“الاتجار بالبشر” ظاهرة عالمية تأتي في المرتبة الثالثة بين الأنشطة الأكثر ربحية حول العالم بعد تجارة السلاح والمخدرات، ويقع ضحيته ملايين الأشخاص سنوياً سواء داخل الدول أو عبر الحدود، وتصنفه الاتفاقيات الدولية بأنه “جريمة ضد الإنسانية“.
وتقدر الأمم المتحدة عدد ضحاياه بنحو 40 مليون شخص سنوياً بما يعادل شخص واحد بين كل 185 انسان حول العالم، وتقدر أرباحه السنوية ما بين 150 لـ 228 مليار دولار سنوياً.
وفي الوقت الذي يجني فيه تجار البشر المليارات تتكلف الدول والحكومات مبالغ طائلة لمواجهة هذا النوع من الأعمال الإجرامية، حيث أكدت الخارجية الأميركية في تقريرها الصادر عن عام 2020، أن الحكومة المصرية خصصت نحو 20 مليون جنيه إسترليني “439 مليون جنيه مصري” في موازنة العام المالي 2020/ 2021 لحملات التوعية بجريمة “الاتجار بالبشر”، بالإضافة إلي 3.6 مليون جنيه إسترليني “79 مليون جنيه مصري” لرواتب الموظفين المسؤولين في أجهزة المكافحة، وهو ما يعد زيادة كبيرة مقارنة بالمخصصات في ميزانية العام السابق والتي بلغت فقط 2.6 مليون جنيه إسترليني “22 مليون جنيه مصري”.
شبكات منظمة
ويوضح حاتم علي، الممثل الإقليمي لمكتب الأمم المتحدة المعني بالجريمة والمخدرات لمنطقة الخليج العربي، أن 65% من جرائم الاتجار بالبشر ترتكبها شبكات الجريمة المنظمة الدولية، والتي تحقق أرباحا طائلة من التجارة بالبشر، مستخدمة التكنولوجيا الحديثة والإنترنت ووسائل التواصل، وتبيع تلك الشبكات البشر للعمل بالسخرة والعمل المنزلي القسري، والاستغلال الجنسي وتجارة الأعضاء البشرية.
ويضيف حاتم علي أن النسبة الباقية وهي 35% من جرائم الاتجار بالبشر ترتكبها جماعات محلية في بعض البلدان، وتتمثل أغلب أنشطتها في العمالة المنزلية القسرية وزواج القاصرات، وهي أنواع الاتجار بالبشر الأكثر انتشاراً في الدول العربية والهند وآسيا.
وبحسب تقرير صادر عن منظمة العمل الدولية ومؤسسة “Walk Free Foundation” عام 2016، خضع 25 مليون شخص حول العالم للعمل القسري والاستغلال الجنسي، بينهم 51% من النساء، و21% من الرجال، و20% فتيات قاصرات، و8% من الذكور القصر، تم استغلال نسبة 45% من الضحايا جنسياً بينما خضع 38% منهم للعمل القسري.
الاستغلال الجنسي الأكثر انتشارا
وأكد التقرير السنوي الأخير لمنظمة الأمم المتحدة حول الاتجار بالبشر للعام 2020، أن ثلث عدد الضحايا من الأطفال، يأتون من “الشوارع والمهاجرين واللاجئين”، كما يتعرض 60% من الضحايا للاستغلال الجنسي، وتم إجبار نحو ثلث الضحايا على العمل القسري الإجباري واستئصال الأعضاء.
ولا يستثني التقرير أي دولة من ممارسة “الاتجار بالبشر، بل تتصدر الولايات المتحدة الأمريكية قائمة الدول في “الاستغلال الجنسي”، بينما تشمل قائمة الدول التي تشملها الانتهاكات أوروبا وجنوب شرق آسيا.
يذكر أن أكثر أشكال الاتجار بالبشر في المنطقة العربية والشرق الأوسط هو “العمل القسري بنسبة 55%، ثم الاستغلال الجنسي بنسبة 36%، ثم التسول وسرقة الأعضاء بنسبة 9%، وفق آخر تقرير صادر عن الأمم المتحدة خاص بالمخدرات واستغلال البشر صادر في العام 2018.
“زواج القاصرات” في الصدارة
كشفت بيانات المجلس القومي للمرأة أن أكثر جرائم الاتجار بالبشر المنتشرة في مصر هي “زواج القاصرات، حيث تقع سنويا نحو 111 ألف طفلة بين سن 13 و17 سنة ضحية له.
وصنفت مصر بين دول “المستوي الثاني” وفق تقرير وزارة الخارجية الأمريكية السنوي للاتجار بالبشر الصادر في يوليو 2021، ضمن قائمة الدول التي تبذل جهودا كبيرة لتلبية المعايير الدولية في مكافحة تلك الجريمة، فيما لا تفي تشريعاتها والنظام القانوني بها بالمعايير الدنيا لحماية ضحايا “الاتجار بالبشر”.
وأشاد التقرير بجهود الحكومة المصرية في مكافحة الظاهرة، ومنها زيادة معدلات الملاحقة القانونية للمجرمين المشاركين في ارتكابها، وتجهيز ملجأ مخصص لضحايا الاتجار بالبشر من النساء والأطفال، ورفع مستوى الوعي وتدريب المسؤولين على كيفية اكتشاف وملاحقة المتورطين في أنشطة تقع ضمن جرائم الاتجار بالبشر.
