لم يكن اقتراب الصحفي الشاب محمد حسنين هيكل من قائد ثورة 23 يوليو جمال عبد الناصر وليد الصدفة، فالمدني الوحيد الذي تواجد في مقر هيئة أركان حرب الجيش ليلة 23 يوليو عام 1952، وشارك في إدارة المفاوضات بينها وبين حكومة نجيب الهلالي عبر الهاتف؛ لتنتهي بإعلان استقالتها، توطدت علاقته بقادة حركة الضباط الأحرار عبر لقاءات متعددة سبقت تلك الليلة، وهو ما أهله ليكون شاهد عيان على غياب شمس الملكية وميلاد الجمهورية.
اُتهم هيكل بأنه أقصى أساتذته وزملاءه لينفرد بمقعده إلى جوار السلطة الجديدة، لكن الحقيقة أن نظام يوليو هو الذي سعى إلى “الجورنالجي”، لأن لديه دائمًا ما يقوله أو ينقله من مواقع الأحداث.
خلال انعقاد مؤتمر “باندونج” في إندونسيا عام 1955، سأل حسين فهمي، نقيب الصحفيين الأسبق، صديقه القديم جمال عبد الناصر: “لماذا تخص هيكل وحده بالأخبار؟”، فأجابه ناصر بدهشة: “هذا غير صحيح، هو الذي يخصني بالأخبار، يتابع ما يجري في كواليس المؤتمر وينقل لي توجهات الوفود المشاركة وما ينوي كل وفد أن يطرحه ويقترح صيغاً تمكننا من تجاوز المطبات الدبلوماسية”.
بدا فهمي مقتنعاً بصواب رهان عبد الناصر على هيكل، وهو رهان يعزوه الكاتب الصحفي عبد الله السناوي في كتابه “أحاديث برقاش.. هيكل بلا حواجز” إلى جدية ودقة وانضباط هيكل وفهمه للتطور الذي حدث لشخصية وفكر عبد الناصر، وهو ما لم يفعله أصدقاؤه الأقدم من الصحفيين، مثل إحسان عبد القدوس وأحمد أبو الفتح وفكري أباظة.
إثر ما قدمه على صفحات مجلة “آخر ساعة” من تقارير وتحقيقات وتغطيات لحروب وثورات وانقلابات داخل القطر المصري وخارجه، تحول هيكل في أربعينيات القرن الماضي إلى نجم شباك، يطلبه الساسة والوزراء ليستمعون إليه ويستقصون منه ما يجري حولهم قبل أن يتخذوا قرارت مصيرية.
وينقل السناوي عن أستاذه هيكل قوله: “إن أحدًا في السلطة أو بقربها لن يسعى إليك ما لم يكن لديك ما تقوله، وأن يكون ما تقول قد عاينته بنفسك فى مواقع الأحداث”، لذا “فأبواب صناع القرار ومصادر الأخبار فُتحت أمامه دون أن يقف أمامها منتظرًا”، على ما ذكر السناوي.
تاريخ هيكل الذي صنعه بشغفه وانضباطه ودأبه وتعدد علاقاته ومصادره جعل رجال الحكم يسعون إلى تقريبه، للدرجة التي جعلته ولأول مرة “يشارك في تسمية بعض وزراء حكومة نجيب الهلالي باشا قبيل ثورة يوليو سنة 1952″، بحسب ما ذكر الكاتب الصحفي محمد حماد في كتابه “الرئيس والأستاذ”.
هيكل وناصر وحريق القاهرة
في صباح 26 يناير 1952، اندلعت النيران في قلب القاهرة لتأكل مئات المحال والمكاتب والفنادق، نزل هيكل من منزله بناء على نصيحة أحمد حسين زعيم حزب مصر الفتاة، “نزلت، فإذا الظروف تتيح لى متابعة حريق القاهرة من اللهب إلى الرماد، وإذا بين من ألقاهم وسط الدخان البكباشي جمال عبدالناصر الذي كنت قد التقيت به لأول مرة فى عراق المنشية أيام حرب فلسطين”.
