“المثلية الجنسية رؤية أرثوذكسية“. كتاب جديد من نوعه ومضمونة صدر مؤخرا عن دار رسالتنا. الكتاب من تأليف الأب توماس هوبكو.وترجمة زوسر حنا.
والأب هوبكو سبق وعرف النشاط الجنسي الانساني بالاهتمام اللاهوتي الأبرز في هذا الجيل.
التوجه الجنسي
وفي كتاب المثلية يتحدث هوبكو عن موضوع التوجه الجنسي المثلي بصعوبته وحساسيته بشكل استثنائي دون انحياز. ويقدم توجها واضحا يلتزم الرقة نحو المثليين الذين يخدمونهم.
الكتاب يقع في 175صفحة من الحجم المتوسط. وفيه استخدَم الأبُّ هوبكو (same-sex attraction) بدلًا مِن (homosexuality). وتعني «ذوي الميول والتوجهات المثلية». ليعبر عن الطيف الواسع المقصود والمتضمن في المصطلح الإنجليزي. الميل كاستجابة شعورية والتوجه كملمحٍ سلوكي. يجمعا في إضافتهما لـ «المثلية» درجات اعتمال المشاعر والرغبات والدوافع الجِنْسية والقرار السلوكي.
المصطلح الإنجليزي يصف وصفًا عامًّا. كما أن الأب هوبكو أورد العديد مِن الأمثلة مِن الأدب الكنسي المسيحي. ولا تنظر إلى منهجه هذا كمَن أراد أن يقدم مشكلة معاصرة فرجع إلى عصر وبيئة ثقافية لم تعرفها. بل كمَن وعى حكمة المختبِرين، الذين داسوا معترك النَّفس البشرية ورأوها تشفى وتتأله. هذا يتعلق بمدى مناسبة الاقتباس
يبدا الأب هوبكو كتابه. بالمسيح في الفصل الأوَّل. مقدما مسيح الإيمان من هو للإنسان. رابطًا بين اللاهوتي والأنثروبولوجي. قائلا: فلا يمكن للإنسان أن يدرك ذاته أو كيانه أو أصله –وبالتبعية– هدفه أو مصيره إلَّا متى استُعلِنَ له المسيح. وأن يُستعلَن المسيح للإنسان هو أن يُدرك الإنسان أنَّه خُلِقَ فيه، وأن ولادة الله الابن مِن الله الآب قد حوت الخليقة أصلًا وهدفًا”.
التباين الجنسي
ثُمَّ يتناول في الفصل الثَّاني كيف أنَّ التَّبايُن الجِنْسانيَّ الإنسانيَّ بما فيه مِن إمكانيَّة الاتِّحاد هو أيقونة الخروج إلى الآخر والاتِّحاد به إلى واحدٍ. ويقول: الخروج والاتِّحاد هذان هما «المسيح»، الله يتَّحِد مع الإنسان المختلفِ عنه، المختلف عنه اختلافًا تكوَّن أصلًا ليحمل إمكانيَّة الاتِّحاد. والقول بهذا يعني أنَّ الله خرج واستعدَّ للاتِّحاد بالإنسان قبل إنشاء العالم، إذ قد رأى الإنسان في المسيح في أقنوم الابن، والباقي هو أن يخرج الإنسان ويتَّحد بالله في المسيح بالإيمان وبفعل الرُّوح القدس”..
وبعد أن عرض مَن هو المسيح ومَن هو الإنسان. يتناول الأبُّ هوبكو، في الفصل الثَّالث، مراحل تشكُّل مفهوم الكيان الإنسانيِّ في إطار ثلاثة أُسُسٍ: الخلق بلا فسادٍ، دخول الشّرِّ والخطيَّة إلى الإنسان، ومِنهما الموت والفساد، ثم الفداء والتَّقديس تكميلًا وتفعيلًا للخلق على غير فسادٍ.
وهنا يضيف معيارًا جديدًا يحكم بالخطأ على اعتبار المِثليَّة متغيِّر نوعيٍّ في البشر. إذ هي غير متضمَّنه في «الخلق على غير فسادٍ» وبذلك ليس لها مكانٌ –أو قُل كيان أو وجود– في تكميل الخلق في التَّقديس في المسيح. وهذا بدوره يفتح المجال للتَّغيير. بل يجب ردُّه إلى الأصل الذي يمكن له أن يكتمل إلى الغاية. فإذا لم تكن المِثليَّة طبيعيَّةً، أو غير أصليَّةٍ في الطَّبيعة، فيمكن إذن الحديث عن الشِّفاء. يمكنك أن تُشفى مِن مرضٍ، ولكنَّك لن تغيِّر طبيعتك! وهذا القياس على الخبرة ثلاثيَّة الأبعاد يحكم على العلم، لا في استنكارٍ فارغٍ أو ازدراءٍ، بل لأنَّ العلم يدرس الإنسان السَّاقط، الذي تشوَّش إدراكه لدرجة أن يحسب خطأً ما هو دخيلٌ على طبيعته كأصليٍّ، فيقبل ما يجب عليه أن يهرب مِنه.
