منذ سنوات اتجهت مصر لتحقيق مزيج الطاقة بعد مرحلة العجز في توليد الكهرباء والتأثير على القطاعات الصناعية والمنازل ومحطات الكهرباء. وهو ما دفع الدولة للتفكير في إنشاء محطة الضبعة النووية ضمن المزيج المستهدف. لكن خطة الحكومة ربما تشهد إنشاء محطات نووية مرتقبة في الساحل الشمالي عقب إنهاء محطة الضبعة. لتصل نسبة مساهمة المحطات النووية لنحو 7 : 8% من إجمالي مزيج الطاقة خلال السنوات القادمة.
ورغم وفرة مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة المتاحة محليًا وتراجع قيمة استثماراتها. إلا أن هيئة المحطات النووية أعلنت توجهها للمجال النووي من جديد وإقامة محطات متسقبلاً بالساحل الشمالي. فكيف تفكر الدولة في مستقبل الطاقة النووية بمصر؟ وهل سيؤثر اختيار موقع الساحل الشمالي لهذا المشروع على مستقبل المنطقة الأكثر جذبًا للسياح الفترة الماضية؟.
حلم الطاقة النووية
تعيش مصر منذ عام 1981 حلم بناء مفاعل نووي، واختارت له منطقة الضبعة، الواقعة بمحافظة مرسى مطروح. قبل أن تجمد الدولة المشروع في أعقاب كارثة تشرنوبيل النووية عام 1986.
بعدها بعشرين عاما عادت مصر لتعلن عام 2006 عن عزمها استئناف البرنامج. وكانت خطط طرح مناقصة لبناء المفاعل النووي في طور الإعداد عندما تخلى الرئيس الأسبق حسني مبارك عن منصبه. وذلك في فبراير 2011، إثر ثورة 25 يناير.
وفي فبراير 2015، قال الرئيس عبد الفتاح السيسي إنه وقع مذكرة تفاهم مع روسيا بخصوص المشروع. وأكد أهمية تنويع مصادر الطاقة والاتجاه نحو الاعتماد على مصدر جديد للطاقة، وهي الطاقة النووية.
في أكتوبر 2015، زار الرئيس التنفيذي لشركة روساتوم الروسية المتخصصة في الطاقة النووية -المملوكة للدولة- سيرجي كيربينكو، مصر لبحث مشروع إنشاء محطة الضبعة النووي. وقال نائب رئيس روساتوم للعمليات الخارجية، أنطون موسكفين، حينها، إن شركته وصلت إلى المراحل النهائية من التفاوض على عقد لبناء محطة كهرباء نووية في مصر. على أن يتم توقيع الاتفاق بنهاية العام.
وأضاف موسكفين أن بناء أول مفاعل نووي مصري في منطقة الضبعة قد يكتمل بحلول 2022. وأكد أن العقد سيشمل قرضا من روسيا لمصر. وفي نوفمبر 2015، قال متحدث باسم روساتوم إن الحكومتين المصرية والروسية وقعتا اتفاقا لبناء محطة للطاقة النووية في مصر.
4 مفاعلات بقروض روسية
عقب التوقيع، قال الرئيس السيسي إن المشروع سيتضمن بناء محطة من “الجيل الثالث”، تضم 4 مفاعلات. وذلك بقرض ستحصل عليه مصر من روسيا سيسدد على 35 عامًا.
فيما ذكرت وكالة أسوشيتد برس أن مصر ستتلقى 25 مليار دولارًا كقرض روسي. من أجل تغطية 85 % من نفقات المحطة، بسعة 4800 ميجاوات.
لكن السيسي أضاف حينها أن “الموازنة العامة للدولة لن تتحمل أبدا تكاليف إقامة هذه المحطة. بل بالعكس سيتم السداد من الإنتاج الفعلي للكهرباء التي سيجري توليدها من هذه المحطة”.