ويضيف هيكل في كتابه “بين الصحافة والسياسة”: “كان عبد الناصر قد زارني فى مكتبى أكثر من مرة فى أيام تصادف وجودى فيها بالقاهرة.. مرة جاء يسألنى عن الانقلابات السورية وما الذى يجرى فيها، ومرة ليسألنى نسخة من كتاب صدر لى وقتها عن أزمة تأميم البترول فى إيران بعنوان إيران فوق بركان.. ويوم حريق القاهرة كان قد نزل مع غيره من الضباط إلى شوارع العاصمة المشتعلة بالنار بعد أن عجز البوليس عن السيطرة على الموقف، ومن ثم اقتضت الأمور نزول الجيش”.
ويتذكر هيكل الأيام التي سبقت ليلة 23 يوليو باعتبارها أياما لا تنسى: “يوم 18 يوليو كنت فى زيارة اللواء محمد نجيب ببيته، وفجأة دخل عبدالناصر ومعه عبدالحكيم عامر، فاجتمعا به وحدهما ثم خرجا وبقيت بعدهما بضع دقائق.. وعند خروجى وجدت الأثنين مرة أخرى وتواصل الحديث.. تحمست أثناء المناقشة وقلت لعبدالناصر ما معناه إن الجيش عاجز عن رد كرامته إزاء عدوان الملك عليه، ورد عبدالناصر بالتساؤل عما يمكن أن يفعله الجيش: أو ليست أي حركة من جانبه يمكن أن تؤدي إلى تدخل بريطاني يعيد فيه الملك فاروق تمثيل دور الخديوي توفيق ويعود فيه الجيش إلى مأساة عرابى؟ وتطوعت فقلت: إن الإنجليز لن يتدخلوا لأنهم لا يملكون وسائل التدخل. وأحسست أن عبارتى رنَّت جرساً فى رأس عبدالناصر لأنه التفت إلىَّ وسألني عن الأسباب التي تدعوني إلى القول بذلك.. كيف أستطيع أن أقطع على هذا النحو بأن الإنجليز لن يتدخلوا، ورحت أشرح وجهة نظرى”.
اللقاءات والحوارات السابقة مع ناصر ورفاقه، وطدت العلاقة بين هيكل وهؤلاء الضباط، ما جعله الصحفي الوحيد الذي توجه إلى منزل اللواء محمد نجيب ليلة الثورة ومنه إلى مقر رئاسة هيئة أركان حرب الجيش في حدود الساعة 3 فجرا
ويكمل هيكل حواره مع عبد الناصر عن إمكانية تدخل الإنجليز في حال أقدم الجيش على خطوة من شأنها تقويض حكم الملك ويقول: “إذا أراد الإنجليز التدخل ضد أي حدث يجرى فى القاهرة فليس أمامهم غير احتلال مصر كلها وهم لا يملكون القوات الكافية لذلك، فمعلوماتى أن كل ما لديهم فى منطقة القناة هو فرقة واحدة وهي على وجه القطع لن تستطيع احتلال مصر.. وبدأ عبدالناصر يسألنى بإلحاح فى تفاصيل ما قلت وشعرت أن اهتمامه به أكبر مما يحتمله حديث عابر بين صحفى وبين ضابط فى الجيش.. وأعتقد أنه كان قد حزم أمره ورتب خطته على ما ينوى عمله وراح يدير فى رأسه كل الاحتملات، وإذ بصحفى من وسط المصادفات يثير أمامه علناً كل ما كان يدور فى أعماق تفكيره”.
رؤية هيكل للأحداث دفعت عبد الناصر لدعوته إلى استكمال حديثهما، فاقترح هيكل أن يذهبا إلى مكتبه في “أخبار اليوم”، فرد عبد الناصر: “لا.. ليس فى أخبار اليوم.. لماذا لا نذهب إلى بيتك؟”، وذهبا إلى منزل هيكل وتحدثا طويلاً واتفقا على لقاء آخر.
اللقاءات والحوارات السابقة مع ناصر ورفاقه، وطدت العلاقة بين هيكل وهؤلاء الضباط، ما جعله كما ذكرنا الصحفي الوحيد الذي توجه إلى منزل اللواء محمد نجيب ليلة الثورة ومنه إلى مقر رئاسة هيئة أركان حرب الجيش في حدود الساعة 3 فجرا.
