“الحزام والطريق أو طريق الحرير الصيني” حلم بكين الأكبر بعودة إمبراطورتيها السابقة حول العالم، عبر منطقة آسيا والمحيط الهادئ وأفريقيا ووسط وشرق أوروبا، مرورًا بمصر. وهو المشروع الأهم منذ خطة مارشال التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، من حيث عدد الدول المشاركة في المشروع، والموارد المخصصة للمبادرة.
تاريخيًا وحتى عام 1820، كان الاقتصاد الصيني هو الاقتصاد الأكبر في العالم. حتى انفجرت الثورة الصناعية في الغرب فقضت على ذلك التفوق، وانحسر الاقتصاد الصّيني. ووصل إلى أدنى مستوياته خلال الخمسينات وحتى سبعينيات القرن الماضي.
ولكن قبل هذا التاريخ كان للصين أهم طرق تجارية اقتصادية بالعالم. إذ يشيّد المشروع على طرق التجارة القديمة التي كانت تربط الصين بالغرب، وطرق ماركو بولو وابن بطوطة في الشمال. بالإضافة إلى طرق الرحلات الاستكشافية البحرية لسلالة مينج الأدميرال تشنغ هي في الجنوب. فضلاً عن توسعه في الشرق الأوسط، وإضافة طرق جديدة.
أطلق الرئيس شي جين بينغ مبادرة الحزام والطريق رسمياً في خطاب ألقاه بجامعة نزارباييف في أستانا (كازاخستان) في سبتمبر 2013. وسيتم الانتهاء منها بحلول عام 2049، والتي تتركز على الاستثمار في البنية التحتية، والتعليم ومواد البناء، والسكك الحديدية والطرق السريعة. بالإضافة إلى السيارات والعقارات، وشبكة الطاقة والحديد والصلب.
ووفقًا لبعض التقديرات، فإن الصين سوف تنفق حوالي 1.000 مليار دولار في السنوات العشر القادمة لتنفيذ المبادرة. بينما يبلغ إجمالي الموارد المالية المطلوبة حوالي 8000 مليار دولار على مدى فترة الاستثمار بأكملها.
مشروع طريق الحرير.. فرص وإمكانيات
مبادرة الحزام والطريق (BRI) هي جهد طموح لتعميق التعاون الإقليمي وتحسين الاتصال على نطاق قاري. في حين أن نطاق المبادرة لا يزال يتبلور، فإنّ مبادرة الحزام والطريق تتكون أساسًا من الحزام الاقتصادي لطريق الحرير. الذي يربط الصين بوسط وجنوب آسيا وما بعده إلى أوروبا، وطريق الحرير البحري الجديد، الذي يربط الصين بدول جنوب شرق آسيا. ودول الخليج وشمال إفريقيا وأوروبا. تم تحديد ستة ممرات اقتصادية أخرى لربط الدول الأخرى بالحزام والطريق.
بحسب البنك الدولي، فإنّ للمشروع فرصًا ومخاطر عدة يتمثل أولها في حجم ونطاق هائلين. إذ تمثل اقتصادات مبادرة الحزام والطريق ثلث الناتج المحلي الإجمالي العالمي والتجارة، وما يقرب من ثلثي سكان العالم.
وهي فرصة مهمة بالنسبة لبعض بلدان مبادرة الحزام والطريق، التي لا تزال نسبة السكان الذين يعيشون فيها تحت خط الفقر. (1.90 دولار في اليوم). بينما إذا نجحت مشاريع المبادرة، فإنها ستفيد عددًا كبيرًا من الفقراء وقطاعات شاسعة من اقتصادات العالم. مع تأثيرات غير مباشرة إيجابية كبيرة على الرفاهية العالمية.
ومن الفرص المهمة أيضًا الإمكانات الكبيرة غير المستغلة التي سيتم توظيفها في هذا المشروع. إذ ستتكامل اقتصادات مبادرة الحزام والطريق بشكل متزايد مع بقية العالم ومع بعضها البعض. وقد تضاعفت مساهمة بلدان مبادرة الحزام والطريق في الصادرات العالمية تقريبًا في العقدين الماضيين، لكن حفنة من اقتصادات مبادرة الحزام والطريق، وعلى الأخص الصين، هي المسؤولة عن نصيب الأسد من هذه الصادرات.