عرض لمرض
وفي الفصل الرَّابع، يقدِّم الأبُ هوبكو المِثليَّة كعَرَضٍ لمرضٍ. عرضٍ للخطيَّة التي أفسدت وشوَّهت الكيان الإنسانيَّ والحياة الإنسانيَّة. وتجدر هنا الإشارة إلى استخدام الأبِّ هوبكو لـ«الكيان الإنسانيَّ والحياة الإنسانيَّة» باعتبار الأمر متصلل. لا كيان دون حياةٍ، فما يُرى في الحياة، أو ما تستعلِنه الحياة هو ترجمة الكيان .. الكيان يتكلَّم في الحياة. وفي الفصل الخامس، يضيف الأبُّ هوبكو ما يفنِّد به أيَّ ادِّعاءٍ بصلاح المِثليَّة، وهي نقطة بحثٍ يعود إليها الأبُّ هوبكو مرَّةً بعد أُخرى.
وفي الفصل السَّابع، يُفرِدُ الأبُّ هوبكو لـ «الخطيَّة» ويطيل الحديث ويُجمل الاستنتاجات. ولكنَّه يميِّز، وبشكلٍ يثير استياءه، الإدانة أو التَّشهير أو الرَّغبة في إنزال العقاب بالخاطئ.. هذا، أيَّها القارئ، هو عين الكتاب؛ دِن الخطيَّة، وانقِذ الخاطئ. وإن كنت أنت خاطئًا، فلا تدِن أحدًا على ظروفه، وإن كان مِن شيءٍ، فلتكن أنت سببًا لخلاص هذا الآخر، وأنت بهذا عينه، تخلِّص نفسك..
الإرادة والمشيئة الإلهية
ثمَّ يجمع الأبُّ هوبكو في الفصلين الثَّامن «الإرادة» والتَّاسع «المشيئة الإلهيَّة» قضيَّتين، عادةً ما تؤخذان منفصلتين وتقدَّمان بلا ربطٍ، وهو يربطهما. ويقول: إرادة الإنسان تعني حريَّته، وحريَّة الإنسان ليست مُطلقةً.
ويتناول الكتاب موقف مَن وجد نفسه في بيئةٍ شوَّهت إنسانيَّته وانتجت فيه ميلًا أو توجها مثليا، أو كانت مورثاته بها عطب أثر في هرموناته الجنسية، ويقول: هذه بدورها في تركيب المخ. ومِن ثم السلوك؟ هل هذا يقع ضِمن وصف الله بـ «ضابط الكلِّ»؟ هل الله «ضبط» هذا؟.
والأبُّ هوبكو يجيب أنَّ الله لا يعتدي على قرار الإنسان بالشَّرِّ، ولكنَّه كمحبٍّ للبشر، لا يمكنه أن يصمت وإن لم يعتدِ على قرار الإنسان. لا يصمت، نعم، يُفَعِّل الله في الإنسان وعيًا وتمييزًا لحقيقة كيانه الإنسانيِّ، فيرفض هذا الإنسان ما أثَّرت عليه به بيئته أو جسده المجلوب في طبيعةٍ إنسانيَّةٍ ساقطةٍ، إلى أن يحقِّق تألُّهِه في الله في المسيح. وبقولٍ آخرٍ، الله يُخرجِ مِن «الآكلِ أُكُلًا» الله يحوِّل تبعات خطيَّة الإنسان التي أفسدت جسده إلى صليب خلاصٍ، يجاهد عليه الإنسان بالنِّعمة وينتصر إلى إنسانيَّته الكاملة في المسيح يسوع.
الخطية والموت والمرض
ومرَّة أُخرى، يرصد الأبُ هوبكو الخطية والموت والمرض واللَّغط المثار حول ربط مشكلة مرض نقص المناعة المكتسبة بالممارسات المِثليَّة.
ويصل الأبُّ هوبكو في الفصول الخمسة الأخيرة في الكتاب. إلى الجَّانب الرعائي لذوي الميول والتَّوجُّهات المِثليَّة. ففي الفصل الثَّاني والعشرين، يقدِّم ما يعنيه الدِّين في الأرثوذكسيَّة. وكيف تلتئم جماعة الجَّسد «الكنيسة» في احتضان المتألِّم. ثمَّ، يُكمِل الحديث، في الفصل الثَّالث والعشرين، عن مجتمع الكنيسة، الجَّماعة المتألِّمة، المجاهدة المنتصرة، التي تُدرك أنَّها تحارب بسلامها، وأنَّ ضيقها في العالم هو جهاد انتصارها على العالم. ثمَّ في الفصل الخامس والعشرين والسَّادس والعشرين، يُفرد الأبُّ هوبكو لدور الكاهن والمشير في رعاية ذوي الميول المِثليَّة. ويحذِّر الرُّعاة ألَّا يحرموا أحدًا مِن شركة الكنيسة ولا الأسرار إلَّا الذي يعلِّم تعليمًا ضدَّ الإيمان ومِن شأنه أن يُفسد الصِّغار مِن شعب الكنيسة؛ لا يُحرم إلَّا مَن يقدِّم تعليمًا غريبًا.