صديقي العزيز والمقرب (مغفل) بدرجة تكفي لقيامه بشراء بضاعة الإسلاميين بعدما انفض سوق تجارتهم مؤخرا في مصر.
صغيرا نجاه الله من مصيدة (أشبال الدعوة) عندما كان الإخوان والسلف يستقطبون الأطفال الصغار لتحفيظهم القرآن في مساجد وزوايا الأحياء الشعبية ثم يصبحوا من اتباعهم.
وفى مراهقته لم يكن له نصيب من سماع وإدمان شرائط الكاسيت للشيخ كشك ومحمد حسان. وحديثه عن عذاب القبر وتارك الصلاة، كما لم يجمع تبرعات للمجاهدين الأفغان أو لمسلمي كشمير في الهند أو البوسنة والهرسك.
في التسعينات لم يتردد علي مساجد عاطف السادات والعزيز بالله والرحمة والتوحيد بشارع رمسيس أو التوحيد المعسكر.
وأيام الجامعة كان محظوظا كفاية حتي لا ينضم لأي أسرة طلابية في الجامعة للتيار الإسلامي. ولم يهتف في المظاهرات (خيبر خيبر يايهود جيش محمد سوف يعود) أو (لبيك اسلام البطولة كلنا نحمي الحما).
انقضت سنوات النقاء او السذاجة من غير أن يشتري من معرض الكتاب كتب ابن تيمية أو محمد بن عبدالوهاب ولا كتب الدعوة الفردية وكتاب (دمروا الإسلام أبيدوا أهله).
لم يتابع حلقات عمرو خالد ولا مصطفى حسني ولا حتى معز مسعود.
لكنه مؤخرا يتابع عبدالله رشدي ويؤيد آرائه!
عبد الله رشدي الذي كشف موقع «Social blade»، المتخصص في ملف يوتيوب. عن أرباحه السنوية خلال العام الماضي، حيث حقق «رشدي» نسبة مشاهدات بقيمة مالية بلغت 127 ألف دولار خلال العام والتي تقدر بـ2 مليون جنيه مصري. (المصدر جريدة الوطن 19ديسمبر 2020).
صديقي الأربعيني اتفهم تماما رداءة ذوقه واختياراته السيئة في اختيار الملابس من أيام إصراره على ارتداء القميص الأزرق والبنطلون الكحلي معا. ومشاهدته للأفلام الهندي والتركي الرديئة في زمن الـ NETFLIX) ). كما أستطيع أن أغفر له تلك الحماقات بدعوى اختلاف وتنوع الأذواق. لكن ما لا يمكن أن أغفره واتجاوز عنه (الدروشة) التي تأتي في سن الحكمة والنضوج. بعدما انفض سامر الدروشة الذي انعقد في أواخر السبعينات حتي 25 يناير و30 يونية وبدأنا في حالة عودة الوعي وكشف المستور.
والكشف عن ثروات تجار الدين التي درت عليهم ملايين الجنيهات والدولارات وكانت سببا في ثراء فاحش. بسبب بيع شرائط الكاسيت قديما ثم البرامج التلفزيونية والان العائد المهول من قنوات (اليوتيوب).
لم يستوعب صديقي ما قاله ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في حواره مع واشنطن بوست في عام 2018. إن بلاده نشرت الوهابية بطلب من حلفائها لمواجهة نفوذ الاتحاد السوفيتي.
كما لم يفهم الشهادة التي أدلى بها محمد حسين يعقوب ومحمد حسان أمام محكمة الجنايات. وتبرؤهم من أفكارهم التي نادوا بها طوال عمرهم.
اختيار صديقي لمتابعة والاستماع إلى تجار الدين الجدد لا أجد ما يفسره إلا جملة في فيلم (الكيف) قالها صبى القهوة لـ (المزاجنجي ) : “إحنا بننتج كييف كل عشرين ثانية.. انظر حولك.. الكيف بيولد الكييف“.
الدرس المستفاد، أن التشدد والتعصب سيظل موجود طالما هناك خطاب دينى متطرف يجد أتباعا يحقق من ورائهم ثروة وشهرة. تماما كما سبقى المدخنون ما دامت السجائر موجودة.
للأسف لن نستطيع توفير حماية كاملة لمستهلكي الخطاب الديني المتعصب والمتطرف، بالمنع، احتراما لحقهم في الاعتقاد. كما أن ملاحقة هؤلاء الدعاة المتعصبين جنائيا لا تجدي نفعا بل تجعل منهم أبطالا. لكن يمكننا تحصيل ضرائب مرتفعة من هولاء الدعاة المتطرفين للإنفاق علي تطوير الخطاب الديني. والتخلص من الآثار السلبية لخطابات الكراهية والتحريض على العنف الذي يروجون له .
يمكننا أن نفرض ضرائب مرتفعة وباهظة على تجار الدين..كما تبلغ الضرائب المفروضة على السجائر حاليا حوالي 65% من سعر البيع بالتجزئة. وكما يخصص جزء من عائد الضرائب على السجائر للإنفاق على الصحة. نخصص العائد من الضرائب على تجار الدين للإنفاق على تطوير الخطاب الديني والإنفاق على وزارة الاوقاف. وهذا ما يتوافق مع الإرادة السياسية الحالية. فقد كشف مختار جمعة وزير الأوقاف الحالي. أنه قبل تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي كان إجمالي ما يتقاضاه أئمة وزارة الاوقاف يبلغ 1288 جنيهًا قبل الاستقطاعات. وما يتقاضه في يده يبلغ 860 جنيها، والآن يبلغ مرتب أقل إمام نحو 4075 جنيها بزيادة 216 %، ومن يحصل على درجة الدكتوراة فإنه يتقاضى نحو 5 آلاف جنيه.
(المصدر: تصريح وزير الأوقاف في جريدة الأهرام 2/2/2021)
يقول الشاعر: لكل داء دواء يستطب به.. إلا الحماقة أعييت من يداويها
ونحن لن نداوي الحماقة بل يمكننا فرض ضرائب عليها.