يتزامن التنبيه بأوجاع ضحايا الاتجار بالبشر مع مرور عام على علاج الطفلة “سميرة” التي تعرضت للتعذيب والحرق والاستغلال المادي، بعد حضورها إلى محافظة الجيزة قادمة من أحد مراكز الوجه البحري، للعمل في أحد المنازل بدلا من استكمال تعليمها.
إصابات وصلت إلى الحرق من الدرجات الثلاثة بنسبة 90% وجرح قطعي بالأذن وكدمات وجروح متفرقة بأنحاء الجسم، مازالت محفورة بجسد وذاكرة سميرة، نتيجة عمل الطفلة البالغة من العمر 9 سنوات على يد أصحاب المنزل. دفعت سميرة الثمن دون أن تقبض نظيره، فمن يحصل على راتبها هي والدتها التي تحصل على مبلغ ألفي جنيه.
تعد سميرة واحدة من ثلاث ضحايا من الأطفال فريسة لجريمة الاتجار بالبشر، اللاتي وجب الاستماع إلى الناجين منهم.
وبحسب صبري عثمان، مدير عام خط نجدة الطفل، يتلقى الخط يوميا بلاغات بشكل دوري يفيد بالمعاملة السيئة لأحد الأطفال بمختلف المحافظات.
ويوضح مدير خط نجدة الطفل أن المعاملة القاسية للطفل تعد من أشكال الاتجار بالبشر بجانب الاستغلال المادي ويتم التعامل في تلك الحالة بقانون 64 لسنة 2010 وقانون الطفل، نظرا لتعريض طفل للخطر.
وتكشف أرقام الأمم المتحدة أن نسبة الأطفال تضاعفت بين ضحايا الاتجار المكتشفين ثلاث مرات، بينما زادت نسبة الأولاد خمس مرات على مدى السنوات الـ 15 الماضية.
بمقر مؤسسة الشهاب للتطوير والتنمية الشاملة تتقابل أميرة سالم مديرة مشروع، بالعاملات في المنازل عن قرب، وتشير إلى أن أغلب العاملات في المنازل يقعن فريسة للأجر المتدني بنسبة تصل إلى 70%، وكذلك العمل ساعات متواصلة بدون وقت للراحة، والاستقطاع من المرتب، والأعمال المزدوجة بالإضافة إلى الاستغلال الجنسي والاتهامات الكيدية.
تلك الأشكال من المعاملة القاسية تدرجها القوانين والمعاهدات ضمن تعريفات جريمة الاتجار بالبشر، والأطفال تحديدا يسهل وقوعهم في هذا الفخ، دون دراية كاملة منهم، ليتم اكتشاف ذلك عقب تعرض الطفل إلى الخطر.
في هذا الإطار، تعقد المؤسسة حلقات توعية حول حقوق ووضع العاملات تحت مظلة قانون التأمينات الاجتماعية، وضرورة إثبات علاقة العمل من خلال توقيع عقد لضمان حقوق المتبادلة للطرفين.
مخالفة القوانين
زينب خير، المحامية ورئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، تقول إن تشغيل الأطفال تحت سن الـ 14 سنة يخالف في أصله قوانين الأطفال وقانون العمل في حال عمل الطفل فوق سن الـ 15 عاما.
قانون العمل حدد قواعد للتشغيل بأن يكون عدد ساعات العمل أقل واشتراط جاهزية المكان حيث الالتزام بالصحة والسلامة المهنية وأن يكون مسجلا في مكتب العمل، وهو ما لا ينطبق على عمالة مهنة عاملات المنازل.
تحت عنوان “القضاء على عمل الأطفال في الأعمال المنزلية”، ذكرت منظمة العمل الدولية، وفق إحصائيات عام 2013، أن نحو 6 ملايين من هؤلاء العمال الأطفال دون السن القانونية، تتراوح أعمارهم بين الخامسة والرابعة عشر عاما، وأكثر من 71% هم من الفتيات، ويعمل بعضهم قسرا.
رفع حد مستوى الفقر
تأتي الأسر بأطفالهم من القرى الفقيرة والتي يكاد أغلبها يقع تحت خط الفقر للمحاولة في رفع مستوى المعيشة من خلال الحصول على أموال من خلال عمل أطفالهم في المنازل، وهو ما أكدته دراسة أعدها مركز دراسات اللاجئين والهجرة بالجامعة الأمريكية عام 2011، ذكرت خلالها أن عاملات المنازل اللاتي تقل أعمارهن عن 16 عاما أكثر عرضة للمخاطر، مرجعه أن الفقر السبب الرئيسي وراء عمل الفتيات في الخدمة المنزلية.
وأوضحت الدراسة أن الأسر الأكثر فقرا والتي لديها مصادر “شحيحة” هي الأكثر إرسالا لبناتها للعمل في المنازل، مقارنة بالأسر التي لديها دخل ثابت.
متوسط خط الفقر المادي للفرد في مصر 736 جنيها (47 دولار) شهريا يوازي 8827 جنيها (557 دولاراً) سنوياـ وفقاً لأحدث بحث للدخل والإنفاق والاستهلاك الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء العام الماضي. تقول هبة الليثي، أستاذ الإحصاء بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة.
ظروف العمل
ولظروف العمل أوجه سرية، توضح خير أن هؤلاء الأطفال بعضهم يقيم بالمنازل التي يعمل بها وتلك الإقامة لا علم لنا بظروفها. وتضيف أن بعض الدول تراعي التعرف على ظروف المكان الذي سيقيم به العامل مع حفظ حقوقه، ونظرا لعدم وجود تلك القواعد لن نتعرف على أي ظروف يمر بها الطفل في تلك المهنة.