صحفي في مقر قيادة الجيش
يروي هيكل لحظات تلك الليلة فيقول: “بدأوا تحركهم فى منتصف الليل، وبعد ساعتين اثنتين كانوا قد حققوا ما أرادوه.. وبعد دقائق كنت فى وسطهم.. ورأيت بعينى تاريخ مصر يتغير فى فجر يوم صيف.. اتصلت بأخبار اليوم تليفونياً.. وسمعت صوت مصطفى أمين معى على الخط.. سألنى: “أين أنت؟”، قلت: لا يهم الآن.. فقال لى: هل تعرف أن ضباطاً فى الجيش تحركوا من ثكناتهم ونزلوا الشارع؟.. قلت: أعرف.. فسألنى: كيف؟ وقلت ببساطة: لأنى هنا فى مقر قيادتهم.. سألنى عن رقم التليفون الذى أتكلم منه حتى يستطيع أن يتصل بى مباشرة لأن الظرف بالغ الخطورة، ثم أضاف أنه سيذهب به أيضاً إلى نجيب الهلالى باشا الذى يهمه فى هذه اللحظة أن يسمع مني”.
اتصل رئيس الوزراء الهلالي باشا بهيكل، وطلب منه أن يكون قناة اتصال مع “الجماعة”، وسأله: ماذا يريدون؟.. ومن منهم يستطيع الرد والتفاوض، فطلب عبد الناصر من هيكل أن يبلغه أنه “إذا أراد أن يعرف ماذا نريد فإنه يستطيع سماعه فى بيان سيذاع بعد نصف ساعة من راديو القاهرة”.
قال الهلالى لهيكل: “طبقاً للمعلومات الموجودة هنا، فإن ما تطلبه الجماعة هو تغيير وتطهير قيادة الجيش، فهل تستطيع أن تنقل لهم أننى على استعداد للذهاب الآن إلى القصر واستصدار مرسوم من الملك بتعيين أى ضابط كبير يثقون فيه قائداً عاماً للجيش ثم يكون له هو بالتشاور معهم بالطبع أن يجرى ما يرونه من تبديلات.. إن التغيير على هذا النحو سوف يتم فى إطار دستورى يجنب البلد مخاطر الفرقعة التى ستحدثها بيان الراديو”.
رفض عبد الناصر عرض الهلالي، ونقل إليه عبر هيكل أن “الفرقعة مقصودة في ذاتها”، طلب الهلالي من هيكل أن يسأل “الجماعة” هل يطلبون أن تستقيل الوزارة؟.. “كان السؤال مفاجئاً لعبدالناصر، لكنه رد بسرعة: نعم… قل له إننا نريد استقالة الوزارة.. فتحت عينى على آخرها فى دهشة ثم وضعت كفى على بوق سماعة التليفون لأقول لعبد الناصر: لكنه رجل وطنى وأمين.. فقال عبدالناصر: ليس هذا هو المهم الآن… قل له أن يستقيل.. ومثقلاً بالأسف نقلت للرجل: نعم هم يريدون أن تستقيل الوزارة.. قال الهلالى باشا: طيب.. طيب”.
ذهب الهلالى بعد ذلك وقدم استقالته وقدم معها نصيحته ورجاؤه للملك بألا يسير فى الطريق الذى سلكه عمه توفيق من قبل فيقاوم حركة جيش مصر مستعيناً بجيش أجنبى.. “وعلى أية حال، فإن الملك وإن تظاهر بالقبول أضمر شيئاً آخر، فقد جرّب بالفعل أن يستنجد بالإنجليز، ولم تكن هناك قوات برية كافية فى قواعد منطقة قناة السويس، كما أن المسافة الواسعة من ميناء فاليتا فى مالطة إلى الإسكندرية لم تكن فيها غير مدمرة بريطانية واحدة.. وتوالت الحوادث خرج الملك من ميناء الإسكندرية عصر يوم 26 يوليو وانحدرت وراءه شمس النظام الملكى فى مصر إلى مغيب”.
