لم تنته المعاناة التي عاشتها فرحة نصر، صاحبة القضية الشهيرة لإثبات نسب ابنتها، والتي رفض زوجها الاعتراف بابنته بعد زواج استمر لـ3 سنوات في صعيد مصر، حيث تزوجت وهي في الخامسة عشر من عمرها، وبعد خلافات انتهت القصة بالطلاق، ففي الوقت الذي وثقت فيه الزواج بيمناها، حصلت على وثيقة الطلاق باليد اليسرى، لتكتشف حملها ويرفض الأب نسب الطفلة لتبدأ معاناة فرحة معاناة جديدة بين أروقة المحاكم.
ما عاشته فرحة وغيرها من ضحايا الزواج المبكر غير الموثق (دون السن القانوني)، يجدد الحديث عن أسباب زيادة نسب الزيجات المبكرة سنويا. ويشير إلى إشكالية حقيقية متمثلة في طرق الحماية من تلك الظاهرة، ومدى تطبيق أحكام القانون على مرتكبيها.
عقوبات تزويج القاصرات
وحدد القانون المصري سن الزواج عند 18 عاما، ونصت المادة رقم 227 فقرة 1 من قانون العقوبات، على أن يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنتين أو بغرامة لا تزيد عن ثلاثمائة جنيه، كل من أبدى أمام السلطة المختصة بقصد إثبات بلوغ أحد الزوجين السن المحددة قانونًا لضبط عقد الزواج أقوالًا يعلم أنها غير صحيحة، أو حرر أو قدم لها أوراقًا كذلك، متى ضبط عقد الزواج على أساس هذه الأقوال أو الأوراق”.
كما نصت المادة 116 مكرر من قانون الطفل رقم 126 لسنة 2008، والذي يضاعف العقوبة إذا ما وقعت الجريمة على طفل، على أنه يزداد بمقدار المثل الحد الأدنى للعقوبة المقررة لأي جريمة إذا وقعت من بالغ على طفل، أو إذا ارتكبها أحد والديه أو من له الولاية أو الوصاية عليه أو المسئول عن ملاحظته وتربيته أو من له سلطة عليه، أو كان خادمًا عند من تقدم ذكرهم.
ويعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تجاوز خمسين ألف جنيه كل من استورد أو صدر أو أنتج أو أعد أو عرض أو طبع أو روج أو حاز أو بث أي أعمال إباحية يشارك فيها أطفال أو تتعلق بالاستغلال الجنسي للطفل، ويحكم بمصادرة الأدوات والآلات المستخدمة في ارتكاب الجريمة والأموال المتحصلة منها، وغلق الأماكن محل ارتكابها مدة لا تقل عن ستة أشهر، وذلك كله مع عدم الإخلال بحقوق الغير وحسن النية، وتأتي تلك النصوص بجانب الحملات المستمرة من الجمعيات والمؤسسات المهتمة بالشأن النسوي، وأيضا الحملات التي تتم بغطاء حكومي.
إشكالية تحرير المحاضر
الأزمة الحقيقية التي تحدث عنها حقوقيون ومحامون لـ”مصر 360″، تتلخص في عدم تحرير محاضر بتلك الوقائع، التي دونها لن تستطيع الشرطة التحرك وإيقاف الزيجة، كما هو الحال أيضا للمجلس القومي للطفولة والأمومة الذي لا يمكنه المساعدة في وقف تلك الظاهرة، دون إبلاغ الشرطة وتحرير محضر رسمي، وهو ما يفسر استمرار الظاهرة برغم القوانين والحملات التي تناهضه.
محمد العوامي، المحامي بالنقض والمهتم بقضايا المرأة والطفل، يؤكد أن الأزمة تنحصر في عدم تحرير البلاغات التي تتحرك الشرطة من خلالها لوقف تلك الجريمة، موضحا أن البلاغات ينبغي أن تكون من الأم أو من أقارب الدرجة الأولى للفتاة، وهو نفس الأمر المماثل لقضايا التحرش أو الاغتصاب، فلا يمكن للنيابة بدء التحقيقات او التحرك دون بلاغات تحرر من الضحية أو من أقاربها.