كذلك تحسين الاتصال الاقتصادي بين دول الطريق؛ إذ يستغرق شحن البضائع من الصين إلى أوروبا الوسطى حاليًا حوالي 30 يومًا. ويتم نقل معظم البضائع بحرًا، فيما يؤدي شحن البضائع بالقطار إلى تقليل وقت العبور إلى النصف، ولكنه أكثر كلفة.
بينما يمكن أن يؤدي تحسين قدرة وشبكة السكك الحديدية وغيرها من البنية التحتية للنقل إلى المزيد من التجارة عبر الحدود. وزيادة الاستثمار، وتحسين النمو في اقتصادات مبادرة الحزام والطريق.
مخاطر مشروع الحزام والطريق
وكما يخلق المشروع الكثير من الفرص، ينتج أيضا عددا من المخاطر، وعلى رأسها حواجز السياسة وحدودها الكثيفة. والتي من بينها: التأخيرات في عبور الحدود، والإجراءات الجمركية المرهقة، والقيود المفروضة على الاستثمار الأجنبي المباشر. ويلفت البنك الدولي إلى أن مؤشرات “ممارسة أنشطة الأعمال” في آسيا الوسطى، على سبيل المثال، قد يستغرق الامتثال لجميع إجراءات استيراد البضائع ما يصل إلى 50 يومًا.
كما تمتلك بعض بلدان المبادرة سياسات استثمار أجنبي أكثر تقييدًا وإرهاقًا من دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ذات الدخل المرتفع. وذلك من حيث بدء عمل تجاري أجنبي، والوصول إلى الأراضي الصناعية، والتحكيم في النزاعات التجارية.
كذلك المخاطر المرتبطة بمشاريع البنية التحتية الكبرى. فهناك مخاطر بيئية واجتماعية، وفساد محتملة مرتبطة بأي مشروع بنية تحتية كبير. إذ يمكن أن تشمل هذه، على سبيل المثال، فقدان التنوع البيولوجي، والتدهور البيئي.
أما بالنسبة لبعض البلدان، قد يؤدي التمويل المطلوب لمشاريع مبادرة الحزام والطريق لتوسيع نطاق الديون إلى مستويات لا يمكن تحملها.
على سبيل المثال، تقدر تكلفة إنشاء قسم جمهورية لاو الديمقراطية الشعبية لسكة حديد كونمينغ – سنغافورة بـ 6 مليارات دولار أمريكي – ما يقرب من 40% من إجمالي الناتج المحلي في لاوس عام 2016.
وعليه ستحتاج البلدان المشاركة في مشروعات المبادرة إلى الموازنة بين الحاجة لمشروعات التنمية ومواطن الضعف التي أوجدتها مستويات الديون المتزايدة. جدير بالذكر أن عدم تسديد تلك الديون يمنح الصين فرصة الاستيلاء على كامل تلك المشاريع.
مصر ومشروع الحزام والطريق
بناءً على البيانات والوثائق الرسمية للمسؤولين والوكالات الصينية، يهدف المشروع إلى تنفيذ ما يلي:
1. حزام اقتصادي بطريق الحرير الداخلي يربط غرب الصين بأوروبا عبر آسيا الوسطى وروسيا وشمال شرق أوروبا. وكذلك بالمحيط الهندي عبر باكستان.
2. طريق الحرير البحري لربط الساحل الجنوبي الشرقي للصين بالبحر الأبيض المتوسط عبر بحر الصين الجنوبي والمحيط الهندي وقناة السويس.
ومنذ إطلاق المشروع، أعربت العديد من الدول عن اهتمامها بالمشروع. من خلال الانضمام إلى البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، أو تخطيط وتطوير البنية التحتية للنقل بالتعاون مع الصين.
