مثلّت الشروط الإيرانية عقبة أمام نجاح المسار التفاوضي في فيينا، ووصفتها الولايات المتحدة بأنها “غير واقعية” تُخالف الأعراف السياسية الدولية. ما تسبب في خوض 6 جولات من المحادثات النووية غير المباشرة بين واشنطن وطهران، بدون نتائج أو أفق سياسي. فيما يبدو أن الأزمة قد لا تشهد انفراجة.
ومع تنصيب المرشد الإيراني علي خامنئي إبراهيم رئيسي، الثلاثاء، رئيسا للجمهورية الإسلامية في إيران. تحدث الأخير عن عدد من الملفات والقضايا، السياسية والإقليمية، التي تشكل معضلات أمامه، ومن بينها الأزمة الاقتصادية التي تسببت في الاحتجاجات المنتشرة في عدد من المناطق، وكذا العقوبات الأمريكية. وقال رئيسي: “نحن نسعى بالطبع إلى رفع الحظر (العقوبات) الجائر، لكننا لن نربط ظروف حياة الأمة بإرادة الأجانب”.
الولايات المتحدة تظهر تململاً
وقبل تنصيب الرئيس الإيراني رسمياً، شهدت مفاوضات فيينا معوقات جمة. واحتدمت الملاسنات بين طهران وواشنطن، حيث عاود المرشد الإيراني الحديث عن ضرورة إيجاد ضمانات لعدم انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق. بينما قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إن عملية فيينا “لا يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية”.
وأضاف بلينكن: “أعتقد أننا أظهرنا بوضوح حسن نيتنا ورغبتنا في العودة إلى الامتثال المتبادل للاتفاق النووي. لا يمكن أن تستمر هذه العملية إلى ما لا نهاية”. وأردف: “الكرة تبقى في ملعب إيران”.
كما تحدث عن “انخراط الولايات المتحدة في جولات مفاوضات متعددة، غير مباشرة مع إيران في فيينا، إلى جانب الأوروبيين وروسيا والصين لمعرفة ما إذا كان بإمكاننا العودة إلى الامتثال للاتفاق النووي، وقد بذلت جهودا حسنة النية للقيام بذلك”، بيد أنه “لسوء الحظ، لم تتخذ إيران القرار الأساسي بشأن ما إذا كانت مستعدة لفعل ما هو ضروري للعودة للامتثال”. وأشار بلينكن إلى أنّ استمرار تقدم إيران في برنامجها النووي فستصل إلى نقطة لا يمكن فيها العودة للاتفاق النووي.
معوقات من داخل البيت الإيراني
وفي آخر اجتماع لحكومة حسن روحاني، ألمح الأخير لوجود معوقات من مؤسسات وأجهزة داخل النظام تسببت في تعطيل رفع العقوبات، ومن ثم العودة إلى الاتفاق النووي. ومن بين تلك المؤسسات البرلمان الذي يحوز أغلبية من التيار المتشدد والردايكالي. وقال روحاني: “في بعض الفترات تحفظنا على بعض التفاصيل، خوفا من تأثر اللحمة الوطنية”.
وتابع الرئيس المنتهية ولايته: “أداؤنا لم يكن خاليًا من الأخطاء ونعتذر من المواطنين”.. وأضاف: “كنا نستطيع رفع العقوبات مع مراعاة الشروط التي وضعها المرشد الأعلى، لكن أمورا وظروفا أخرى منعتنا من تحقيق ذلك”.
وبالتزامن مع تصريحات روحاني، قال المرشد الإيراني: “لقد انتهكوا ذات مرة الاتفاق النووي دون تكلفة من خلال الانسحاب منه. الآن يقولون صراحة إنهم لا يستطيعون تقديم ضمانات بعدم حدوث ذلك مرة أخرى”.
إيران تريد سلطة قانونية للأمم المتحدة
ومن بين الشروط الإيرانية المثيرة جعل للأمم المتحدة صفة قانونية في حال انحساب الولايات المتحدة من الاتفاق مجددا. بحيث يضحى الأمر مشروطا بموافقة الأمم المتحدة، حسبما أوضحت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية.
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن إيران ترى في هذا الشرط حيلة لمنع تكرار موقف الرئيس الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. عندما قرر الانسحاب “الأحادي” من الاتفاق النووي.
وفي حديثه لـ”مصر 360″ أوضح توم حرب، مدير التحالف الأمريكي الشرق أوسطي للديمقراطية، أن الشرط الإيراني “غير دستوري”. ويحمل خرقا مباشرا لقسم الرئيس في الولايات المتحدة وكذا مهام الكونجرس. بحيث لا يمكن أن يتم تقديم الأمم المتحدة على صلاحيات الرئيس أو الكونجرس.
ويلفت حرب إلى أن الجمهوريين في الكونغرس بعثوا برسالة إلى إدارة الرئيس جو بايدن. يطالبون فيها بمراجعة الكونجرس لأي اتفاق نووي يتم التوصل إليه مع إيران. بالإضافة إلى الحصول على ضمانات كاملة وشاملة للحد من مخاطر المشروع النووي الإيراني، والصواريخ الباليسيتية، وكذا نشاط طهران “الخبيث” بالإقليم. وذلك عبر دعم الحرس الثوري لعدد من الميلشيات في سوريا والعراق واليمن. كما أكدوا أن أي اتفاق لن يكون ملزما لهم، ما لم تتحقق تلك الضمانات.
ويرى توم حرب أن الذهاب للأمم المتحدة لتكون هي المقررة لمصير الاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة لن يحدث مطلقا. ذلك أن الكونغرس لا يتنازل عن صلاحياته الدستورية لصالح أي جهة.