محاولات كبح جماح السلطة
العلاقة بين هيكل وعبد الناصر ظلت ولا تزال مثارا للجدل، البعض وصفها علاقة “تابع بمتبوع”، والبعض الآخر روج ربما عن جهل أو عمد أن “عبد الناصر كان رجل هيكل”، على ما قال الرئيس الراحل حسني مبارك في لقاء مع هيكل عقب خروجه من المعتقل بعد اغتيال الرئيس أنور السادات.
“كنت أعتقد طوال الوقت من كلام أنور السادات أنك رجل جمال عبدالناصر، حتى أخبرني أنيس منصور أن عبدالناصر كان رجلك”، يقول مبارك في اللقاء المشار إليه، ليرد هيكل: “أرجو يا سيادة الرئيس، وأنت الآن تجلس على مقعد عبدالناصر، ألا تسمح لأحد في حضورك بأن يتحدث عنه بهذه الطريقة”.
أما هيكل نفسه فقد وصف علاقته مع عبد الناصر بأنها “صداقة وثيقة.. كانت من نوع متميز بين شخص يقود وشخص إلى جانبه يتكلم أو يفكر، وقد حرصت أن أبتعد عن المناصب والأوضاع الرسمية، وكنت دائما متمسكا بالصحافة والكتابة وأفضلها عن أى منصب رسمى، وقد ذكرت ذلك لعبد الناصر مرات عدة.. قلت له أفضل الاحتفاظ بصفة الصديق الذى يتحدث إليك باستمرار بدون وساوس أو إحراج”.
ويشير هيكل إلى أن علاقته مع عبد الناصر من قبل الثورة وحتى وفاته في 28 سبتمبر 1970 ظلت علاقة حوار مستمر: “أعتقد أن ثقته الكاملة بى هى التى شجعت على ذلك، وأحيانا كان يضيق بهذا الجدل، لكنه كان يسمع ويناقش باستمرار، وعندما كان يشعر بالضيق أحيانا، فلأن كلامى كان فى اعتقاده نوعا من الإحراج لأطراف أخرى، وعلى سبيل المثال كان يشعر بهذا الضيق وأنا أكتب عن البيروقراطية المصرية أو أناقش فيها، لأن كلامى فيه إحراج لوزراء يعملون معه، وعندما كنت أنتقد الاتحاد الاشتراكى لم يكن يتضايق إلا أنه كان يشعر بأن بعض معاونيه يمكن أن يضيقوا بهذا النقد، وكان يأخذ فى الاعتبار مشاعر الذين يعملون معه”.
حاول هيكل من خلال كتابته وحوارته ترشيد سلطة دولة يوليو وكبح جماحها، مستغلا موقعه المقرب من قائدها: “كتبت مثلا عن ضرورة اندماج المثقفين فى الثورة وفى النظام لينتهى دور (أهل الثقة)، وطالبت بأن يكون (أهل الخبرة) هم أهل الثقة.. وكتبت أنه لابد أن يقوم أهل الثقة وأهل الخبرة بتوسيع دائرة معارف عبدالناصر، وناديت بالمجتمع المفتوح وبالديمقراطية.. وكتبت ضد تجاوزات بعض أجهزة السلطة وفى مقدمتها المخابرات.. وكتبت فى موضوع الحراسات وضرورة أن يظل الهدف هو تصفية امتيازات الطبقة، وليس تصفية أفراد الطبقة.. كتبت عن عدوان البيروقراطية فى الجهاز الحكومى والبيروقراطية الجديدة فى القطاع العام.. وكتبت عن ضرورة أن يلعب التكنوقراط دورهم فى التطوير.. وكنت قلقا وأنا أكتب عن خشيتى من أن يطوى أهل البيروقراطية القديمة أهل البيروقراطية الجديدة بدلا من أن يطوى الجدد القدامى، وهذا ما حدث فعلا حيث ابتلع القدامى الجدد.. ومثل هذه الكتابات كانت تسبب لى بعض المشكلات لكن جمال عبدالناصر لم يضق بها”.