ويعتبر العوامي تلك الجريمة أحد أشكال الإساءة للمرأة، وخلالها يحرر الزواج بورقة وهمية، أو دون ورقة بعد الاتفاق مع المأذون الذي يعتبر مشاركا في تلك الجريمة وفقا لحديث العوامي، وأشار إلى أن خط نجدة الطفل لا يمكنه أيضا التحرك دون بلاغ في قسم الشرطة، فالخط يمكنه تلقي المكالمات، وبعد التحقق منها، يبلغ قسم الشرطة، ومن الممكن أن تأخذ هذه الإجراءات وقتا طويلا.
ويرى العوامي أن الحل الأسرع هو الإبلاغ المباشر للشرطة للتحرك السريع والتصدي للظاهرة.
ويقول العوامي إن القانون حدد العقوبات لتلك الجريمة مع تحديد سن الزواج، وفي المقابل يكون مواجهة الجريمة بتحرير البلاغات، والتي من خلالها يتم التحرك وإنهاء الزيجة ومعاقبة الجناة، وهو ما اتفقت معه، فاطمة الإدريسي، المحامية المتخصصة في قضايا الأسرة والمرأة، موضحة أن من يدفع الثمن خلال تلك الجريمة الفتاة التي يتم تزويجها دون أوراق رسمية، وعند محاولة الطلاق أو الانفصال لا يمكنها إثبات نسب أطفالها أو الطلاق من الأساس لأن زواجها لم يتم بشكل قانوني، متفقة أيضا مع العوامي في ضرورة إبلاغ الشرطة بالواقعة لإمكانية التحرك.
توصيات رئاسية ومقترحات برلمانية
الرئيس أوصى بسرعة إصدار تشريع قانوني خاص، ليتم بموجبه منع الزواج المبكر للأطفال، وينص على السن القانوني للزواج، لتظهر مقترحات داخل البرلمان برفع سن زواج الفتيات بشكل يقضي وبصورة نهائية على ظاهرة زواج القاصرات، ولم تكن تلك هي المرة الأولى التي يتطرق خلالها الرئيس للحديث عن تلك الأزمة، ففي 2017 وخلال احتفالية إعلان التعداد السكاني، تعجب الرئيس من زيادة عدد المتزوجات في سن الـ12، قائلًا “بنت عندها 12 عامًا.. نحملها مسؤولية زواج وبيت.. انتبهوا لأولادكم وبناتكم لأن ذلك يؤلمني ويؤلم أي إنسان عنده ضمير حقيقي، واهتمام حقيقي بأبنائه وبناته”.
الدكتورة إيناس عبدالحليم، عضو مجلس النواب، كانت قد أعلنت عن انتهائها من إعداد مشروع قانون تعديل بعض أحكام قانون العقوبات رقم القانون رقم 58 لسنة 1937 وتعديلاته بشأن تغليظ عقوبة زواج القاصرات، مشيرة إلى أن القانون حدد السن المناسب لتزويج الفتاة، وجرم الدستور زواج القاصرات أو الأطفال دون سن الثمانية عشرة سنة، بالإضافة إلى الفقرة الأولى من المادة 5 من القانون رقم 143 لسنة 1994 بشأن الأحوال المدنية والتي نصت على عدم جواز توثيق عقد زواج لمن لم يبلغ من الجنسين 18 سنة ميلادية، أي بمنع الزواج لمن هو دون الـ18 عاماً.
وتتابع “بالرغم من أن زواج القاصرات مخالف للدستور والقوانين والمعاهدات الدولية، فإنه لا توجد جريمة لمن قام بالزواج بقاصر أو تزويجها، وإذا قام الشخص بهذا الفعل فلن تتم محاكمته إلا إذا اقترن هذا الفعل بجريمة التزوير المنصوص عليها في قانون العقوبات المصري”.