وقعت الصين بالفعل اتفاقيات تعاون مع 74 دولة، ومن المحتمل أن يمتد المشروع إلى مناطق أخرى من العالم. بما في ذلك بلدان في أوقيانوسيا وأمريكا الجنوبية أيضًا. كما تشارك 43 دولة أوروبية و19 دولة من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المبادرة أو أبدت اهتمامًا بالمشروع.
من بين هذه البلدان، هناك 22 دولة لها شواطئ على حوض البحر الأبيض المتوسط. 13 منها دول أوروبية و9 منها تقع في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
زيادة سفن الحاويات
في السياق نفسه، تعمل دول البحر المتوسط على الشاطئين الشمالي والجنوبي على الترويج لنفسها كبوابة ذات أولوية للبلدان والأقاليم الداخلية. وكان لزيادة حجم سفن ناقلات الحاويات الرئيسية تأثير كبير على الطرق البحرية العالمية. في الواقع، ليست كل موانئ البحر الأبيض المتوسط مجهزة لاستيعاب 19 ألفًا إلى 21 ألف حاوية مكافئة للسفن. وعدد قليل منها يمكن أن يقدم المستوى المطلوب من الكفاءة اللوجستية والاتصال.
علاوة على ذلك، من وجهة نظر السلطات الصينية، فإن وجود مناطق صناعية ومنشآت لوجستية ومناطق معفاة من الضرائب تخدم البنى التحتية للموانئ، يمكن أن تلعب دورًا مهمًا للغاية في تعزيز كفاءة الصناعة البحرية، وبالتالي يعتبرها المستثمرون عوامل إيجابية.
وتشارك جميع دول شمال إفريقيا بشكل مباشر في مبادرة الحزام والطريق. أما مصر فهي جزء من المشروع منذ إطلاقه عام 2013. والتي يمثل موقعها الجغرافي على الساحل الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط ميزة فيما يتعلق بالموانئ والخدمات اللوجستية، بما فيها قناة السويس.
ووفقا لموقع docks the future، فإن مصر هي أكبر دولة في شمال إفريقيا ويبلغ عدد سكانها حوالي 100 مليون نسمة. وهو رقم أعلى من بقية دول شمال إفريقيا مجتمعة. إذ تقع البلاد في موقع جغرافي يحسد عليه بين حوض البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر والشرق الأوسط. وقبل كل شيء، تسيطر على قناة السويس، وهي نقطة مرور استراتيجية بين المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط.
استثمارات صينية في مصر
كما أن مصر تعمل على جذب المستثمرين الأجانب لمشاريع البنية التحتية في البلاد. فتتعاون شركة China Harbour Engineering Company Ltd الصينية مع الشركات المصرية في بناء مناطق لوجستية وصناعية جديدة بطول قناة السويس.
وخلال زيارة الرئيس شي جينغ بينغ لمصر في يناير 2016، وقع البلدان 21 اتفاقية شراكة بقيمة إجمالية 15 مليار دولار. وتتعاون شركة “تشاينا ستيت كونستركشن إنجنيرنج كوربوريشن” الصينية لبناء العاصمة الإدارية الجديدة على بعد 45 كيلومترًا شرق القاهرة، وهو مشروع تبلغ قيمته 45 مليار دولار.
باختصار، في أعقاب توسعة قناة السويس، تخطط مصر لتولي دور المنصة الصناعية واللوجستية للاستثمارات الصينية في إطار الحزام والطريق.
ويظهر كتاب “الحزام والطريق ودول المتوسط”، للكاتبين “بلانشارد وجين مارك”، أنه رغم اهتمام الصين القوي بمصر، فإن نتائج مشاريعها هناك محدودة. وتشمل أسباب ذلك المشكلات الاقتصادية والسياسية التي تواجهها مصر، والتي تحد من قدرتها على تنفيذ مشروعات “MSRI”. بالإضافة إلى رغبة الصين والشركات المتعددة الجنسيات الصينية في تخصيص المزيد من الموارد إلى “MSRI”.
