خلافات وأزمات بالجملة تشهدها أروقة وزارة الثقافة ظلت طي الكتمان لفترة طويلة. وخرجت للعلن في الآونة الأخيرة، خاصة بعد الدورة الأخيرة لمعرض القاهرة الدولي للكتاب الذي عقد في الفترة بين 30 يونيو و15 يوليو الماضيين.

اتهامات بالانفراد بالقرار والفساد وخدمة المعارضة الثقافية ولعب دور ضد مستهدفات الدولة. جاءت في تقرير سياسي أصدره الاتحاد العام لكتاب مصر. أعلن فيه رفضه تجديد الثقة لوزيرة الثقافة الدكتورة إيناس عبدالدايم.

الحديث الذي يتردد عن تغييرات وزارية مرتقبة، دفع الاتحاد لمحاولة إعلان موقفه من استمرار الوزيرة في منصبها.

لم يكن التقرير الذي حمل عنوان “موقف النقابة اتجاه سياسات الوزيرة.. ومواطن الفساد في وزارة الثقافة”. هو الإعلان الأول عن الخلافات بين الوزيرة واتحاد الكتاب. فسبق ذلك تقديم الاتحاد شكوى في يونيو الماضي لرئيس الوزراء والنائب العام، يتضرر فيها من تجاهل الوزيرة للنقابة واستبعادها من اللجنة العليا لتنظيم معرض القاهرة الدولي للكتاب هذا العام.

وزيرة الثقافة
وزيرة الثقافة

الهوية الثقافية

“مصر تستحق من هو أفضل. سعيا من أجل نهضة ثقافية تعيد مصر إلى مكانتها التاريخية عربيا ودوليا وأفريقيا”. جملة عبر بها الاتحاد عن رفضه تجديد الثقة في الوزيرة. معتبرا أن إدارتها اهتمت بالشكل فقط دون المضمون الثقافي.
التقرير تحدث عن غياب رؤية واضحة للوزارة للهوية الثقافية باعتبارها واحدة من أهم الأولويات التي يجب الاهتمام بها في الاستراتيجية الثقافية العليا للدولة. بل زاد عن ذلك باعتبار أن سياسات وزارة الثقافة القائمة باتت أصلح مكان تنفق عليه الحكومة لدعم المعارضة الثقافية.

الاعتراض الرمزي

9 نقاط تضمنها تقرير الاتحاد. حاول من خلالها تبرير رفضه لاستمرار الوزيرة في منصبها. الأول عنونه بـ”الاعتراض الرمزي”. وتحدث فيه عن ما وصفه بانتقادات تواجهها وزيرة الثقافة من نواب وشباب المثقفين والمبدعين وصحف ثقافية. مؤكدا مقاطعة قامات ثقافية كبيرة ومعظم شباب المبدعين لأنشطة الوزارة كشكل من أشكال الاعتراض. على تجاهل الوزارة للتمثيل اللائق بهم في اللجان العليا والجوائز.

المركزية

وكانت الجلسة التي عرضت فيها وزيرة الثقافة في يناير الماضي استراتيجية وزارتها أمام مجلس النواب. شهدت اعتراضات من عدد كبير من النواب اعتبروا أن البيان لم يحمل استراتيجية واضحة. كما هاجم نواب الوزيرة وأكدوا أن نشاط الوزارة يقتصر على القاهرة والإسكندرية. وأن المواطن في الريف لا يشعر بدور لوزارة الثقافة في حياته وبرروا ذلك بالإهمال الذي تعانيه المؤسسات الثقافية في الأقاليم كقصور الثقافة.

فيما ردت وزيرة الثقافة بأن 73% من ميزانية الوزارة تذهب للرواتب. وأن أبواب الميزانية الدولة قسمتها ولا تملك إعادة تقسيمها، لكنها أنجزت كثير جدا من المواقع الثقافية. وخاطبت كل القطاعات وجمعت المبالغ الذى يحتاجها كل قطاع حتى تتمكن من تغطية ميزانيته.

هيمنة القرار الفردي

هيمنة القرار الفردي والرؤية الشخصية على السياسات التي تتبناها الوزراة، كان الانتقاد الثاني الذي وجهه اتحاد الكتاب للوزيرة. مؤكدا التناقضات جاءت واضحة بين ما تعلنه الوزيرة من أهداف وما يتحقق على أرض الواقع. وأن الاهتمام بالشكل دون المضمون بات وكأن شعار المرحلة مهرجان لكل مواطن، دون الاهتمام بقضية بناء الإنسان أو اقتصاديات هذا البناء.
اتهم التقرير الوزيرة، بغياب الرؤية الاستراتيجية القادرة على تقديم الدعم الثقافي اللازم لمشروع التحديث الشامل الذي يتحدث عنه الرئيس عبدالفتاح السيسي. معتبرا أن حديث الوزيرة يتضمن أهدافا عامة دون وجود آليات تنفيذ مرتبطة بالواقع، وباقتصار دور الوزارة على استيعاب النخب الثقافية. واقتصار نشاطها على القاهرة والإسكندرية. في وقت يجب أن يتوجه العمل الثقافي وصناعته إلى غير المثقفين من أبناء الشعب.