إذن بناء محطة الضبعة من الرقابة الإشعاعية
أوائل يوليو الجاري حصلت هيئة المحطات النووية على إذن بناء محطة الضبعة النووية من هيئة الرقابة النووية والإشعاعية. وتعد تلك خطوة محورية في اتجاه إنشاء المشروع النووي وبدء تنفيذه فعليًا بعد سنوات من الدراسات. يقول هشام حجازي رئيس قسم الوقود النووي بهيئة المحطات النووية لـ “مصر 360”.
هيئة المحطات النووية تسير مع شركة روس آتوم الروسية -المنفذة للمشروع- في اتجاه تنفيذ كامل الإجراءت اللاستباقية الواجب إنهاؤها قبل بناء المحطة النووية من “الجيل الثالث” التي تضم 4 مفاعلات. وحاليًا يتم تنفيذ الرصيف البحري الخاص بالمشروع لسرعة استقبال المعدات الثقيلة القادمة من روسيا إلى محطة الضبعة النووية.
المحطات النووية أحد أهم مصادر الطاقة التي تقلل من خفض نسبة الإنبعاثات الكربونية. والتي دفعت الدولة للاعتماد على مصادر جديدة ونظيفة لتوليد الطاقة محليًا. فرغم أن الدولة لديها اكتفاء ذاتي من الكهرباء والطاقة حاليًا إلا أنها تتوسع في إنشاء المحطات النووية لمضاعفة القدرات الإنتاجية.
هل يكون “الساحل الشمالي” الوجهة الثانية للطاقة النووية؟
الدكتور هشام حجازي، أكد لـ “مصر 360″، على هامش حلقة نقاشية تحت عنوان “دور الطاقة النووية في التنمية المستدامة”، نظمتها شركة روس آتوم الروسية، أن البرنامج النووي المصري لن يكتفي بتنفيذ محطة الضبعة النووية فقط. وهناك خطة للاعتماد على عدد آخر من المواقع مستقبلًا في الساحل الشمالي، والتي سيتم استغلالها لإقامة مشروعات نووية جديدة.
خطة الدولة تتجه نحو الاعتماد على الطاقة النووية ضمن مزيج الطاقة المستهدف تحقيقه اعتمادًا على مختلف مصادر التوليد. سواء الجديدة والمتجددة أو الغاز الطبيعي وكذلك المصادر النووية.
ولفت حجازي إلى أن هناك خطة تتبناها هيئة المحطات النووية بدعم من القيادة السياسية للمضي قدمًا في تنفيذ مشروعات نووية. وذلك من أجل تأمين احتياجات البلاد مستقبليًا من الطاقة النووية الخاصة بإنتاج وتوليد الطاقة الكهربائية. خاصة مع توسع الدولة في تطوير البنية التحتية على أعلى مستوى من الجودة والدقة واللازمة للتوسع في هذا المجال.
مصادر مسئولة بوزارة الكهرباء شددت لـ “مصر 360″، على أن التوسع في المجال النووي مدروس منذ فترة. لكن لم تُحسم أية خطوات فعلية حتى الآن فيما يتعلق بإقامة محطات جديدة بالساحل الشمالي. قد يكون ذلك مستقبلًا لكن ليس على المدى القريب.
معوقات التنفيذ وأزمة التمويل
البدء في تنفيذ مشروع نووي آخر في الساحل الشمالي على المدى القريب يعتبر أمرًا شبه مستحيلاً. خاصة على مستوى تدبير التمويلات وتوفير قيمة تنفيذ المشروع. فهذا المجال ليس سهلاً على الحكومات للتوسع في تنفيذ مشروعات عديدة به في ذات التوقيت. وهو الأمر يتطلب تكنولوجيا حديثة وسيولة مادية ضخمة للغاية. ومن الصعب توفيرها حاليًا لعدم الانتهاء من محطة الضبعة. هكذا يقول رمضان أبو العلا أستاذ هندسة الطاقة بجامعة فاروس لـ “مصر 360”.
