تحب هند سمير كرة القدم منذ الصغر، كانت تحاول لعبها مع أقرانها، لكنها كانت تواجه رفضا من الجميع، سواء على مستوى المجتمع الكبير أو المحيط القريب منها. خٌيل لها أن هذا التمييز الذي يمارس ضدها بحسب وصفها سينتهي عند الكبر، وستتمكن من إيجاد مساحة لممارسة هوايتها المفضلة في النوادي، لكنها فشلت في الالتحاق بناد يدرب الأعضاء السيدات على كرة القدم، باعتبارها من الرياضات المخصصة للرجال فقط.
“وأنا في ابتدائي كنت بحب ألعب كورة. وكنت بلاقي وقتها تعليقات من أهلي وأهالي صحابي إن أنا مسترجلة، ودي لعبة للرجالة بس. وأول جكلة اتقالت لي من بنت قدي لما طلبت منها نلعب سوا كانت ليه هو إنت ولد” تقول هند صاحبة الـ32 عاما.
نظرات الاستغراب والسخرية التي كانت تنال من هند كلما سألت عن ممارسة كرة القدم في الأندية دفعتها إلى التوقف عند متابعة مباريات الكرة دون ممارستها: “قابلت كلام من نوعية دي لعبة رجالة، وفي اللي كان بيتجاوز الكلام بالنظر على جسمي وكأنها فرصة يشوف جسم الست اللي هتجري قدامه، ويتحول الحديث لكلام تاني بعيد عن السؤال عن الرياضة من الأساس”.
الرياضة وملابس النساء
الربط بين الرياضة وملابس المرأة. جاء في البيان الصادر عن الاتحاد النرويجي لكرة اليد (NHF). بعد تغريم فريق السيدات الوطني لكرة اليد الشاطئية بما يعادل 1,764 دولارا أمريكيا. ورفضت اللاعبات ارتداء سراويل (البكيني) القصيرة أثناء التنافس في البطولات الأوروبية. وقررن ارتداء شورت أطول لتمكنهن من الحركة. تساءل كثيرون لماذا بإمكان لاعبي كرة اليد الشاطئية الذكور ارتداء قمصان رياضية طويلة وفضفاضة مع سراويل تغطي جزءا كبيرا من عضلات الفخذ، في حين لا تستطيع النساء ارتداء زيا مشابها.
ظهرت المشكلة عام 2016. عندما انتشرت صورة من أولمبياد ريو. تظهر لاعبتي كرة طائرة على الشاطئ، إحداهما مصرية محجبة والثانية ألمانيّة. وتسببت الصورة بكثير من الكلام والتعليقات ليس بسبب مهاراتهما الرياضية. ولكن بسبب “أزيائهما المتناقضة” كما بدت،.وارتدت لاعبات الجمباز الألمانيات بدلات مغطية لكامل الجسم في التصفيات المؤهلة في الألعاب الأولمبية، مصرّات على موقفهن الرافض لإضفاء طابع جنسي على رياضتهن.
المصريّة دعاء الغباشي التي ظهرت في الصورة أول لاعبة كرة طائرة شاطئية أولمبية ترتدي الحجاب. قالت حينها إنها ارتدت الحجاب منذ 10 سنوات، ولم يتسبب الحجاب في بعدها عن الأشياء التي تحبها.
ويتكرر الأمر مع رانيا حجاب. التي تبلغ من العمر 37 عاما، أحبت هذه الفتاة كرة السلة، والتحقت في أحد النوادي في القاهرة الجديدة للتدريب. لتفاجأ بنظرات غريبة من المحيطين، مع أسئلة “أزاي بتلعبي وانت محجبة، وإزاي ممكن تجري وانت محجبة كده”، وفقا لما روته لـ”مصر 360”.
