ظلت المرأة المطلقة لسنوات حبيسة أطر اجتماعية تجعلها مجبرة على اتباع محددات تفاديًا لـ”كلام الناس”، خاصة فيما يتعلق بالسكن. لكن السوشيال ميديا أظهرت مؤخراً نماذج نسائية لم يعقوهن الطلاق في استكمال حياتهن، رغم ما يوجهن من صعوبات. فهن يكافحن متمسكين بالحياة غير مستسلمات، لكونهن ضحايا ظروف صعبة، يعشن ويضحكن ويتألمن متمسكات بغدٍ أفضل.
ورغم ذلك لا يزال الحق في السكن عائقًا أمام قدرتهن على التمتع بأبسط مقومات الحياة. وهو مسكن غير محاطة بنظرات اجتماعية أو تمييز على أساس أنها امرأة “لا يصح أن تسكن وأولادها بدون رجل”.
فى مصر يحدث حالة طلاق واحدة كل 2 دقيقة و20 ثانية، وفى الساعة 27 حالة، أما اليوم 651 حالة. ما يعني أكثر من 7000 حالة طلاق فى الشهر، وفقاً للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عام 2020.
حصار نفسي ومادي
من هؤلاء النسوة، مي مصطفى، مسئول إداري في إحدى المدارس الخاصة 35 عاماً، مطلقة منذ ثلاثة أعوام. روت لـ”مصر 360″ تفاصيل ما بعد الطلاق وما عانته ولا تزال تقاوم من أجله.
تقول مي إنها واجهت أعباء حاول المجتمع إضفائها على حياتها كمطلقة، بأن تصبح شخصية مطيعة ومسالمة لكل ما يوجهها. حتى إن كان يلحق بها الضرر، “كان مجهد للغاية ولكني استطاعت أن أصبح شخصية أخرى أكثر جرأة. تفتح ذراعيها للحياة حتى في أحلك الأوقات عدوانية”.
وتتابع: “حدث ذلك بعدما انفصلت عن زوجي، وبعد تفاصيل كثيرة أصبح أبنائي يقضون معي ثلاثة أيام في الأسبوع. أصبحت أعمل أكثر من الأول، حتى لا يشعر أبنائي بأيّ اختلاف في مستوى المعيشة. كان إصراري الأكبر هو أن يعيشون نفس المستوى الاجتماعي الذي اعتادوا عليه”.
مي مصطفى: “كانت معركتي الأساسية بعد الانفصال هو إيجاد سكن ملائم. عندما بدأت البحث عن سكن للإيجار واجهتني جملة: (صاحب الشقة مش عايز مطلقة)”
مستدركة: “كانت معركتي الأساسية بعد الانفصال هو إيجاد سكن ملائم. عندما بدأت البحث عن سكن للإيجار واجهتني جملة: (صاحب الشقة مش عايز مطلقة). وسألني السمسار بمنتهي الجرأة مين الرجالة اللي هيجولك بالظبط؟. وبعد محاولات عدة قرر المستأجر أن يمنحني الشقة بعد قدوم أمي معي وتم كتابة العقد باسمها؛ لأنها سيدة متزوجة ولديها قسيمة زواج. وبالتالي لا مشكلة في ذلك”.
ترى مي أنها امرأة محظوظة لأن طليقها لا يثير المشاكل حولها. وبالتالي أصبح تهديدها بالطرد من السكن أمرا مستبعدا من قبل صاحب العقار. كما أن جيرانها “الرقيب المجتمعي الأول عليها هم أنفسهم يشهدون لها بألا توجد زيارات إلا من أبنائها”. وبالتالي أصبحت متعايشة مع فكرة الرقابة.
توضح مي: “ما وجهته بعد الطلاق جعلني أتعامل بشكل مختلف مع أولادي الثلاثة تتراوح أعمارهم بين الـ8 إلى 13 عاما. دائمًا ما أكون حريصة على مشاركتهم مشاكلي ومناقشتها معهم. تقول إن بداية التجربة كانت قاسية لكنها أصبحت بالتدريج تشعر بالحياة مرة أخرى، حتى إن كان هناك حصار نفسي ومادي عليها.