كما أن الأمم المتحدة لا يمكن أن تتقدم على أي بلد عضو وفاعل فيها، خاصة الولايات المتحدة، وفقا للمصدر ذاته. وبنهاية المطاف، فإن المطلب الإيراني لا نتيجة أو أفق له، إذ إنها مجرد ضغوطات لا تسفر عن نتائج. وتابع: “الأمم المتحدة “لن تكون أقوى من الكونجرس والدستور والتشريعات الأمريكية”.
ويعقّب روبرت مالي المبعوث الأمريكي الخاص لإيران على ذلك المطلب: “ليس لدينا أي نية لقضاء كل هذه الأشهر في التفاوض على العودة إلى الصفقة من أجل الانسحاب بعد ذلك”.
ألمانيا: خيار إحياء الاتفاق النووي لن يكون متاحًا للأبد
وقال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس إن إيران “تؤخر” استئناف محادثات فيينا الهادفة إلى إنقاذ الاتفاق النووي. وشدد على أن خيار إحياء هذا الاتفاق “لن يكون متاحا إلى الأبد”.
وأردف، في مقابلة مع مجلة “دير شبيغل”: “ألاحظ بانزعاج متزايد أن إيران تؤخر استئناف المفاوضات النووية في فيينا من جهة. مع ابتعادها في الوقت نفسه أكثر فأكثر عن عناصر الاتفاق الأساسية”.
وتابع ماس: “نأمل بالعودة إلى الاتفاق، ونحن على قناعة شديدة بأن ذلك يصب في مصلحة الجميع”. وتابع: “لكن من الواضح أن هذا الخيار لن يكون متاحا إلى الأبد”.
المحلل السياسي الأمريكي وعضو الحزب الديمقراطي مهدي عفيفي، أكد أن مطالب إيران تكون دائمًا “غير واقعية” و”غير متعارف عليها دوليا”.
ويضيف لـ”مصر 360: “الاتفاقية تختلف عن المعاهدة، ففي الأولى يمكن أن تتوافر بنود للانسحاب، وفق شروط معينة. كما أن الأمم المتحدة لا يمكن أن تتدخل في هكذا أمور، التي تعد بمثابة انتهاك صريح للمبادئ القانونية والدستورية والتشريعية داخل الولايات المتحدة”.
ولذلك طلب هذا الشرط من إيران “غير واقعي ويدل على عدم النضوج السياسي؛ لأن من قام بتمريرة لا يعلم أنه لا توجد سلطة من الأمم المتحدة على الولايات المتحدة”.
مفاوضات “استنزافية” وخطط بديلة
ويشير عفيفي إلى أن كل شيء متوقع من إيران، خلال تلك الفترة، والتي تعمد إلى “المماطلة” والدخول في مفاوضات “استنزافية”. كما أنها في محاولتها اتباع هذه الاستراتيجية وفرض شروط غير منطقية، بدأت الولايات المتحدة تكشف عن تململها وتتحرك باتجاه بلورة خطط بديلة. وقد أعلن وزير الخارجية الأمريكي مؤخرا أن صبر واشنطن بدأ ينفد.
والسيناريو المحتمل، وفقا للمحلل السياسي الأمريكي وعضو الحزب الديمقراطي، هو عودة المفاوضات مع تنصيب الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي. والذي سيحاول أن يظهر بمظهر الرجل القوي، لا سيما أمام القيادات الدينية والجناح الراديكالي داخل النظام. غير أن ما يحدث في الكواليس والغرف المغلقة يختلف عن مجمل الدعاية الإيرانية الصاخبة التي تعتمدها لتقوية سياستها المحلية.
كما أن “المجتمع الدولي متفق على أن إيران لا يمكن أن تمتلك سلاحًا نوويًا، مهما حاولت الأخيرة التملص من التزاماتها. وذلك بعدما تراجعت عن عهودها القانونية، وزادت في تخصيب اليورانيوم”، بحسب المصدر نفسه.
ويردف: “ستتجه إيران لتدشين اتفاق ولو جزئي ومرحلي، للتفاهم على نقاط محددة، يشتمل على ملف الأسلحة الباليستية، ومسألة التخصيب، وتمدد طهران الإقليمي. لكن- في كل الأحوال- لن يكون هناك سماح لإيران بامتلاك القنبلة النووية”.
اتجاه غربي لإبقاء إيران “منغص” للعرب
ويلفت العضو في الحزب الديمقراطي إلى أن هناك رأيًا بين صناع القرار والأوساط السياسية في الغرب والولايات المتحدة، يرى ضرورة أن تضحى إيران قائمة وموجود على هذا النحو المثير. بحيث تظل “المنغص على الدول العربية وتحديدا الخليجية، وهو ما سيخفض نسبة التهديدات السياسية والأمنية اتجاه إسرائيل”.
يتفق مع هذا الرأي المحلل السياسي الإيراني، على رضا اسدزاده. الذي يرى أن الرئيس الجديد إبراهيم رئيسي يحاول أن يضع شروطاَ جديدة في المفاوضات، للإعلان عن سياسته الخارجية المتشددة. وهذا رغم معرفته وتيقنه من عدم قبولها لدى الولايات المتحدة.
ويضيف “اسدزاده” لـ”مصر 360″: “هذه الفترة ستكون مرحلة وضع شروط مستحيلة للاستهلاك المحلي والداخلي”. وأكد أن الولايات المتحدة لن تنظر في تلك الشروط والمطالب من منطلق جاد. بيد أن الشروط الإيرانية الأخيرة تأتي في سياق مشابه يدعم خط خامنئي الذي صرح بأن الثقة في الغرب لا تنفع.