قبل شهرين من الآن، لاحظت صفية عادل صعوبة رؤية ابنها للأشياء الصغيرة، وأنه لا ينتبه لبعض الكتابات أثناء السير، لتقرر على الفور زيارة الطبيب الذي أبلغها بمعاناته من قصر نظر. أرجعها الطبيب إلى استخدام الهاتف لوقت طويل، محذرا الأم من الخطورة الكبيرة الذي قد يشكلها هذا الوضع على معدل رؤيته مستقبلا.
صفية واحدة من الأمهات المخدوعات في استخدام الانترنت والجهاز اللوحي اللواتي ظنن أن طول وقت الجلوس عليه يزيد من معدل استيعاب الأطفال وينمي قدراتهم العلمية والابداعية.
الأم الثلاثينية وصفت صدمتها قائلة: “كنت أظن أن الهاتف سيعلم طفلي ويزيد من استيعابه للدروس وكنت أجبره على المواصلة والتعلم من خلاله فدربته على البحث والتنقل بين الفيديوهات المختلفة للبحث عن المعلومات ولم أكن أتخيل أني بذلك أضره دون وعي”.
يؤكد إبراهيم نجم، أحد أولياء الأمور، أن أزمة كورونا جعلت معدل استخدام الأطفال للمنتجات الإلكترونية تزداد بشكل ملحوظ مما أثر سلبا على نظرهم، بالإضافة إلى التدريس عن بعد خلال فترة الوباء، وقلة التمارين البدنية في الهواء فضلا عن سوء الإضاءة كلها عوامل تكاتفت لإضعاف بصر الأبناء.
واعتبر نجم أن وزارة التربية والتعليم تدرك خطورة الموقف حيث أعطت على حد تعبيره خطا أحمر على معدل تواجد الأطفال على الإنترنت، مؤكدة أن التعليم عن بعد يجب ألا يزيد عن ساعتين خلال اليوم للمدارس الابتدائية.
ما كانت تعانيه صفية وأخريات من الأمهات في مصر سمع صداه بشكل أكثر علميا في الصين، فقد أطلت علينا دراسة صينية حديثة تفيد بحجم الكارثة التي يعاني منها أطفالنا من قصر النظر الناتج عن مكوثهم لوقت طويل على مواقع الإنترنت المختلفة، نتيجة الإجراءات الاحترازية التي فرضتها جائحة كورونا.
الدراسة أثبتت أن قصر النظر زاد لثلاثة أضعاف وهو الأمر الذي يثبت أن الموقف ليس هيناً، والأزمة هنا أننا أما نوع من المخاطر الممتدة والتي سيتحمل الأطفال تبعاتها لوقت أطول من الوباء ذاته ويستلزم أيضا زيادة في حجم الوعي الأسري في التعامل مع هذا الموقف واتخاذ الاحتياطات والإجراءات التي قد تمكن من تفادي الأمر أو تحجيمه.
عام 2020 ازداد فيه قصر النظر 3 أضعاف
كشفت الدراسة التي تم إعدادها على عينة من الأطفال في هونج كونج بالصين أن معدل قصر النظر عند الأطفال ازداد بشكل كبير ومخيف وصل لنحو 3 أضعاف المعدلات الطبيعية خلال عام 2020.
وأجريت الدراسة على مجموعتين من الأطفال تتراوح أعمارهم ما بين 6 و8 سنوات المجموعة الأولى قياس ما بعد كورونا والأخرى في فترة سابقة على ظهور الوباء وأظهرت النتيجة زيادة في نسبة الإصابة بقصر النظر تقدر بنحو 30%، مقارنة بنحو 12% فقط قبل ظهور الجائحة.
وأكدت الدراسة الصينية أن معدل استخدام الأطفال للأجهزة اللوحية والشاشات بشكل عام ارتفع بعد استقراره عند 3.4 ساعة في اليوم قبل كورونا ليسجل نحو 8 ساعات بعد انتشار الفيروس.
يبلغ حجم المعاملات بسوق النظارات يبلغ نحو 147 مليار دولار عالمياً، وتوقعت أحدث الدراسات السوقية نمو التعاملات بنحو 8.5% سنوياً، مع ترقب مزيد من التحرك عقب انتهاء جائحة كورونا.
