صدمت أسطورة الجمباز الأمريكية سيمون بايلز، جمهورها بعد إعلان انسحابها من نهائي المسابقة الكاملة لفرق السيدات في أولمبياد طوكيو، بسبب ما وصفته بمخاوف حيال “الصحة النفسية“، وأوضحت بايلز، التي حصدت أربع ذهبيات في أولمبياد ريو، أن السبب يرجع لصحتها الذهنية، وتحدثت عن “الالتواءات” (فقدان التوازن وإدراك المكان في الهواء)، وهي ظاهرة معروفة في عالم الجمباز والترامبولين.
بايلز ليست لاعبة عادية، فشاركت في مسابقة الفردي جميع الأجهزة في الألعاب الأولمبية الصيفية 2016، وحصلت على الميدالية الذهبية، كما فازت ببطولة جميع الأجهزة في بطولة العالم للجمباز ثلاث مرات أعوام 2013، 2014، 2015. وفازت ببطولة العالم ثلاث مرات في مسابقة الحركات الأرضية أعوام 2013، 2014، 2015، وبطولة عارضة التوازن مرتين أعوام 2014 و2015، وبطولة الولايات المتحدة الوطنية في الجمباز أربع مرات في الأعوام 2013، 2014، 2015.، 2016 وهي عضو في الفريق الأمريكي الذي فاز بذهبية الفرق في بطولة العالم للجمباز الفني أعوام 2014 و2015 وميدالية الفرق في الألعاب الأولمبية الصيفية 2016 في ريو دي جانيرو، كما أنها أول امرأة تفوز بلقب بطولة العالم في مسابقة جميع الأجهزة ثلاث مرات متتالية.
تربية الأطفال على الرياضة
قرار بايلز وهي لاعبة لها تاريخ رياضي كبير، يجدد الحديث عن أهمية استقرار الحالة النفسية للأطفال حتى وإن كانوا أبطالا حققوا إنجازات رياضية كبيرة، لكن ما يحدث على أرض الواقع حول ممارسة الرياضة من المتعة والتشارك بين الأجيال الجديدة إلى عبء جديد تلقي به الأسر على كاهل أبنائهم بجانب أعباء التعليم، بل احتلت الرياضة في بعض الأحيان المرتبة الأولى على التعليم لدى أولياء الأمور ما يدفعهم لممارسة الضغوط على الأبناء، ولا ننسى ريم مجدي بطلة المصارعة التي انتحرت عام 2016، بعد مشادة كلامية بينها وبين والدها أثناء التمرين قام على أثارها والد ريم بضربها بقدمه، وأثناء العودة إلى المنزل نشبت مشادة كلامية أخرى بين ريم ووالدها، حيث عنفها والدها لعدم التركيز فى التمرين، وقام بلطمها على وجهها، مما جعلها تلقى بنفسها من السيارة قبل توقفها فلقيت مصرعها.
عفاف بهجت تستيقظ في الخامسة صباح صباح كل جمعة، لتعد الإفطار لنجلها، وتوقظة في الخامسة والنصف ليتناول إفطاره ويرتدي ملابسه، للذهاب إلى تمرين السباحة، وتقول عفاف “يوم التمرين مهم بالنسبة لي زي أيام المدرسة بالضبط، بالعكس ساعات ممكن الولد يصحى مكسل أو تعبان يروح المدرسة واسمحله بكدة لكن التمرين لأ مستحيل أوافق، أصل الرياضة مهمة ومفيدة لجسمه وعقله ولازم يتعلمها وهو صغير”.
تحولت الرياضة لدى نجل عفاف لعبء بعيدا عن المتعة أو الترفيه، وتلك العبارة لم تؤرقها أو تشغل بالها قائلة: “التنافس ده هيخليه عاوز يبقى أفضل دايما، وأحسن على طول، وده ممكن كمان ميبقاش في الرياضة بس، لأ وفي الحياة والدروس كمان”.
متعة أم منافسة؟
يُثار دائما الجدل حول مشاركة الأطفال في الرياضية وما إذا كان الأفضل بالنسبة لهم ممارسة الرياضية بغرض المنافسة ونيل بطولات أو ممارستها لمجرد المتعة فحسب، ووفقا للدراسات والأبحاث، فالأطفال في سن السادسة يمكنهم الاستمتاع بخبرات المنافسة عند المشاركة في الأنشطة الرياضية داخل الأندية والاتحادات الرياضية. ولا شك أن إيجابيات المشاركة في الأنشطة الرياضية أكثر من سلبياتها، لكن على الأشخاص البالغين المشاركين فيها التأكد من أن ممارسة الأطفال للرياضة تتم في أجواء مفعمة بالمتعة والتحدي وليست مجرد خبرة تعرضهم للآلام والإصابات وتجعلهم يشعرون بخيبة الأمل والإحباط.
يتكرر الأمر مع أسرة وفاء سليمان، التي يرى زوجها أنها تضغط على نجلتها صاحبة الثماني أعوام، التي تتدرب على رياضة الجمباز، لكن الأم ترى أن الأمر في غاية الأهمية، وتعنف ابنتها عند التأخر على التمرين موضحة: “لازم البنت يكون عندها قدرات تدافع على نفسها، ويكون عندها كمان ليونة في جسمها، أنا شايفة إن الرياضة أهم من الدراسة”.
وتؤكد وفاء أن اهتمامها بممارسة نجلتها للرياضة يثير مشاكل بينها وبين زوجها، خاصة إذا سقطت على الأرض أو تعرضت لحركة عنيفة، لكنها ترى أن الرياضة تمنحها الجرأة وتمكنها من الدفاع عن نفسها خاصة في ظل الحوادث التي نسمع عنها كل يوم”.