توسيع المنطقة الاقتصادية بقناة السويس
وفيما يخص الجانب المصري يتضمن المشروع، توسيع المنطقة الاقتصادية الخاصة بقناة السويس، والتي تتكون من أربعة أقسام وستة موانئ. بعد أن أصبحت الصين هي أكبر مستثمر في قناة السويس. وتقوم الشركات الصينية ببناء المصانع والمناطق الصناعية والمرافق اللوجستية وأحواض المحطات ومراكز تدريب القوى العاملة هناك.
ومع ذلك، فإن “استثمارات الصين بمصر، خاصة على طول قناة السويس، انطلقت إلى أعلى مستوياتها منذ الإعلان عن الحزام والطريق. وتمثل مصر تركيزًا رئيسيًا في الموانئ الصينية وتمويل التخزين والبناء والاستثمار.
وتشمل مشاريع MSRI الأخرى الجديرة بالملاحظة، صفقة سكك حديدية بقيمة 1.5 مليار دولار، ومشروع ضخم للطاقة الشمسية في جنوب مصر. علاوة على ذلك، قد تتوسع قائمة مشروعات MSRI لمصر لتشمل الطاقة النووية.
ويبرز الكتاب أيضًا أسباب اهتمام مصر بالخطة ودعمها، فمن الناحية الاقتصادية تحتاج مصر للمساعدات والتمويل الصيني، والقدرات التقنية. فضلاً عن الاستثمار من أجل التصنيع، وتحديث بنيتها التحتية، وتلبية احتياجاتها من الطاقة، وتوسيع علاقاتها التجارية.
كما أن جاذبية الصين الاقتصادية أكبر؛ نظرًا لأن علاقات مصر مع الشركاء التقليديين مثل الولايات المتحدة مضطربة سياسيًا. أما بالنسبة للحوافز السياسية الدولية، فإن الروابط القوية مع بكين تمنح القاهرة مسافة أكبر من الولايات المتحدة والجهات الفاعلة الأخرى. مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وتعطيها مكانة وتأثيرًا إقليميًا بشكل ملحوظ.
الولايات المتحدة عقبة أمام الطريق
تشعر الولايات المتحدة بتهديد مباشر من المشروع المزمع. واقترح الرئيس الأمربكي بايدن في مارس الماضي إطلاق الدول “الديموقراطية” مبادرة منافسة لمشروع “الحزام والطريق” الصيني للاستثمار في البنى التحتية.
وقال بايدن إنه تقدّم بالاقتراح خلال اتصال مع رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون. وصرّح للصحفيين أنه اقترح إطلاق “مبادرة مماثلة تصدر عن الدول الديموقراطية، لمساعدة فئات حول العالم تحتاج حقا إلى المساعدة”. وذلك في إشارة إلى مبادرة “الحزام والطريق” الصينية.
لا يتوقف الأمر على ذلك، فتحاول الولايات المتحدة زرع الأشواك في طريق الصين الحريري عبر مناطق نفوذها. إذ تكمن خطورته مبدئيًا من انتزاع سيطرة الولايات المتحدة على الأساطيل والقواعد الأمريكية الموجودة على الطريق.
وربما هذا هو ما يفسر اندلاع الخلافات القديمة وتجددها في مناطق مثل أذربيجان، وأرمينيا. وكذلك الاضطرابات في قرغيزستان ومن قبلها روسيا البيضاء وأوكرانيا وجورجيا وأفغانستان. فليس من المتوقع أن تسلم الولايات المتحدة بوجود منافس لها يشاركها حكم العالم بتلك السهولة.
ومن بعيد، ثمة رفض هندي للطريق الصيني الذي يرجع سببه إلى عداء الهند لباكستان. إذ يعتمد المشروع بصورة أساسية على “سيباك” أو مشروع الممر الاقتصادي الباكستاني الصيني. والذي يمر أيضًا بمناطق تسعى الهند للسيطرة عليها. لكن تنفيذ المشروع ودعم الصين لباكستان، بطبيعة الحال سيضع حدًا للأطماع الهندية. لذا قامت الهند بعمل تحالفاتها المشابهة للمشروع مع دول الاتحاد الأوروبي التي يشارك بعضها في الوقت نفسه في مشروع بكين.