وقالت عبد الحليم، إن التعديلات المقترحة تتضمن تغليظ العقوبة نحو القيام بذلك، بهدف الحد من زواج القاصرات والتصدي له، لما تخلفه القضية من تهديد للأمن القومي، حيث أقر مشروع القانون بأن يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات وبغرامة لا تقل على خمسمائة ألف جنية جنيه كل من أبدي سواء أكان المأذون أو الزوج أو الشهود أو الولي أمام السلطة المختصة بقصد إثبات بلوغ أحد الزوجين السن المحددة قانونا لضبط عقد الزواج.
خط نجدة الطفل
وتضيف الإدريسي أنه يمكن لغير الأقارب إبلاغ خط نجد الطفل من خلال الخط الساخن، الذي بدوره يمكنه التواصل مع المركز القومي للأمومة والطفولة، وتحرير محضر بقسم الشرطة، بعد التأكد من الواقعة، مثل ما مع حدث مع فتاة بإحدى قرى المنيا، تلقى الخط اتصالا قبل الموعد المحدد لزفافها، وتم فحص البلاغ والتأكد من صحته وعليه تم إحالته إلى الجمعية الشريكة بالمحافظة مع خط نجدة الطفل لاتخاذ الإجراءات اللازمة في البلاغ، لوقف حفل الزفاف الذي كان من المقرر إقامته.
صبري عثمان، مدير خط نجدة الطفل بالمجلس القومي للطفولة والأمومة، قال إن وزارة العدل تقدمت بمسودة لقانون يمنع زواج القاصرات في عام 2018، مشيرًا إلى ضرورة إصدار هذا القانون لعدم توافر ما يجرم الزواج المبكر للأطفال.
وقال إن مسودة قانون منع زواج القاصرات تتكون من 6 مواد، الأولى منها تقرر الحبس لمدة سنة لكل من زوج أو شارك في زواج طفل أو طفلة لم يصلا إلى عمر الـ18، بالإضافة لإلزام المادة الثانية للمأذون بأن يقدم للنيابة العامة أي إخطار للتصدق على عقود الزواج العرفي، مضيفًا أن المادة الثالثة أوجبت عقوبة بالحبس سنة لمن يحرر عقد زواج عرفي دون إخطار النيابة العامة.
وأشار إلى أن ما يتلقاه خط نجدة الطفل من بلاغات حول الزواج المبكر للأطفال لا يعبر عن الأعداد الحقيقية في المجتمع، خاصة وأن بعض الحالات تتم سرًا في المناطق الريفية.
صبري عثمان: مسودة قانون منع زواج القاصرات تتكون من 6 مواد، الأولى منها تقرر الحبس لمدة سنة لكل من زوج أو شارك في زواج طفل أو طفلة لم يصلا إلى عمر الـ18، بالإضافة لإلزام المادة الثانية للمأذون بأن يقدم للنيابة العامة أي إخطار للتصدق على عقود الزواج العرفي
القاهرة الأكثر تزويجا للقاصرات
الدكتور خالد مجاهد، المتحدث باسم وزارة الصحة، قال في تصريحات صحفية سابقة، إن أعلى نسبة للمتزوجات أقل من 20 سنة بمحافظة القاهرة 9.1%، وفى الجيزة 8.1%، وفى الشرقية 7.7% في حين كانت أقل المحافظات الحضرية هي محافظات السويس، وبورسعيد بنسبة 0.7%، ويرتفع متوسط عدد الأطفال في حالة الزواج قبل 18 سنة إلى حوالي 3.7 طفل، بينما يكون المتوسط 2.79 في حالة الزواج بعد عمر 22 سنة، ومعدل وفيات الأطفال بالنسبة للفتيات القاصرات 29 لكل ألف مولود.
دار الإفتاء أيضا أصدرت العديد من الفتاوى التي تؤكد على كثير من الحقوق الواجبة للمرأة، والفتاوى التي تواجه كافة أشكال العنف ضدها، فأصدرت الدار فتوى تحرم ختان الإناث باعتباره أحد أشكال العنف الجسدي والنفسي ضد المرأة، كما أفتت الدار بمنع زواج القاصرات، وغيرها من الفتاوى التي تحفظ للمرأة كرامتها ومكانتها، اتساقًا مع موقف الشريعة الإسلامية الغراء التي تكرِّم المرأة وتمنحها كافة حقوقها المشروعة.