البقاء في المنزل يقترن بقصر النظر عند الأطفال
يؤكد دكتور جيسون يام، المؤلف المشارك بالدراسة الصينية، أن المكوث في المنزل مع تمضية وقت أطول أمام الأجهزة اللوحية يقترن إلى حد كبير بقصر النظر عند الأطفال.
وأضاف يام، في تصريح صحفي، أن الأمر أيضاً ينسحب على مشاهدة التليفزيون عن قرب بل يكاد يكون أكبر خطورة معتبراً أن الوقاية لا ترتبط بشكل أساسي بالجلوس في المنزل ولكن الوجود في الهواء الطلق يساعد في تخطى الأزمة الوبائية وغيرها من الأمراض.
ويرى دكتور على عبد الله، رئيس المركز المصري للدراسات الدوائيه والإحصاء ومكافحة الإدمان، أن الإجراءات الاحترازية والحظر لا يجب أن يكون مفهومه البقاء في المنزل لأنه بالتبعية يجعل الأطفال يستخدمون الأجهزة اللوحية بما تشكله من خطورة على نظرهم بل ومستوى استيعابهم ودرجات وعيهم.
وأضاف عبد الله في تصريح خاص لمصر 360 أن المكوث في المنزل خاصة إذا لم يتعرضوا للتهوية والشمس يصابوا بعدد من الأمراض التي يأتي من بينها نقص فيتامين دال معتبراً أن هناك تطور ملحوظ وزيادة في معدل الاصابة بقصر النظر وأمراض العين المختلفة نتيجة التعرض للشاشات.
كيف تحمي طفلك من قصر النظر؟
رئيس المركز المصري للدراسات الدوائية والإحصاء ومكافحة الإدمان يقول إن زيادة معدل قصر النظر ناتج عن نقص الوعي داخل الأسر المصرية بطريقة التعامل مع الأجهزة اللوحية والشاشات التي منها التليفزيون والكمبيوتر والتابلت.
غير أن منع الأطفال من استخدام الأجهزة المختلفة أمر صعب، لكن على أولياء الأمور أن يتبعوا الارشادات العامة والتي يأتي على رأسها ضرورة الحركة بعد كل ساعة استخدام بالتمشية في مكان مفتوح، وعلى الطفل بعد مرور 25 دقيقة من القراءة على الجهاز اللوحي أن يتحرك ببصره في الغرفة خارج نطاق شاشة الجهاز، فضلا عن ضرورة التدريب على تحريك العين يميناً ويساراً أثناء القراءة بشكل مستمر.
وتعد “التمشية” في النطاقات المفتوحة والخضراء واحدة من الأولويات لحماية نظر وصحة الأطفال وفقا لما أكده عبد الله،، بالإضافة إلى ضرورة التركيز والبحث أثناء شراء جهاز لوحي خاص بالطفل في عوامل الحماية المتوفرة في الشاشة لأنها تساهم بشكل أفضل في ضبط مخاطر التعرض لها لوقت طويل.
ولفت علي إلى أن هناك أسباب أخرى بجانب الأجهزة اللوحية تؤدي لقصر النظر في مصر ومنها سوء التغذية لإهمال تناول الخضروات والفاكهة وكذلك الأطعمة الغنية بفيتامين A، فضلا عن عدم الفحص المبكر للطفل وبخاصة مرضى السكر المقدر نسبتهم بنحو 40% وفق الاحصائيات العالمية.
جدير بالذكر أن هناك دراسة تم نشرها في مجلة “جاما أوبثامولوجي” استخدمت البيانات الصادرة عن “غينشنغ” الصينية، تم خلالها فحص ما يقرب من 195 ألف طالب خلال 6 سنوات، وتوصلوا إلى أن الفترة الممتدة بين عامي 2015 و 2019 بها نحو 5.7% إصابة بقصر النصر بينما ارتفع ذبك المعدل خلال عام 2020 ليسجل نحو 21.5%.
وكشفت دراسة أخرى صادرة عن كلية علم البصريات في بريطانيا أن ثلث سكان بريطانيا ساء نظرهم خلال فترة الوباء وأن هناك 22% منهم أبلغوا عن ذلك في منتصف عام 2020 الماضي.
وسبق وحذرت منظمة الصحة العالمية من قصر النظر عند الأطفال باعتباره أحد مسببات ضعف البصر ونوهت أنه يرتفع بشكل كبير متوقعة أن تسجل الإصابة به نحو 52% بحلول عام 2050.