الفرعون والكاهن
الكاتب الصحفي صلاح عيسى وصف علاقة عبد الناصر وهيكل بـ”ثنائية الفرعون والكاهن”، وفي كتابه “شخصيات لها العجب” تحدث عن تكرار تلك الثنائية المصرية الشهيرة كثيرا على مدار تاريخنا؟: “هكذا كانت عبقرية المكان الذي نحتله على خريطة الدنيا أن يحكمنا دائما فرعون قد يأتي فيملؤها عدلا ونورا أو يأتي فيملؤها ظلما وجورا ، لكنه في كل الأحوال معبود بقوة القهر أو قوة الحب أو قوة النهر الذي فرض علينا دائما أن نخضع لقوة مركزية جبارة، تحفظ الاستقرار وتنظم تدفق المياه في ملايين من قنوات الري التي تخرج منه، حتى لا يجتاحنا الفيضان أو يقتلنا الجفاف، لذلك كان منطقيا ألا يستغني الفرعون عن كاهن يعطي الروح لقوة القهر وقوة الحب، ويبشر ويفسر ويزين ويدافع ويهاجم ويحشد المصلين في بهو المعبد”.
ويرى عيسى أن هيكل اقترب من عالم الكهانة بحكم عمله مع محمد التابعي، ثم مع علي ومصطفى أمين، لكنه ظل عضوا منتسبا في نادي الكهنة حتى انتصرت ثورة يوليو.
لم يكن عبد الناصر فرعونا تافها، وفقا لعيسى، لذا فاختار كاهنا مقتدرا وذكيا وموهوبا بالفطرة: “ورث كل علوم الكهانة من عصر مينا، فلم يبدد ما ورثه، بل أضاف إليه وطوره، وعصرنه.. ولا بد أن الذي ساعده على الإتقان إحساسه الصادق أن كهانته كانت – في الأغلب الأعم – تدافع عن قضايا معظمها حق وعدل”.
وينهى عيسى حديثه عن هذه الثنائية التي جمعت هيكل وعبد الناصر، ويقول: “كان كل الذين حول عبد الناصر يحسدون هيكل على مكانته لديه ويكرهونه لذلك، ويرفضون بدرجة من التعالي، فكرة أن يكون هذا الصحفي المدني، أكثر قربا لعبد الناصر منهم، وكان ما يرفضونه، هو أحد أسباب تمسك عبد الناصر بهيكل، إذ كان أقرب ما يكون لوجه مدني لثورة 23 يوليو، أمام الذين لا يستريحون -أو لا يثقون- في الانقلابات العسكرية.. ثم إنه كان نافذة أرحب على العقلية المدنية التي تفتقدها الأجهزة الحساسة المعاونة لعبد الناصر. وبهذه العقلية المدنية، وبقربه من عبد الناصر استطاع هيكل أن يوقف كثيرا من المهازل أو المظالم والكوارث، واستطاع -وهذا هو الأهم- أن يثبت أن المجتمع المدني المصري ما زال قادرا على أن يقود بحكمة، ويدير برشد”.
وصلنا إلى هنا
العلاقة بين الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل والرئيس الراحل جمال عبد الناصر قائد ثورة يوليو أكبر بكثير من أن يتم رصدها وتتبعها في هذه المساحة، واستدعائها في تلك المرحلة وبعد 69 عاما على اندلاع ثورة 23 يوليو له غرض.
دون الدخول في مقاربات ومقارنات بين ما جرى وكان وما يحدث الآن، يمكننا أن نقف أمام نتيجة أشار إليها هيكل قبل وفاته بشهور، “البلد مشى عليها وابور زلط بططها”، في إشارة إلي ما أصاب مصر من تجريف في العقود الأخيرة فأصبحت مخرجاتها السياسية والصحفية كما نراها الآن.
في جلسته الأخيرة من أصدقائه ومحبيه قبل وفاته بشهور، وجه هيكل رسالة إلى السلطة القائمة، “لا تستطيع أن تستعيد سلطة وشعبية جمال عبدالناصر بسياسات إسماعيل صدقى”، لكن يبدو أن رسالة هيكل الأخيرة لم تصل إلى صاحبها، تاهت في زحام رسائل أخرى صنعت في الغرف المغلقة لتناسب المرحلة الجديدة.