وتؤكد أن “هناك نظرة سلبية تلاحق المطلقة أينما ذهبت. وتداعيات التجربة مُرة للغاية، لكن انعكس ذلك على تربيتي لأبنائي وتعاملهم مع أختهم ومشاركتهم في النقاشات والمسئوليات، ربما قد أساهم في تغيير نظرتهم في المستقبل للنساء بشكل عام”.
تحايل لكتابة العقد
تقول ميادة صلاح، معلمة لغة عربية، 32عاماً، إنها تعيش بمفردها مع والدتها السيدة المطلقة منذ ما يزيد على 20 عاماً. وتابعت: “قررت الانتقال من مسكني أنا وأمي لأن المنطقة أصبحت غير ملائمة لنا أكثر زحامًا وخناقاً وتجربة أصابتنا بكوفيد-19، أكدت ضرورة التواجد في مكان أكثر تهوية وهو أقل حق لنا كبشر عاديين”.
ميادة صلاح: “لم أكن أتوقع أن يسأل المستأجر عن حالتنا الاجتماعية (متزوجة أم مطلقة). كانت الجملة المكررة دائماً لا تأجير إلا للعائلات أو على الأقل يكون معكم رجل”
وأردفت: “بدأت رحلتي مع السماسرة والبحث عن شقة في حي تابع لمحافظة الجيزة. ولكن لم أتوقع حجم الرفض الذي تلقيته، حتى أجد الشقة الملائمة لحدودنا المالية. وقبل أن أتنفس الصعداء ظهرت مشكلة لم أكن أتوقعها من الأساس”.
وتابعت ميادة: “لم أكن أتوقع أن يسأل المستأجر عن حالتنا الاجتماعية (متزوجة أم مطلقة). بمجرد أن علم أننا أسرة مكونة من أمرتين ولا يوجد معاً رجل انقلب الوضع تماماً. وأصبح هناك رفض في إنهاء الاتفاق بحجة أنه لابد أن يكون معنا رجل يشهد على العقد والرجوع له في أي مشكلة في المستقبل القريب.
كانت الجملة المكررة دائماً لا تأجير إلا للعائلات أو على الأقل يكون معكم رجل. وبعد حيرة في البحث، قررت أن أتحايل على الأمر بالاتفاق مع حارس العقار(هو نفسه السمسار)، أن يقدم أحد أصدقائي من الذكور نفسه كأخي متزوج ويعيش مع أسرته. وبالفعل تمت كتابة العقد لمجرد أنه كان معنا أثناء جلسة الاتفاق.
دعم المطلقات أمام تمييز المجتمع
في جروب “نادي المطلقات”، وهو تعبير مجازي عن النساء المطلقات تقول مؤسسته عبير الأنصاري: “إنه منذ قدومي من إنجلترا لم أواجه صعوبة في السكن؛ لأن الأماكن التي أبحث فيها دائمًا هي في مناطق مصنفة كسكن للطبقات الغنية مثل الرحاب ومدينتي. وبالتالي أجد السكن أنا وأبنائي بسهوله. لكن المشكلة تبدأ بعد السكن حيث يمارس الجميع من حولك دور الرقيب والمفترض أن أمنح كل جيراني تفاصيل يومي”.
وتضيف: “نحاول في النادي أن نخلق نوعا من التعاون فيما بيننا. فنحن نرى المطلقات مقاتلات يوجهن المجتمع بطموح عالٍ ونفس طويل لبناء مستقبل عائلي أو اجتماعي أو مهني. نحاول مساعدتهن في تحقيق ذلك من خلال الدعم المعنوي والجهود التعاونية المشتركة. فطبيعي أن تجد إحدى العضوات تساعد أخرى في استضافة الأبناء في مواعيد العمل، لتسهيل الأمر على البعض. أو من تجد فرصة عمل مناسبة تشاركها مع المجموعة ربما تستفيد أخرى”.
