تواصل وزارة المالية تضييق الخناق على الاقتصاد غير الرسمي، عبر تطوير منظومة الضرائب الإلكترونية بمشتملاتها من فاتورة وإيصال رقميين. بما يحرم الاقتصاد الموازي من شراء المواد الخام، أو تصريف منتجه النهائي.
وتنتهج وزارة المالية سياسة “الترهيب والترغيب” في التعاطي مع ذلك القطاع، بداية من قانون المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر. والذي يتضمن مزايا وحوافز لضم الاقتصاد غير الرسمي (الاقتصاد الموازي)، والتطبيق الإلزامي لمنظومة الميكنة تدريجًيا، والتي يتم إحالة المخالف فيها للنيابة العامة.
وتساعد الفاتورة الإلكترونية “B2C”، التي تعني من شركة إلى أخرى، وزارة المالية في الحصول على بيانات عمليات المبيعات والمشتريات إلكترونيًا ونص الفواتير ذاتها لحظيًا. أو بمعنى آخر مبيعات الشركات، ومَنْ المشترى، وكمية المبيعات، وحجم الضريبة المستحقة.
كما تمكن الميكنة مصلحة الضرائب تدريجيًا من رؤية الاقتصاد كاملاً من حيث البائع والمشتري، ونوعية السلع والخدمات المبيعة والمشتراه. بالإضافة إلى مستحقات الدولة الضريبية، وسرعة رد الضريبة على القيمة المضافة.
في هذا الإطار، قال الدكتور محمد معيط، وزير المالية، في ندوة عقدها عبر الفيديو كونفرانس، الجمعة، إنه لن تكون هناك شركات وهمية ولا فواتير وهمية على منظومة الفاتورة الإلكترونية التي سيتم تطبيقها إلزاميًا تدريجيًا.
وعندما حاول القطاع غير الرسمي البحث عن وسائل للهروب من الفاتورة الإلكترونية. بدأت الوزارة الاستعداد النهائي لتطبيق منظومة الإيصال الإلكترونى “بي تو سي” المتعلقة بالتعامل بين أيّ شركة والمستهلك النهائي. والتي من المقرر دخولها حيز التطبيق خلال أسابيع قليلة.
ضربة قوية لاقتصاد الظل
ويمثل الإيصال الإلكتروني تحديًا للوزارة، لكنه سيمثل الضربة الأقوى للاقتصاد الموازي، لارتباطه بشركات التجزئة التي تتعامل مع المستهلكين الأفراد مباشرة. ويستهدف مع الفاتورة الشركات المسجلة في منظومة القيمة المضافة التي يصل عددها إلى 575 ألفًا.
وتطبق مصلحة الضرائب المصرية ميكنة جميع الإجراءات الضريبية، والذي يعد مشروعًا ضخمًا. حيث يتم ميكنة كافة الإجراءات للقضاء على الاتهامات المستمرة للضرائب من وجود تقديرات جزافية.
وبدأ تطبيق المرحلة الأولى لمنظومة الفاتورة الإلكترونية في 15 نوفمبر الماضي، والثانية في 15 فبراير. أما المرحلة الثالثة في 15 مايو على ممولي مركز كبار الممولين. بينما تبدأ الرابعة في 15 سبتمبر القادم بالتطبيق على ممولي مركز متوسطي الممولين ومركز كبار المهن الحرة.
وبلغ عدد الشركات التي انضمت لمنظومة الفاتورة الإلكترونية، حتى الآن، 1800 شركة من كبار الممولين. وقفز عدد الفواتير على المنظومة لأكثر من 20 مليون فاتورة إلكترونية.
ووفقًا الدكتور عبدالعزيز هاشم، مستشار وزير المالية للتطوير المؤسسي، فإن الفاتورة الإلكترونية تمنح المستهلك مزايا شبيهة بالدول الأخرى. فيما يتعلق باسترداد قيمة السلعة إذا تضمنت مشاكل أو غيرها.
تكويد السلع
وأضاف أن نظام التكويد وفقًا لمنظومة الفاتورة الإلكترونية يساعد في التعرف على نسبة المكون المحلي بالمنتج المصري. وهو ما يساعد في دعم الصناعة الوطنية، ودعم نسبة المكون المحلى في المنتج النهائي.
ونظام التكويد هو معيار لتوحيد كود السلع والمنتجات والخدمات التابعة لكل شركة وهو شبيه ببصمة اليد. ويتسم بأنه غير متكرر على مستوى العالم، ويضمن تباعية أيّ منتج لشركة بعينها دون قدرة على تزييفه. كما يتضمن نظام التكويد المصري حرفي EG للتدليل على تبعية المنتج لمصر.