الاقتراض من الخارج في الوقت الذي لم تنتهي فيه مصر من سداد قرض محطة الضبعة النووية سيثقل كاهل موازنة الدولة. إذ إن إنشاء مشروع مماثل لمحطة الضبعة ربما يحتاج نفس حجم الاستثمارات المنفذة بالضبة وربما يزيد.
ويوضح أبوالعلا أن اتفاقية القرض الحكومي الروسي بقيمة 25 مليار دولار، لتمويل الأعمال والخدمات الخاصة بمشروعة محطة الضبعة النووية، تعد كبيرة للغاية ما يجعله القرض الأكبر في تاريخ مصر التي أصبحت ملتزمة بسداده على مدار 22 عاما، بدءًا من أكتوبر 2029. ومن ثم، فإن الدخول في مشروعات كبيرة بهذا الحجم والحصول على قروض مماثلة أمر غير ملائم حاليًا.
وتأتي مساعي مصر للتوسع نوويًا في الوقت الذي تستعد فيه ألمانيا لإغلاق آخر مفاعلاتها النووية بحلول عام 2022. بعدما وافق الائتلاف الحاكم في ألمانيا على خطة لإغلاق كل محطات الطاقة النووية بها بحلول عام 2022. وبذلك ستصبح ألمانيا أول دولة صناعية عظمى تتخلى عن الطاقة النووية.
كيف ستتأثر سياحة الساحل؟
البعد السياحي سيتأثر بشكل مباشر بقرب مواقع الساحل الشمالي المسستهدف إقامة محطات نووية بها مستقبلًا. فمنطقة الساحل باتت أحد أبرز مواقع الجذب السياحي خلال السنوات الماضية. وباتت قبلة زوار كُثر من الداخل أو الخارج وبالتالي الحفاظ على طبيعة هذه المنطقة بات أمرًا ملحًا. وكان حتميا اختيار مواقع بعيدة على مناطق الجذب السياحي.
المهندس الاستشاري عبدالمنعم عطية يؤكد لـ”مصر 360″، أن المشروع سيؤدي إلى تدمير السياحة في المنطقة بالكامل. وسيؤثر على المشروعات المقامة بالفعل؛ لأن السائح الداخلي المصري لا يمتلك ثقافة التعايش والتجاور بجوار محطة نووية وسيهرب إلى أراض أخرى، يراها أكثر أمناً. خاصة أن الجيل الأكبر قليلًا لايزال يذكر فاجعة تشرنوبيل.
وأوضح أن عددا من المستثمرون كانوا يرغبون في الحصول على أراضي محطة الضبعة في بداية الألفية الحالية. بجانب أراضي الساحل لإقامة منتجعات سياحية بطول الساحل. لكن تفكير هيئة المحطات النووية ينصب حاليًا في اتجاه إقامة مشروعات نووية مستقبلًا بطول حزام الساحل الشمالي بعد اختياره ضمن أبرز المواقع المرشحة لإقامة محطات بها.
لماذا الضبعة والساحل؟
في سبعينيات القرن الماضي، تعاقدت هيئة المحطات النووية مع هيئة سوفراتوم، وهي أكبر هيئة فرنسية متخصصة في إجراء الدراسات اللازمة لاختيار وتقييم المواقع الصالحة لإنشاء محطات نووية. وقتها تمت أعمال المسح الحقلي لجميع سواحل الجمهورية “البحر الأحمر ـ خليج السويس ـ شمال الدلتا ـ الشمالي الغربي”.
وجرى التقييم لحوالي 11 موقعاً موزعة على هذه السواحل، لضمان توافر مياه التبريد الكافية لتشغيل المحطة. وانتهت باختيار 3 مناطق وهي الضبعة على الساحل الشمالي، والزعفرانة على خليج السويس، وسفاجا على البحر الأحمر.