يرى الاتحاد أن أخطر ما يهدد مشروع مصر الثقافي هو قيام السياسات الثقافية على الأفراد أو مصادفات الطرح والأداء. ما يعني أنها ستنتهي إلى خدمة فئات باعينها، نخبوية ووظيفية. على نحو يمنعها من تمثيل جمهور المثقفين المصريين بمختلف طيوفهم. وهو وعي يتماس مع مفهوم المواطنة في أوسع معانيه. وحذر التقرير من خطورة تنامي الشعور العام بعدم الانتماء -بين فئات ثقافية وعلمية- إلى المجتمع القائم،و هو أمر يمسُّ أمن مصر الثقافي، وقد يؤثر على نحو مباشر بمشروع الدولة –ولا نقول الحكومة- في البناء والتطوير، لأنه موقف يشير –بصرف النظر عن صحته- إلى الإقرار بعدم أهلية هذا المجتمع، وافتقاد مؤسساته التنفيذية الحد اللازم من الشرعية، وهو وضع يفسر الأسباب التي دفعت عددًا مهمًّا ومؤثرًا من كبار المثقفين المصريين إلى رفض الانضمام إلى المؤسسات الثقافية القائمة والمشاركة في أنشطتها.

جمهور المستفيدين

فقدت الوزارة الحدّ اللازم الذي يراعي عموم جمهور المستفيدين من أبناء الشعب من الأنشطة والصناعات الثقافية دون تمييز. كلمات وصف بها الاتحاد ما اعتبره خللا في أداء ورؤية منح السلعة الثقافية وأصحابها أهمية تفوق أهمية المستهلك.

ويؤكد الاتحاد، أن وزارة الثقافة وفق رؤيته يجب أن تتوجه إلى غير المثقفين، وليس إلى المثقفين فحسب. وأن تتوجه إلى المحتاجين الحقيقيين إلى المعرفة من أبناء مصر. وليس إلى نخبة المثقفين الذين يجب أن يكونوا أدوات مساعدة لتحقيق الأثر الاجتماعي للثقافة، وليس كما هم الآن. هدف الوزارة ومحيط تأثيرها –ورضاها- وكفايتها.

وبحسب التقرير: وصل نصيب المواطن فى ريف مصر، وفي محافظات الجنوب بخاصة من الخدمات الثقافية الحكومية أقل من عدة جنيهات سنويًّا. في الوقت الذي قد تبلغ فيه ميزانية مهرجان سينمائي واحد ما يزيد على عدة أضعاف من الميزانية المخصصة لمكتبات جنوب مصر كافة على سبيل المثال.

مؤسسات المجتمع المدني

انتقد الاتحاد، ما وصفه بغياب الشراكة بين مؤسسات الدولة ببنياتها التحتية ومواردها الكبيرة، ومؤسسات المجتمع المدني من نقابات واتحادات وجمعيات تم إنشاؤها تحت مظلة القانون. مشيرا إلى أن إنجاز المشروع الثقافي المصري. لن يتحقق إلا إذا توافرت مبادرة مخلصة للشراكة والتعاون لا الاحتراب، وإذا خلصت النية في وضع تصور متكامل ومشترك وواضح على مستوى “التخطيط الاسترتيجي”، و”التوظيف الاستراتيجي”، و”المتابعة والتقويم” مشاركة مع النقابات ومنظمات المجتمع المدني للمشروع الثقافي المصري.

الدكتور علاء عبد الهادي
الدكتور علاء عبد الهادي

واختتم الاتحاد نقاطه بالتأكيد على أن النظام ليس مجموع أجزائه فحسب. بل هو أكبر من ذلك. متحدثا عن شكل من الفساد يتمثل في الجزء الخارج من النظام الذي يتوقف عن الالتزام بلعب دوره في إطار المجموع، في ظل غياب أي أثر اجتماعي لإنفاق الدولة المالي على الثقافة.