لدينا ألعاب كثيرة من تراث لعب الأطفال التي تتمحور فكرتها حول المنافسة، مثل لعبة الكراسي الموسيقية التي تقوم على المنافسة بين الأطفال في أسبقية الجلوس على الكرسي، ولكن باحثين يابانيين وجدوا أن هذه اللعبة تنمي التنافس الأناني لدى الأطفال، فهنا الأطفال قد يدفعون بعضهم للفوز بالكرسي، فغيروا قانون اللعبة ليكون الرابح من يفسح المجال لغيره ليجلس بجواره على الكرسي.
هل يتمكن الطفل من التفرقة؟
شيماء عرفة أخصائية الطب النفسي، ترى أن هناك فرق بين التنافس والمشاركة، ولكن يصعب على الطفل التفرقة بين الأمرين، فالأطفال بطبعهم يرفضون الخسارة، ومن الممكن أن يتحول الأمر بينهم لعداء، وهنا يجب تدخل الأسرة، والتوضيح للطفل أن هناك فرقا بين التنافسية والمشاركة ولكن بأمور مبسطة تتناسب مع سنة، كما أنه من الممكن أن يخسر الطفل وفق شروط اللعبة “مكسب وخسارة”، ويجب أن يفهم الأطفال مفهومي الخسارة والمكسب ويتقبلوا الحالتين.
وتؤكد عرفة، أن المنافسة لها وجه حميد، فتساعد الأنشطة والألعاب التنافسية على تطوير مهارات متعددة لدى الطفل، منها الالتزام والمثابرة وتبادل الأدوار والصبر وتقبل الهزيمة بروح رياضية وتهنئة الفائز، وهنا يأتي دور الأم والمدرسة في غرس روح المنافسة الإيجابية وتنميتها لدى الطفل، مع التفرقة بين الألعاب التي تنمي روح التنافس البناء والإيجابي والألعاب التي تقوم على التنافس السلبي والأناني، قائلة: “المنافسة سلاح ذو حدين، يجب التأكيد على الطفل تقبل الخسارة دون تذمر، وأيضا على الأهل دورا كبيرا عند خسارة الطفل أو إخفاقه لا يجب وصفه بالفاشل، لأن ذلك يجعله يرفض الأمر، ويحاول عدم الوصول لتلك النتجية حتى لو بأمور عدائية”.
أما حسين الشمراني استشاري السلوك الاجتماعي، يؤكد أن الأمر من الممكن أن يصل بالأطفال لما يطلق عليه التعصب الرياضي، وتحميل الطفل بصفات عدوانية، بسبب تحول الأمر من ترفيه لضغط وسعي دائم للتنافس، بسبب ما يشكله الأباء والأمهات من ضغوط على الأطفال، وأحيانا توجيههم لألعاب لا تتناسب مع سنهم.
الجمعية الألمانية لطب العظام الرياضي: ممارسة الأطفال للرياضة بشكل مبالغ فيه، لأنها قد تُلحق ضررا بما يعرف بصفيحة النمو، المعروفة أيضا باسم الصفيحة المشاشية، والالتواءات والكسور، بالإضافة إلى التشوهات.
ويقول “تلك الصفات لا تؤثر على الطفل في المجال الرياضي فقط، بل في المجال السلوكي أيضا، فتؤثر على شخصيته وعلاقته مع المحيطين، ويصبح الطفل أكثر عدوانية، وهنا تتعالى أصوات الأمهات والأباء خوفا على أطفالهم، ولا ينتبهون أنهم السبب في وصولهم لذلك”، موضحا أن التعصب الرياضي الذي يراه الأطفال في المنازل من الكبار يقودهم أيضا لتبني تلك الصفات.
فيما حذرت الجمعية الألمانية لطب العظام الرياضي من ممارسة الأطفال للرياضة بشكل مبالغ فيه، لأنها قد تُلحق ضررا بما يعرف بصفيحة النمو، المعروفة أيضا باسم الصفيحة المشاشية، وهي عبارة عن صفيحة من غضروف زجاجي تقع في نهاية طرفي العظام الطويلة، وأوضحت الجمعية أن الأضرار المحتملة تتمثل في الالتواءات والكسور، بالإضافة إلى التشوهات مثل قِصر الساعد عند ممارسة رياضة الجمباز أو زيادة طول الذراع عند ممارسة رياضة التنس.
كيف نتجنب أضرار التنافس؟
ولتجنب هذه الأضرار ينبغي أن يمارس الأطفال الرياضة على نحو معتدل لما تتمتع به من فوائد صحية جمّة مثل تقوية المناعة وتنشيط القلب والأوعية الدموية وتقوية العضلات وزيادة قوة التحمل وتحسين مهارات التناسق والتوازن.
سارة عبد التواب، أم وتبلغ من العمر 28 عاما، كانت في الصغر واحدة ممن مارسن السباحة تقول: “فاكرة وماما بتصحينا في عز الشتا أنا واخواتي علشان نروح التموين وبيبقى نفسي أنام، والميه ساقعة جدا، وفي مرة مرضتش أروح قعدت تزعق لي وأنا أعيط ونفسي أنام وبردانة، عارفة طبعا إنها كانت مهتمة بالنشاط الرياضي، لكن ده أثر عليا إني كرهت السباحة فعلا وكان ممكن لو الموضوع كان أخف من كده أحبه واتطور فيه، علشان كده مش ناوية أضغط على بنتي لما تكبر في ممارسة الرياضة”.
وأوضحت سارة أنها ليست ضد ممارسة الرياضة في المطلق لكن يتم ذلك بدون ضغط وبالشكل المناسب والملائم للأطفال.