الضبعة أفضل المواقع التي اختارتها شركة سوفراتوم الفرنسية، لإنشاء مفاعل نووي. وأثنى خبراء بالوكالة الدولية للطاقة الذرية على هذا الاختيار
وفقا للهيئة العامة للاستعلامات، التابعة للرئاسة المصرية، كانت الضبعة أفضل المواقع التي اختارتها شركة سوفراتوم الفرنسية، لإنشاء مفاعل نووي. وأثنى خبراء بالوكالة الدولية للطاقة الذرية على هذا الاختيار. وتبعد الضبعة نحو 60 كيلومتراً عن أقرب التجمعات السكانية، وبالتالي لن تشكل خطورة بيئية أو مجتمعية، بحسب الهيئة الحكومية.
حافظ السلماوي المدير التنفيذي لجهاز مرفق الكهرباء السابق، أكد لـ “مصر 360″، أن اختيار موقع الضبعة كان لقربه من المياه التي يمكن استخدامها لتبريد المحطات النووية. كما أنها أرض مستقرة وآمنة، بعيدة عن حزام الزلزال، مما يضمن عدم حدوث تسريب نووي.
مردود اقتصادي تراهن عليه الحكومة
مفاعل الضبعة بعد تشغيله واعتماد كثير من المجالات والصناعات على الطاقة النووية سيحدث نقلة في جودة الصناعة المصرية وإمكاناتها. ويزيد من قدرتها التنافسية في الأسواق العالمية؛ بسبب المعايير الصارمة للجودة التي تتطلبها صناعة المكونات النووية. والتي ستنتقل بالضرورة إلى صناعة المكونات غير النووية التي تنتجها نفس المصانع.
جريجوري سوسنين، نائب رئيس شركة “آتوم ستروي إكسبورت” ومدير مشروع محطة الضبعة النووية، قال خلال مشاركته في حلقة نقاشية حول دور الطاقة النووية في تحقيق التنمية المستدامة في مصر، إن مشروع الضبعة سيوفر حوالي 570 مليون دولار من عائدات الضرائب الإضافية لميزانية الدولة في مرحلة التشغيل. كما أن القيمة المضافة من محطة الضبعة النووية إلى الناتج المحلي الإجمالي لمصر ستبلغ حوالي 4 مليارات دولار أمريكي خلال فترة البناء.
ألكسندر فورونكوف: الدراسات الاقتصادية لمشروع إقامة محطة الضبعة النووية أثبتت جدوى اقتصادية هائلة للاقتصاد القومي المصري
وقال ألكسندر فورونكوف الرئيس التنفيذي لمؤسسة روس آتوم النووية الروسية الحكومية بمنطقة الشرق الأوسط، إن الدراسات الاقتصادية لمشروع إقامة محطة الضبعة النووية أثبتت جدوى اقتصادية هائلة للاقتصاد القومي المصري. وأن كل دولار يتم استثماره في إقامة المحطة سيجلب دولارا ونصف الدولار للمؤسسات الحكومية والعاملة في المحطة. كما أنه سيجلب دولارا ونصف الدولار ضرائب تعود للدولة. بينما تجلب 4 دولارات من إجمالي الناتج العام لاقامه المحطة.
كل هذه المزايا الاقتصادية للمحطات النوية دفعت الحكومة للتفكير بشكل متزايد نحو إقامة محطات جديدة تحقق مردود اقتصادي جيد. باعتبار أن تطوير الصناعة في مختلف الأصعدة لابد أن يعتمد على مصادر متجددة من الطاقة النظيفة والآمنة. وهي السياسة التي اعتمدتها الدولة من خلال برنامج طويل المدى لإنشاء المحطات النووية. تتصاعد فيه نسب التصنيع المحلي فى كل وحدة جديدة طبقًا لخطة واضحة وملتزم بها.
فموارد الطاقة من البترول والغاز الطبيعي؛ ناضبة وغير متجددة. بالإضافة إلى أن الاعتماد على الطاقة النووية سيعمل على تعظيم القيمة المضافة. كل ذلك سيسمح باستخدام البترول والغاز الطبيعي كمادة خام في الصناعات البتروكيماوية والأسمدة.