وتصطدم مشروعات التطوير في مصلحة الضرائب بنقص الكوادر البشرية القادرة على الاضطلاع بها. وذلك في ظل ضم المصلحة قطاعًا عريضًا من حملة المؤهلات المتوسطة، وغير القادرين على التعاطي مع التكنولوجيا، في أبسط صورها.
وتوجد طريقتان للتكويد، الأولى: إذا كانت أكواد سلع وخدمات الشركة وفقًا لنظام التكويد العالمي GS1 ستقوم بتسجيل هذه الأكواد على منصة الفاتورة الإلكترونية. وذلك للتأكد من تفعيل تلك الأكواد على قواعد بيانات منظومة الفاتورة الإلكترونية.
والثانية إذا كانت أكواد السلع والخدمات داخلية، فيجب ربطها بنظام التصنيف السلعي GPC. ومن ثم تسجيل أكواد الـ EGS على منصة الفاتورة الالكترونية والمكونة من الكود الداخلي بنظام GPC – رقم التسجيل – EG. وبعدها تراجع المصلحة الأكواد وتقرها، وبموافقتها يتم استخدام أكواد الـ EGS في إصدار الفاتورة. أما حال وجود سلعة أو خدمة ليس لها GPC فيتم التواصل مع شركة GS1 لتحديد الكود الخاص مجانا.
وقررت وزارة المالية، أخيرًا، الإعلان عن مسابقة تعيينات ضخمة تضم نحو 1700 مأمور ضريبي للعمل وفق المنظومة الجديدة. مع تأهيل العمالة القديمة؛ حتى يمكنها المشاركة في مهام المنظومة الجديدة التي أنهت تمامًا العمل الورقي.
كفاءات إدارية
ويقول الدكتور عبدالعزيز هاشم، إن مشروع تطوير مصلحة الضرائب يتضمن محور الموارد البشرية وتطويره، من خلال مشروع متكامل. وخلق منظومة عمل متكاملة ترتكز على التحديث المستمر، وفق الخبرات العالمية المتميزة. وهو الأمر الذي يتطلب تدريب الكوادر البشرية؛ بما يتسق مع هذا التطور.
يقول هاشم إنه يتم خلق صف ثان، يكون داعمًا بخبراته وقدراته وإمكاناته لإستراتيجية الوزارة في تحقيق خططها نحو التنمية. وما يتطلبه ذلك من وجود كفاءات بشرية تدير منظومة العمل الجديدة، لافتًا إلى أنه يتم توفير أفضل برامج التدريب للعاملين بوزارة المالية ومصالحها المختلفة. خاصة في ظل ما تشهده من حجم أعمال ومشروعات كبيرة لتحقيق رؤية مصر 2030.
ووفق مركز كبار الممولين، فإن مصلحة الضرائب في طور التفكير بمشروعات أخرى أكثر تقدمًا، لسد الفجوة بين الاقتصاد الرسمي والاقتصاد الموازي. وذلك بهدف العمل في ظل نظام، يقضي بأن يدفع الجميع نصيبه العادل من الضريبة. كما توفير قاعدة بيانات سلسلة تتبع للشركات الوهمية.
وتبدو الإشكالية الأساسية بشأن الاقتصاد الموازي في محدودية مالكي النشاط، حيث ترجع الملكية إلى شخص واحد في الغالب. فضلاً عن محدودية حجم المنشأة وعدد العمالة؛ فالأنشطة غير الرسمية تستخدم عددًا لا يتجاوز 5 أفراد بالمتوسط، بينهم المالك. وغالبيتهم يتسمون بتدني المستوى التعليمي، ما يجعلهم دائمًا في تخوف من التعامل مع الاقتصاد الرسمي، أو غير ملمين بكيفية تقنين أوضاعهم. حتى حال امتلاكهم الرغبة.
تواجه مساع الرقمنة أيضًا مشكلات تتعلق بطبيعة المؤسسات غير الرسمية، في ضعف حجم الموارد المتاحة للمنشأة، خاصة ما يتعلق بالتكنولوجيا. إذ إن غالبيتها يتعامل بالطابع اليدوي في الإنتاج والدفاتر الورقية، وبعضها لم يعتمد على الحواسب الآلية، أو شبكة الإنترنت. وهو ما يجعل قدرته على الرقمنة شديدة الصعوبة.
ويخشى أصحاب القطاع غير الرسمي من تقلُّص قدرتهم على توفير البدائل المختلفة للمستهلكين بأسعار أقل؛ فمنتجاتهم موجهة للشريحة منخفضة الدخل. وفي عرف بعض أصحاب المشروعات غير الرسمية فإنّ شرعنة نشاطهم قد تؤدي لرفع الأسعار؛ ما يفقدهم شريحة جمهورهم المفضلة. لكن وزارة المالية تراهن على إغرائهم بالقدرة على الحصول على قروض من البنوك، وتوسعة النشاط. بخلاف الإعفاءات التي يتضمنها مشروع المشروعات المتوسطة الصغيرة ومتناهية الصغيرة.
