ينتج عنها ضحايا. وتتحول أوقات الفرح لأوقات تعيسة في حياة أشخاص آخرين عند فقد شخص عزير أو أحد أفراد الأسرة، بسبب تلك الأعيرة.
الحملة التي انتشرت في عدد من المحافظات المصرية، للتوعية بهذا الأمر. وجدت تفاعلا كبيرا من المواطنين على أرض الواقع. وعلى صفحات مواقع التواصل الاجتماعي.وفقا لحديث مروة.
وتسعي هي والقائمون على الحملة لضم العديد من الفنانين. والفرق الغنائية لجذب أكبر عدد ممكن من المشاركين. لمعرفة أهداف الحملة. ونقلها للآخرين. حتى القضاء على تلك العادة نهائيا.
مروة قالت إن المبادرة ستشهد العديد من الفعاليات المكثفة في الأيام المقبلة. ما بين حملات توعوية. ومنشورات عبر مواقع التواصل الاجتماعي. بجانب فعاليات للأطفال خاصة في مدارس الصعيد حيث تنتشر هذه العادة. بكثرة وذلك للتوعية بمخاطر هذا السلوك. والتوقف عن ممارسته.
وأكدت أنه رغم استمرار الحملة وانتشارها. ما زالت تلك العادة تحصد الأرواح. وكان أخرها طفل فقد حياته أيضا من محافظة الشرقية.
تشريع ينتظر الإقرار
عقوبة حيازة الأسلحة النارية طبقا للقانون المصري رقم 394 لسنة 195 بشأن الأسلحة والذخيرة. والمعدل بالقانون رقم 6 لسنة 2012. هي السجن وغرامة لا تتجاوز 5 آلاف جنيه كل من يحرز بالذات أو الوساطة بغير ترخيص سلاحًا من الأسلحة المنصوص عليها بالجدول رقم “2” وهى الأسلحة غير المششخنة..
وتقدم نواب في البرلمان المصري العام الماضي بمشروع قانون جديد لتشديد العقوبات على مستخدمي الأسلحة في الأفراح والمناسبات.
وبحسب نص مشروع القانون. فإنه جاء بتعديل بعض أحكام القانون رقم 394 لسنة 1954 في شأن الأسلحة والذخائر في ثلاث مواد. تضمنت الأولى إضافه فقرة ثانية للماده 6. لتنظم أحراز أو حيازه السلاح بأن جاءت لتوسع نطاق المنع بأن تحظر حمل الأسلحة المرخص منها في الاحتفالات الرسمية و الحفلات العامة. وتضمنت المادة الثانية من المشروع. استبدال نص المادة رقم 29 واستحداث مادة برقم “29 مكرر”. بأن استحدثت المواد عقوبة أستخدام الأعيرة النارية والمفرقعات دون موافقه مسبقة من السلطة المختصة.
لكن هذا المشروع لم يمرر بعد. أو يصدر فعليا ليمكن تطبيقه. التي ترى مروة أنه من الممكن أن يساعد في وقف تلك الحوادث التي يروح ضحيتها العديد.
البرلماني السابق محمد فؤاد، صاحب مشروع القانون. بتعديل القانون رقم 394 لسنة 1954 بشأن الأسلحة والذخائر، بهدف تغليظ العقوبة على إطلاق النار في المناسبات العامة. قال إن التحرك الأخير له في الدورة السابقة. كان إحالتة إلى رئيس المجلس إلى لجنتي الشؤون التشريعية والدستورية. والدفاع والأمن القومي، بمجلس النواب. ليصبح على عاتق المجلس الجديد إصدار تشريع جديد يغلظ تلك العقوبة.
فؤاد أضاف لـ”مصر 360″. أن التشريع الذي تقدم به جاء بعد مقتل الطفل يوسف العربي، وقدم بالفعل ولم يقره البرلمان، موضحا أن حل الأزمة في تشريع رادع، وعقوبات رادعة تسير بالتوازي مع المبادرات المجتمعية. ما أكدته مروة قناوي والدة يوسف، في أن المبادرات وحدها لا تكفي، ولن تؤتي ثمارها دون تشريع رادع، فالجانبين يكملان بعضهما البعض.
حلول عرفية
رمضان محمد حسن المحامي يوضح لـ”مصر 360″، أن القانون المصري يعتبر القتل عبر رصاصات طائشة في المناسبات قتل عن طريق الخطأ. ويتم تطبيق نصوص عقابية وفقا لرؤية القاضي حيث يقدر مدى إهمال الجاني. مشيرا إلى أنه في العديد من الحوادث تنتهي تلك الوقائع بحلول عرفية. وهي عقد جلسات صلح بين الطرفين. وكثير من الأهالي لا يفضلون سلك الطريق القانوني، لأنهم يقتنعون أن “حباله طويلة”، ولن يأتي بفائدة.
ما قاله حسن، يتفق مع ما روته مها محمد (اسم مستعار). التي فقدت ابنها برصاصة طائشة في أحد الأفراح في الفيوم. لتفكر في البداية في سلك الطريق القانوني. ولكن بعد تدخل من وسطاء، تم تسوية الأمر. ودفعت أسرة العريس مبلغ مالي لها. لتتنازل عن فكرة تحرير محضر بالواقعة، مؤكدة أن هذا المبلع لن يعوضها غياب نجلها..
دخلت قناوي معارك عديدة، بدأت بالإضراب عن الطعام. والاستمرار في المطالبة بحق نجلها، حتى شعرت وفقا لحديثها أنها أتت الحياة لهذا الغرض، وأيضا لتساعد في حماية الأخرين ومنحهم الحياة. موضحة أن تشديد العقوبات هو الحل الموازي الذي يجب أن يكون جنبا إلى جنب مع المبادرات المجتمعية والتوعية. حتى القضاء نهائيا على تلك الظاهرة.
في نفس العام الذي صدر به مشروع قانون تجريم إطلاق النار في المناسبات. تداول عدد من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي فيديو للنائبة البرلمانية نوسيلة إسماعيل عن محافظة الشرقية بالدروة السابقة. أثناء إطلاقها النار. التي أكدت في مداخلة هاتفية بإحدى القنوات الفضائية “كنت بضرب نار في فاتحة بنتي”.
لا توجد إحصائية بأعداد الضحايا ممن فقدوا حياتهم بسبب تلك العادة. ولكن يمكننا القول إنها ليس في مصر فقط. الظاهرة تنتشر في العديد من الدول منها السعودية ودول منطقة الخليج بل ويتباهى مطلقو الأعيرة النارية بنشر الفيديوهات عبر الإنترنت ما سمح في أحيان كثيرة بالتقاط مقاطع يموت فيها أحد الأشخاص أو يصاب إصابة بالغة.