سمسار عقارات: أصحاب العمارات يفضلون عدم تسكين المطلقات أو الأرامل. والأسرة التي لا يوجد بها رجال، حتى لو أرملة، تكون عُرضة لـ”كلام الناس”
في حديث مع الشيخ ياسر، سمسار عقارات، عن أسباب امتناعه عن التأجير للمطلقات أو الأرامل. قالت: “إن أصحاب العمارات يفضلون عدم تسكين المطلقات أو الأرامل؛ لأنه يمكن استباحتها من رجال العمارة وتحدث مشكلات. غير أن أغلب المطلقات تستمر المشاكل مع طليقهن بعد الطلاق. وجربنا كثيراً أن يأتي الزوج ويفتعل خناقات مع زوجته ونحن في غنى عن ذلك”.
ويقول إن الأسرة التي لا يوجد بها رجال، حتى لو أرملة، تكون عُرضة لـ”كلام الناس”. وصاحب العقار يهمه سمعة المكان لكي تظل (عجلته دايرة)، خاصة في الإيجار الجديد. ولفت إلى أنه “إذا كانت السيدة كبيرة ولديها فتيات كبار دون ذكور يمكن التحايل على الأمر. من خلال كتابة العقد باسم الجد دون أن يعلم صاحب العقار كاستثناء، لأنه لن يأتي منها مشاكل”.
الصورة الذهنية للمجتمع
وعلقت منى عزت الباحثة في قضايا النوع الاجتماعي على معاناة النساء المطلقات في إيجاد السكن قائلة: “للأسف رغم أن الطلاق محلل شرعًا. إلا أن الصورة الذهنية للمجتمع أنه طالما مطلقة فبالتأكيد هناك أمر مريب. إما في طباعها أو سلوكها؛ لأن السمة العامة في المجتمع هو تحميل النساء أسباب الطلاق”.
منى عزت: 33% من الأسرة تعيلها نساء.. والأمر يحدث منذ سنوات طويلة، لكن الفرق حاليا أن هناك مساحة للنساء في الإعلان عما يواجهن”
وتابعت: “المجتمع يرى ضرورة وجود النساء في قالب أسرة بها رجل لكي يمكن الرجوع له كما يقال (رجل أعرف أكلمه). وكأن النساء قاصرات عن إدارة شئون حياتهن بشكل مستقل. وتتضاعف مع المطلقات رغم أنه وفقاً للإحصائيات الرسمية فإن 33% من الأسرة تعيلها نساء. وأكدت أن “الأمر يحدث منذ سنوات طويلة، لكن الفرق حاليا أن هناك مساحة للنساء في الإعلان عما يواجهن”.
واختتمت الباحثة في قضايا النوع الاجتماعي بالدعوة إلى “تدخل الجهات المعنية. سواء بتوفير سكن للمطلقات دون أن يحدث تنميط لهن، والتوعية والتثقيف منذ المراحل التعليمية عند الأطفال بالتعاون مع الإعلام”.
معايير اجتماعية لا قانونية
جواهر الطاهر، محامية ومديرة برنامج الوصول للعدالة بمؤسسة قضايا المرأة المصري، أرجعت السبب وراء أزمة السكن هذه إلى “البيئة المحيطة والمشاكل التي تلحق بالسيدات بعد الطلاق من قبل طليقها. لكن لا يمكن التعميم في الأمر لأنه يختلف من منطقة لأخرى. وفقاً للمعيار الاجتماعي”.
وتابعت: “في الأماكن الشعبية كل شخص يتدخل في حياة اللي قدامه. في النهاية هي نظرة مجتمع تحكمها ثقافة وأعراف دون قوانين. فليس هناك قانون يمنع سكن المرأة وفقاً لحالتها الاجتماعية”.