“صاحبي” و”صاحبتي” كلمتان لا تجدان مكانهما الملائم عندنا كمصريين للأسف، خاصة عندما يقولها رجل ليصف بها امرأة أو العكس، فهي تعني عشيقًا أو عشيقة، فقد استقر في وجداننا بعد سنوات الجدب الوهابي– سطوة التيار الإسلامي- أنَّ علاقة الرجل بالمرأة لا تكون إلا في إطار الأسرة (الزواج أو القرابة)، كما أنهم بنوا أسوارًا من الخوف والريبة والشك بين النساء والرجال لعزل النساء عن المجتمع وشيطنتهنّ، وأنا كواحد من الجيل الذى تربي على هذه الأفكار في مراحل الطفولة والمراهقة والجامعة لم أكوِّن أيَّ صداقات مع البنات حتى تخرجي من الجامعة، وبداية عملي فى المحاماة، فقد كانت البداية فى مكتب محاماة يعمل به أربعة محاميات كلهنّ أقدم مني، وهنّ مَنْ علّموني المهنة، ليصبحنّ زميلاتي وصديقاتي المقربات، وليبدأ عهد جديد في حياتي مليئ بالستات الجدعة.
معارك قاسية لا يتم حسمها بالضربة القاضية، لكنَّها جولات وجولات تستمر لعقود من الزمن ولولا صلابة صديقاتي وحكمتهن ونفسهنَّ الطويل ما كنّا حققنا فيها أيَّ انتصار.
ربما أكون محظوظًا بأصدقائي بشكل عام، لكني أكثر حظًا بصديقاتي السيدات، ففي مجال عملي في المحاماة وحقوق الإنسان تعرفتُ على “أجدع” ستات في مصر، من مرسى مطروح وسيناء حتى أسوان والوادي الجديد، خضنا معًا معارك كثيرة، ضهرنا في ضهر بعض، كلها كانت معارك عادلة لم تكن لنا فيها مصلحة شخصية، بقدر ما كنا نخوض تلك المعارك من أجل قيم ومبادئ الحرية والعدالة والمساواة، مناهضة الختان وتزويج القاصرات، التحرش، تولى المرأة المناصب القيادية.
معارك قاسية لا يتم حسمها بالضربة القاضية، لكنَّها جولات وجولات تستمر لعقود من الزمن ولولا صلابة صديقاتي وحكمتهن ونفسهنَّ الطويل ما كنّا حققنا فيها أيَّ انتصار.
“عزة سليمان” الناشطة الحقوقية والنسوية واحدة من صديقاتي التي أعتز بصداقتها وفخور بها،؛ لأنها صديقة غير قابلة للكسر، بالرغم أنَّها ممنوعة من السفر ومتجمد حساباتها في البنوك، ويتم التضييق عليها فى مجال عملها منذ سنوات طويلة، لكن عزة هي الصديقة الأقرب دائمًا والأسرع في تقديم الدعم بكل صوره لكل اللي حواليها، مكالمة تليفون من عزة كافية لمنحي طاقةً لمواجهة الحياة بعد لحظات الاستسلام والشعور باليأس، عزة السند والضهر مش بس للستات، لكن كمان لأصدقائها وزملائها الرجالة كمان، شيخة العرب وصاحبة الواجب.
مواقف عزة في حياة أصدقائها أكثر مما يمكن أن أسرده في مقال، لكن كفاية إني أذكر لها موقفًا واحدًا وهو موقفها فى قضية الشهيدة شيماء الصباغ، ففي يناير 2015، خلال جلوس عزة بأحد المطاعم لتناول الغداء، شهدت اعتداء رجال شرطة يرتدون أقنعة على مسيرة سلمية بمناسبة الذكرى الرابعة لجمعة الغضب التي كانت الشرارة الأولي لثورة 25 يناير 2011، ومقتل المتظاهرة شيماء الصباغ (31 عامًا) برصاص الشرطة، عقب تلك الواقعة، اتجهت عزة سليمان بمحض إرادتها إلى مكتب النائب العام للإدلاء بشهادتها حول مقتل شيماء الصباغ خلال تفريق قوات الأمن للمظاهرة.
وقد أكدت مسؤولية الشرطة وتقدمت ببلاغ ضد وزير الداخلية وقوات الأمن، وفي نهاية شهادتها، استجوبها النائب العام بدورها وواجهها ببلاغ ضدها هي وأربعة شهود آخرين يتهمهم فيه بـ”التجمع غير القانوني” و”الاشتراك في مظاهرة تخل بالأمن العام”، وذلك رغم عدم مشاركتها في المظاهرة.
جدعنه “عزة سليمان” عدوى تُصيب كل من يقترب منها، وهذا يمكن لأيّ شخص أن يفهمه بمجرد زيارة لمؤسسة قضايا المرأة المصرية، ذلك الكيان الذى ترأس عزة مجلس أمنائه
جدعنه “عزة سليمان” عدوى تُصيب كل من يقترب منها، وهذا يمكن لأيّ شخص أن يفهمه بمجرد زيارة لمؤسسة قضايا المرأة المصرية، ذلك الكيان الذى ترأس عزة مجلس أمنائه، كل العاملين هناك أصدقاء تجمعهم روح الجدعنة والتكاتف والألفة، وده سر قدرة المؤسسة على الصمود في ظل كل الصعوبات اللي بتقابلهم، تجدهم قادرين على تقديم الدعم بكل صوره ومنها النفسي والقانوني لكل ضحايا العنف الأسري ولكل الستات اللي بتلجأ لهم، وده اللي حول المكان لقبلة لكل الستات اللى محتاجة سند وضهر وحد يدافع عنها ويحميها.