غياب الاستراتيجية الثقافية 

ردات فعل مطردة تفصح عن معارضتها لعدد من السياسات الثقافية القائمة عبر إصدار البيانات، وتشكيل الجماعات الثقافية، وتكوين الجبهات. في ظل تردي أحوال الكتاب والمثقفين المرتبطة بالعلاج الصحي، والمعاشات، والنشر والإنتاج، إلا في الحدود التي تستطيع النقابات توفيرها لهم ضمن ميزانياتها المحدودة.

مواطن فساد

وأعلن اتحاد كتاب مصر عن عدم تجديد ثقته في وزير الثقافة الحالي وقياداته المنتدبة القائمة. مشيرا إلى مجموعة من مواطن الفساد في الأداء. تمثلت في سيطرة البعد الذاتي والرؤية الشخصية للوزير ولمجموعة صغيرة من قياداته -المنتدبة بخاصة- بإدارة ثقافة دولة بحجم مصر، هو وضع معيب وفاسد، خصوصًا إذا قام على مصادفة الاختيار، للمنتدبين من خارج الوزارة بخاصة، وعلى فساد منطقه، وفي ظل نقص الكفاءة المقرون بغياب الرؤية الشاملة للمشروع الثقافي المصري من قبل الوزير الحالي.

غياب تأثير إنفاق الدولة على الثقافة

وتابع التقرير: غياب تأثير إنفاق الدولة على الثقافة على المجتمع كان من نتيجته المباشرة انتشار فكر التطرف والإرهاب في الريف والمناطق النائية. فضلا عن تدني المستويات الفكرية، وضعف الحوار المجتمعي الراقي. بالإضافة إلى تراجع الإنتاجين المسرحي والسينمائي، وتدهور أوضاع السيرك القومي، وتهالك البنية التحتية – المسرح الروماني بالمنيا على سبيل المثال-. وغياب أي دور فاعل حقيقي لما يسمى قصور الثقافة.

وأعاد التقرير انتشار ظواهر الإرهاب والتكفير والإلحاد والانتحار وإدمان المخدرات والتحرش والتشوه البصري وشيوع الكثير من الأفكار الغريبة عن مجتمعنا. إلى غياب خطة متعددة الأبعاد لمواجهة التطرف الفكرى.

وبحسب التقرير: معظم إنتاج المثقف المصري النقدي والثقافي يذهب إلى الدوريات العربية والأجنبية. مثله في ذلك مثل جزء كبير من فننا وتراثنا التشكيلي. الذي فرط المسئولون في المحافظة عليه وحراسته، بسبب التراخي الإداري، وسوء أحوال مخازن الثروات التشكيلية، بالإضافة إلى غياب مراكز ثقافية مشعة لها دور فاعل في محلياتها.

وتحدث التقرير عن استشراء الفساد المالي في قطاعات الوزارة وعلى رأس ذلك الهيئة العامة للكتاب، وهيئة قصور الثقافة، وآخر ذلك الملف الذي حوّل إلى هيئة الرقابة الإدارية ضد موظف الهيئة والذي قدمته إلى الوزير مديرة مكتبه، وفيه شبهة فساد كبير، بل إن الفساد المالي والإداري قد وصل إلى أعلى الهرم الإداري نفسه، وكان آخره القبض على مجموعة من قيادات الوزارة، ومن مكتب الوزير نفسه، في شبهة التربح و قضايا فساد ورشى مالية وجنسية.

جوائز الدولة

وانتقد التقرير طرق اختيار اللجان المحكمة لجوائز الدولة، باعتبارها يحركها مجموعة ممن ليس لديهم علم كاف بالوسط الثقافي وجغرافيته. وانتهاءً بآليات الترشح لجوائز الدولة في المجلس الأعلى للثقافة، فعضو لجنة التصويت للجائزة له حق الترشح لها في سابقة فريدة ومتصلة في المجلس الأعلى للثقافة من عقود.

المجلس الأعلى للثقافة
المجلس الأعلى للثقافة

وضرب التقرير أمثلة بحجب جائزة النيل للعلوم الاجتماعية هذا العام بعد أن تقدم إلى نيلها عضوان من أعضاء المجلس من المصوتين عليها. وفي الآداب تقدم إليها عضو آخر. وفي التقديرية تقدم لها أكثر من عضو من أعضاء لجنة التصويت، وفي النيل كذلك.

واختتم الاتحاد تقريره. أنه لا يجدد الثقة في أداء الوزير الحالي. مناشدا واضعي السياسات العامة بإعادة هيكلة شاملة لجمّاع المؤسسة الثقافية. مع ضرورة الدقة في اختيار قيادات جديدة مبدعة، لم يمسّها الفساد الإداري طوال العقود السابقة.