تصريف المنتج
جعلت وزارة المالية الانضمام لمنظومة الفاتورة الإلكترونية شرطًا لتعامل الشركات مع الوزارات، والهيئات الاقتصادية وشركات القطاع العام وقطاع الأعمال العام، وكل دواوين ومصالح الدولة، وفقًا لقرار مجلس الوزراء، اعتبارًا من أول يوليو الحالي.
ومنعت الوزارة المتراخين عن الاستفادة من برامج دعم الصادرات. ولن يتمكن المصدرون من دعم الصادرات الذي تقدمه الدولة لهم، سوى بعد الانضمام لمنظومة الفاتورة الإلكترونية.
تظل الأسواق العشوائية الوسيلة التي يراهن عليها أصحاب المشروعات غير الرسمية في تصريف منتجاتها حتى بعد تطبيق الفاتورة الإلكترونية. خاصة بعد ارتفاع أعدادها بصورة ملحوظة خلال السنوات العشر الأخيرة، لتبلغ 1999 سوقاً عشوائية في 230 مدينة. وذلك وفقًا لتقرير التنمية البشرية المحلية لعام 2015، الصادر عن وزارتي التنمية المحلية والتخطيط.
لذلك ثمة رابطة واضحة بين امتلاك المحافظات حصة كبيرة من المؤسسات غير الرسمية وبين وجود الأسواق غير العشوائية لتصريف المنتجات. فمحافظة القاهرة تحتل المرتبة الأولى بين المحافظات في الأسواق العشوائية، بعدد 134 سوقاً، أكثر من نصفها أسواق غذائية. تليها الإسكندرية بنحو 83 سوقاً؛ منها 21 سوقا تجارية، و42 سوقا غذائيًا.
ويقول مسؤول بمصلحة الضرائب إن التحول الرقمي مسألة حتمية، وهدفه بمجال الضرائب ضبط عمليات التهرب الضريبي وضم الاقتصاد غير الرسمي. وكلاهما وجهان لعملة واحدة، ويسهمان في ضبط القطاع غير الرسمي، عبر معاملاته مع الشركات الأكبر حجمًا وإلغاء الشيكات الورقية تمامًا.
يضيف المسئول، لـ”مصر 360″ إن مشكلة القطاع غير الرسمي لم تكن رغبته في العمل بالظل. ولكن تخوفه من التقدير الجزافي والتعسف والاشتراطات المجحفة لتقنين وضعه. وهو ما تغير حاليًا حتى بات الانضمام سهلاً وبسيطًا، كما توجد شركات تساعده للانضمام لمنظومة الفاتورة. علاوة على الإعفاء الذي يقره قانون المشروعات الصغيرة.
مسار إجباري للاقتصاد غير الرسمي
وينص القانون على إعفاء مشروعات الاقتصاد غير الرسمي التي تتقدم بطلب لتوفيق أوضاعها من ضريبة الدمغة. بالإضافة إلى رسوم التوثيق والشهر العقاري لعقود تأسيس الشركات والمنشآت وعقود التسهيلات الائتمانية والرهن المرتبطة بأعمالها. بالإضافة إلى ضمانات عديدة تقدمها المشروعات للحصول على التمويل، وذلك لمدة خمس سنوات من تاريخ قيدها في السجل التجاري. كما تُعفى من الضريبة والرسوم المشار إليها عقود تسجيل الأراضي اللازمة لإقامة تلك المشروعات.
يقول نادي عزام، الخبير الاقتصادي، إن الاقتصاد الموازي فقد قدرته على المناولة، ولن يصبح أمامه سوى الانضمام للمنظومة الرسمية. فمع اكتمال الرقمنة لن يستطيع توفير المادة الخام من مورد كبير أو التوريد لتاجر وسيط. وحتى تصريف منتجه النهائي في سوق غير رسمية سينتهي عاجلاً أم أجلاً، مع ضبط منظومة الأسواق وحملات التفتيش عليها؛ للتأكد من صلاحية البضائع التي تتضمنها.
ويضيف أنه لا يجوز الفصل بين دور وزارة المالية في السياسة المالية والبنك المركزي في السياسة النقدية. باعتبار أن المسارين يقضيان بتنظيم استخدام وسائل الدفع غير النقدي، الذي سيجبر القطاع غير الرسمي على وسائل الدفع غير النقدية. ومن ثمّ تقليل مصاريف فتح الحسابات البنكية، بما لا يخل بالتزام البنوك بعدم الإفصاح عن سرية البيانات والحسابات المصرفية.