ففي تقرير لمنظمة العمل الدولية أوضحت فيه أن الأطفال يعملون في منزل صاحب العمل أو منزل شخص آخر، ويؤدون العديد من المهام مثل التنظيف والكي والطبخ والعمل في الحدائق وجلب المياه والعناية بأطفال آخرين ورعاية المسنين.
وتقول المنظمة إن هؤلاء الأطفال يتعرضون إلى عنف جسدي ونفسي وجنسي وظروف عمل سيئة، ويعيشون غالباً في عزلة عن أسرهم وعن أعين الناس، ويعتمدون بشكل كبير على أرباب عملهم. وينتهي المطاف بأن يستغل الكثير منهم في تجارة الجنس.
عبودية كاملة
حالات عمالة الأطفال في المنازل عديدة ونظرا لعدم وجود قانون يجرم تلك المهنة التي تعتبر شاقة على الأطفال، وتتم في الخفاء، لم يتمكن المختصون من رصد عمالة الأطفال في المنازل، ولكن البعض منها يكتشف بعد وقوع حادثة بشعة، كما وقع مع “طفلة الساحل” البالغة من العمر 10 سنوات بعد تعذيبها والتي تبين أن الطفلة تعمل خادمة لدى أسرة قامت بتعذيبها.
التعامل مع الأطفال من خلال مكاتب “سماسرة العاملات في المنازل” والتقاضي عنهم من صاحب المنزل وأهل الطفل أجرا، بجانب تقاضي الأهل أجر تلك الطفلة هو ما يعتبر عبودية كاملة وهو ما يتساوى مع مصطلح الاتجار في البشر، تؤكد خير.
أشكال معاصرة.. الاستعباد المنزلي
تبين البحوث التي تجريها منظمة العمل الدولية أن العمل القسري يمثل مشكلة عالمية، ولا يوجد أي بلد محصن ضدها. وقد تكون الأزمنة والحقائق تغيرت ولكن الجوهر الأساسي للرق ظل قائما.
يعد العمل في مجالات الاستعباد المنزلي –كما تصفها منظمة العمل الدولية- من أحد الأشكال المعاصرة للعمل القسري، إلى جانب أعمال وصناعة البناء، وصناعة الأغذية والملابس، والقطاع الزراعي، والدعارة القسرية. ومثل العمال المهاجرين الذي جرى الاتجار بهم بغرض الاستغلال الاقتصادي بجميع أنواعه في الاقتصادي العالمي.
وتأتي تلك الأعمال بجانب الأشكال التقليدية من العمل القسري مثل السخرة والعمل سدادا للدين.
من جانبها، أشارت رئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، إلى أنه في حالات الأسر الفقيرة ضرورة أن يتوفر مبدأ القصد الجنائي لتصنيف ذلك الفعل تحت جريمة “الاتجار بالبشر” لمدى تداخلها، موضحة أن الاتجار هي جريمة منظمة وفقاً لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية.
المتجر به طفل.. جريمة حتى بدون استخدام القوة
بصورة عامة، وفقا لبيانات وفرتها منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، يعمل طفل واحد من كل ستة أطفال. ويمكن تصنيف الغالب الأعم من عمل الأطفال بوصفه استغلال اقتصادي. وهذا الاستغلال الاقتصادي يخالف مخالفة صريحة اتفاقية حقوق الطفل، التي تعترف المادة 32 منها “بحق الطفل في حمايته من الاستغلال الاقتصادي ومن أداء أي عمل يرجح أن يكون خطيراً أو أن يمثل إعاقة لتعليم الطفل، أو أن يكون ضاراً بصحة الطفل أو بنموه البدني، أو العقلي، أو الروحي، أو المعنوي، أو الاجتماعي”.
ووفقا لبروتوكول منع وقمع الاتجار بالأشخاص وبخاصة النساء والأطفال وقمعه والمعاقبة عليه، يعني الاتجار بالأشخاص تجنيد الأشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو إيواؤهم أو استقبالهم عن طريق التهديد باستعمال القوة أو استخدامها أو غير ذلك من أشكال الإكراه الغرض منها الاستغلال.
ويشمل الاستغلال بغاء الغير أو غير ذلك من أشكال الاستغلال الجنسي أو العمل أو الخدمات القسرية أو الرق أو الممارسات الشبيهة بالرق أو الاسترقاق أو استئصال الأعضاء. وموافقة الشخص المتجر به لأغراض الاستغلال غير ذات صلة، وإذا كان الشخص المتجر به طفلاً، فإنه جريمة حتى بدون استخدام القوة.
الحد من عمل الأطفال
قوانين واتفاقيات عديدة وقعت عليها مصر منها اتفاقية منظمة العمل الدولية من أهم مبادئها القضاء الشامل على عمل الأطفال، واتفاقية القضاء على أسوأ أشكال عمل الأطفال والحد الأدنى لعمل الأطفال، ولكن تلك القوانين غير مفعلة، بحسب المحامي أحمد أبو المجد.
ويضيف أن الدولة لديها خطة للقضاء على عمل الأطفال ولكنها لا تعتبر ذلك العمل جريمة رغم محاولتها لمنعه، رغم مخالفته لأهم حق من حقوق الأطفال وهو حصوله على التعليم الأساسي ونموه بشكل سليم.