تؤكد رانيا أن التمييز ضد المرأة في كافة المجالات، وفي مجال الرياضة التي تخرج حملات وإعلانات دوما بأهمية ممارسة السيدات لها، ولكن تلك الممارسة عندما تتحقق على أرض الواقع، تجد المرأة نظرات مختلفة، ينظر المحيطون بها وخاصة الرجال لجسدها، ولا يمكنها الالتحاق بكافة الرياضات.
تابعت: “من صغري ولأن طولي مساعدني كنت بتدرب تنس، وأنا طفلة مكنش في مشكلة أوي، المشكلة بدأت لما كبرت واتخرجت واتحجبت، وبدأت أدور على نوادي في مناطق كتير مكانتش بتتيح تدريب للفتيات في كرة السلة، ولقيت في النهاية نادي في التجمع، بس واجهت فيه تنمر ونظرات مختلفة من المحيطين بسبب إني محجبة، وإنه مش من حقي ألعب رياضة”.
رفض أسري
الرفض ليس من المجتمع فقط. كما قالت هند، فمنذ صغرها وترفض أسرتها تعلقها بكرة القدم. برغم تشجيع أشقائها عند مشاهدتها، ونهرها عند متابعتها أو البحث عن أماكن للتدريب عليها “ماما كانت وما زالت بترفض حبي لكرة القدم وشايفة إن دي حاجة خاصة بالولاد بس، ووصلت بينا الخلافات إنها كانت بتمنعني أتفرج على التليفزيون، وتتخانق معايا، ولما يجي لي عريس يتقدم تأكد عليا مجبش سيرة كرة القدم ليه، وكأنها حاجة ممكن تقلل مني”.
هذا لا يعني أن مصر خالية من بيوت تتفهم ممارسة بناتها للعبة كرة القدم. فبحسب المعلن. يصل عدد ممارسات كرة القدم في مصر نحو 200 ألف فتاة من خلال أكاديميات ودوريات هواة، وكان أول ظهور رسمي لمنتخب مصر النسائي لكرة القدم عام 1999. ومنذ هذا التاريخ بدأت الأندية في افتتاح الأكاديميات النسائية لممارسة كرة القدم، آخرهم النادي الأهلي الذي أعلن قبل أيام قليلة عن تدشين أكاديمية نسائية تحمل اسمه.
ما تعرضت له هند من رفض لأسري، واجهته رانيا أيضا. رفضت أسرتها في البداية والمحيطون بها استمرارها في تدريبات السلة التي بدأتها منذ الصغر. ولم يظهر هذا الرفض في الصغر باعتبارها طفلة وسينتهي الأمر عندما تكبر. ولكن مع تمسكها بالرياضة التي أحبتها، رفضت أسرتها الاستمرار بها. لكنها تمسكت بهوايتها كمال قالت “أصريت أكما في حاجة بحبها ومقتنعة بيها، وشايفة أني من حقي ألعب أنا كمان كورة سلة زي الرجالة، وكمان أمارسها بالزي المناسب والمريح ليا”.
دنيا حجاب، عضو المكتب التنفيذي في الرابطة الرياضية للمرأة العربية. تقول إن الرفض يأتي لأن المرأة وضعت في إطار واحد. وهو تربية الأولاد والزواج، وعند تفكيرها الخروج من هذا الإطار تواجه الرفض الأسري والمجتمعي، فبجانب أن الرياضة هامة للرجال والنساء، يجب زيادة برامج التوعية التي تؤكد على أهمية ممارسة السيدات للرياضة.
“فاكرة نفسك راجل”
“انت مسترجلة”، “فاكرة نفسك راجل”، “سبتي إيه للرجالة”، عبارات كانت تردد على أذان نهى عندما قررت البحث عن مكان للتدريب على حمل الأثقال، بدأت من الأسرة وانتقلت للزوج بعد زواجها، ليرفض الجانبان رغبتها في حمل الأثقال، لأنها كما يرون “لعبة رجالية”، لكن قناعات نهى كانت أن الرياضة من حق الجميع، للرجال والنساء.