غياب الإطار التشريعي
ورغم إحالة عدد من المتهمين إلى القضاء بتهم مثل استغلال الأطفال والنساء او تجارة الأعضاء، ينتقد التقرير ضعف الخدمات المقدمة للضحايا من الأجانب والذكور على الأخص، وعدم وجود إطار تشريعي لتحديد الضحايا بشكل دقيق مما يتسبب في عقاب الضحايا أحيانا على جرائم أجبروا على ارتكابها مثل البغاء وانتهاك قانون الهجرة.
وذكر تقرير الخارجية الأمريكية لعام 2020، أن مصر حددت 519 ضحية محتملة لجريمة الاتجار بالبشر، بينهم 362 من المصريين وثلاثة من الأجانب، بينهم 242 من الأطفال، و123 من البالغين، قدمت لهم جميعا المساعدات اللازمة بدون تحديد لنوع المساعدات المقدمة لحماية والحفاظ على سرية الضحايا.
وانضمت مصر إلى “اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية” عام 2003 بقرار رئيس الجمهورية رقم 294 لسنة 2003، كما انضمت للبروتوكول الإضافي المكمل للاتفاقية والخاص “بمكافحة تهريب المهاجرين عن طريق البر والبحر والجو” بقرار رئيس الجمهورية رقم 297 لسنة 2004.
46% من الضحايا سيدات
كشف “التقرير العالمي حول الاتجار بالبشر 2020” الصادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بمكافحة الجريمة والمخدرات في فبراير الماضي، أن 46% من ضحايا الاتجار بالبشر هم من النساء بينما بلغت نسبة الفتيات القاصرات 19% ويشكل الرجال نسبة 20% والأطفال الذكور نسبة 15% من الضحايا.
ويوضح التقرير أن الاستغلال الجنسي يشكل نسبة 50% من الانتهاكات، بينما يأتي العمل القسري في المرتبة الثانية بنسبة 38%، حيث تستغل نسبة 72% من الفتيات القاصرات الضحايا جنسيا، بينما يقه نسبة 66% من الأطفال الذكور ضحية للعمل القسري.
ووقف التقرير على حقيقة مفزعة وهي أن العصابات المتورطة في جريمة الاتجار بالبشر تحقق عائدات بمليارات الدولارات من خلال التعامل مع الضحايا كسلعة لا كرامة لها، حيث تباع الضحية بمبلغ يتراوح بين 10 دولارات إلى 10 آلاف دولار.
وتتعدد الوسائل المستخدمة في جرائم الاتجار بالبشر، غير أن التقرير كشف عن زيادة معدل استخدام الانترنت في الجريمة بنسبة تجاوزت 50%، عبر الاستقطاب ووسائل الخداع باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي، مثل توفير فرص العمل غير الحقيقية، وتيسير الحصول على وثائق مزورة من أجل فرص العمل، والرسائل المشبوهة التي توزع عبر البريد الإلكتروني والهواتف ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة.
الدول الأكثر مكافحة للاتجار بالبشر
يصنف تقرير الخارجية الامريكية السنوي لمكافحة الاتجار بالبشر لعام 2020، الدول إلى مستويات في الاتجار بالبشر وتوضع في المستوى الأول تلك التي تفي بالحد الأدنى من الالتزامات الدولية في هذا الشأن وتتخذ الإجراءات اللازمة لمكافحتها، وتضم: “ألبانيا وجمهورية وسط أفريقيا والجابون واليابان، وطاجاكستان والمكسيك وقطر وإسبانيا”.
بينما تأتي مصر ضمن دول “المستوي الثاني” وهي التي لا تفي حكوماتها بالحد الأدنى من المعايير لكنها تتخذ إجراءات وجهود لمكافحتها والتي تضم دول: ” قبرص، وإسرائيل، ونيوزيلندا، والنرويج، والبرتغال، وسويسرا”.
تأتي مصر ضمن دول “المستوي الثاني” وهي التي لا تفي حكوماتها بالحد الأدنى من المعايير الدولية لمكافحة الاتجار بالبشر لكنها تتخذ إجراءات وجهود لمواجهتها
ويضم المستوى الثالث الدول التي لا تفي حكوماتها بالحد الأدنى المطلوب ولا تتخذ جهود لمكافحة جرائم الاتجار بالبشر، وتضم: “أفغانستان، والجزائر، وبورما، والصين، وجزر القمر، وكوبا، وإريتريا، وغينيا بيساو، وإيران، وكوريا الشمالية، وماليزيا، ونيكارغوا، وروسيا، وجنوب السودان، وسوريا، وتركمانستان وفنزويلا”، ويسمح القانون الأمريكي بفرض قيود على المساعدات للدول في المستوى الثالث تصل إلى إمكانية فرض عقوبات عليها.
يذكر أن “بروتوكول منع ومعاقبة الاتجار بالبشر” الصادر عام 2000 والمكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الحدود، وضع لأول مرة تعريف دقيق للجريمة وهو “تجنيد أشخاص أو نقلهم أو إيواؤهم أو استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة أو استغلال حالة استضعاف، أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال. ويشمل الاستغلال، كحدّ أدنى، استغلال دعارة الغير أو سائر أشكال الاستغلال الجنسي، أو السخرة أو الخدمة قسرًا، أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق، أو الاستعباد أو نزع الأعضاء”.