أرادت نهى تعويض ما افتقدته من ممارسة هواية مفضلة لها في ابنتها. فاقترحت على والدها الاشتراك لها في النادي للعب الكارتية. ليسخر الأب منها ويصفها بأنها تريد أن تحول ابنتها لرجل “قالي إني هخلي بنتي زي الرجالة. وفي ألعاب للبنات زي البالية والرسم، لكن مش كارتية واللعب الولادي. وأنا مش قادرة أفهم ليه كمان في اللعب والرياضة في حاجات للستات وحاجات للرجالة”.
رائدة بدر بطلة أوليمبية سابقة تقول إن هناك تجاهلا للمرأة في مجال الرياضة. مشيرة إلى أن السيدات دخلن هذا المجال للتعبير عن هدفين. الأول تأكيد الذات والثاني الطموح الذي يتطلع إلي المساواة مع الجنس الآخر، لتصطدم بالتمييز والتفرقة بينها وبين الرجال في هذا المجال وخصوصية الأنوثة والاحتكام لها.
بدر ترى أن البعدين الاجتماعي والاقتصادي من أكثر المعوقات لممارسة المرأة للرياضة. فتقاليد وعادات المجتمعات والقيم الدينية وقلة الوعي الرياضي، بجانب قصور الإمكانات التي قد تقف حائلاً أمام المرأة وممارسة الرياضة، بجانب أن العديد من العوامل الاجتماعية والثقافية، لها دور في الحد من إعطاء الفرص الكافية للمرأة لإثبات قدرتها على المشاركة في الأنشطة الرياضية مثل الرجل.
المرأة في الأخبار الرياضية
تزامنًا مع بداية دورة الألعاب الأولمبية 2020 في طوكيو. وقبل حفل الافتتاح دعا الاتحاد الدولي للصحفيين كل الاتحادات الرياضية والمؤسسات الإعلامية والصحفيين والنقابات العمالية إلى القضاء على التحيز الجنسي في الرياضة. خاصة في حدث سيجمع بين الرياضيين العالميين و المراسلين الرياضيين.
الاتحاد الدولي الذي يمثل 600 ألف صحفي حول العالم من مؤسسات إعلامية مختلفة. صرح بوجود تحيز وعنف قائم على أساس النوع الاجتماعي في التغطيات الإعلامية للمنافسات الرياضية. معربًا عن قلقه من تمثيل المرأة في الأخبار الرياضية والذي بدوره يعكس واقع الرياضيين والصحافة.
وأشار الاتحاد إلى أن نسب النساء اللاتي يشاركن في الأخبار الرياضية. فقط 15% حسب تقرير الصادر لـ “مشروع مراقبة الإعلام العالمي“. ما دفع الاتحاد الدولي للصحفيين لمطالبة الاتحادات بوضع حد لكل أشكال التمييز القائم على النوع الاجتماعي والتحيز.
نقطة تحول
وتعتبر دورة طوكيو تمثل “نقطة تحول” للمنافسة الرياضية الدولية باعتبارها أكثر البطولات الأولمبية مساواة بين الجنسين في تاريخ الألعاب. حيث تمثل النساء ما يقرب من 49٪ من 11090 رياضيًا. الذي ارتفع من 45٪ عن عام 2016 في ريو، و 23٪ في ألعاب 1984 في لوس أنجلوس. و 13.2٪ في ألعاب 1964 في طوكيو، و 2.2٪ في ألعاب 1900 في باريس.
كما أن المواثيق الدولية لا تفرق بين الرجل والمرأة في الأنشطة الرياضية. فمنظمة اليونسكو أقرت في مؤتمرها العام في دورته العشرين بباريس 21 نوفمبر 1978 الميثاق الدولي للتربية البدنية والرياضة. وأن ممارسة التربية البدنية والرياضة حق أساسي للجميع.