قدمت مجموعة “أكسفورد للأعمال” نظرة مغايرة للنمو السكاني بعدما اعتبرته من العوامل غير الاقتصادية الداعمة للنمو. مؤكدة أنه جعل مصر أكثر مرونة في مواجهة الصدمات الخارجية أولًا وقبل كل شيء آخر.
وقالت المجموعة، في تقرير مطولها عن الاقتصاد المصري، إن معدل النمو السكاني ارتفع من 90.2 مليون عام 2015/2016 إلى 101.5 مليون في 2019/20، ومن المتوقع أن يزيد بمعدل نمو سنوي مركب بنسبة 1.9٪ حتى عام 2030 ليسجل 120.8 مليون، وفقًا لـ “فيتش سوليوشنز”.
وباعتبار مصر الأكبر في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تعد قاعدة المستهلكين بها حافزًا قويًا للاستثمار في التجزئة، كما أن 60٪ من التعداد تحت سن 30 عامًا أي من الشباب ذوي الخبرة التقنية، ما ساهم في نمو الطلب على الأجهزة مثل الهواتف الذكية.
دعم الاستهلاك
وبحسب المؤسسة فإنه يتم دعم المرونة الاقتصادية من خلال مستويات عالية من الإنفاق الاستهلاكي. إذ نما إجمالي إنفاق الأسرة الحقيقي بمتوسط سنوي قدره 6.4٪ بين عامي 2015 و2019. وفقًا لتقرير صادر عن شركة “فيتش سوليوشنز” في فبراير 2020. وفي ذلك الوقت كان من المتوقع أن يستمر الاتجاه الإنفاقي. مع نمو إجمالي إنفاق الأسر من 2.3 تريليون جنيه في عام 2020 إلى 3.4 تريليون جنيه عام 2024.
وأرجعت شركة البحث ارتفاع الإنفاق إلى استقرار التضخم وتراجع مؤشر الأسعار من 12.7٪ في يناير 2019 إلى 7.2٪ خلال عام واحد. وذلك بفضل قرار رفع الحد الأدنى للأجور والمعاشات مارس 2019. وتزايد الإنفاق بما في ذلك الطبقة المتوسطة المتنامية ذات الدخل المتاح، بجانب إنفاق المستهلكين القوي قبل وباء كورونا.
وأشارت المؤسسة إلى أن الاقتصاد المصري شهد توسعًا مطردًا خلال السنوات الأخيرة على خلفية إصلاحات واسعة النطاق. تهدف إلى تصحيح اختلالات الاقتصاد الكلي وجذب الاستثمار وتقليص العجز المالي. لينمو الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بنسبة 5.6٪ عام 2019، ارتفاعًا من 5.3٪ عام 2018 و4.1٪ عام 2017، وفقًا لصندوق النقد الدولي.
وفي عام 2020، استهدفت الحكومة المصرية نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5.9٪. وانعكس الأداء الاقتصادي القوي في احتياطيات النقد الأجنبي التي ارتفعت باضطراد من 24.3 مليار دولار في ديسمبر 2016 إلى 42.5 مليار دولار في الشهر ذاته من عام 2018. و45.3 مليار دولار في أواخر أكتوبر 2019 و45.5 مليار دولار في يناير 2020.
وفي الوقت نفسه، انخفض عجز الحساب الجاري من 20.5 مليار دولار في 2016 إلى 10.2 مليار دولار عام 2019. بينما تراجع تضخم أسعار المستهلك من 23.5٪ عام 2017 إلى 13.9٪ عام 2019.
وذكر التقرير أن الجهود المبذولة لإضفاء الطابع الرسمي على القوى العاملة وتعزيز الشمول المالي بدأت تؤتي ثمارها. حيث ارتفعت نسبة المصريين الذين تبلغ أعمارهم 15 عامًا فأكثر ولديهم حساب بنكي بشكل كبير من 9.7٪ عام 2011 إلى 14.1٪ عام 2014 و32.8٪ عام 2017. ونمو الناتج المحلي الإجمالي في اقتصادات مختارة، 2014 –21%.
إصلاحات قوية
وبعد أزمة العملة في عام 2016، نفذت مصر سلسلة من الإصلاحات لتقوية أساسياتها الاقتصادية. تضمنت التحول إلى سعر صرف مرن لاستعادة التوازن في سوق الصرف الأجنبي. مع إطلاق خطة إصلاح مالي مدتها ثلاث سنوات لتقليص عجز الموازنة الذي تجاوز 10٪ من الناتج المحلي الإجمالي. وكان من أعلى المعدلات بالمنطقة، بالإضافة إلى ما أسمته بـ”تفكيك نظام دعم الوقود باهظ الثمن”. وإنشاء إطار عمل أكثر إنصافًا لأنماط الدعم الاجتماعي، وتعويم العملة.
وتضمنت اتفاقية صندوق النقد الدولي أجندة إصلاح اقتصادي شاملة تستهدف ــمن بين أمور أخرى ــ تخفيض الدين العام في أبريل 2019. وأعلنت وزارة المالية والبنك المركزي عن هدف تخفيض الدين العام المقدر للحكومة من 86٪ من الناتج المحلي الإجمالي. بنهاية يونيو 2019 إلى 72٪ بحلول يونيو 2023.
وذكر التقرير أن دعم الوقود الذي وصفته بـ”الباهظ الثمن” أثر على المالية العامة للحكومة. وكان إلغاءه من الأمور الأساسية لخفض الدين العام التي بدأت عام 2017. وبحلول منتصف يونيو 2019، ألغت السلطات الدعم عن معظم منتجات الطاقة في البلاد. مما أدى إلى وصول البنزين والديزل والكيروسين وزيت الوقود إلى المعيار الدولي للأسعار عبر آليات القياس. بجانب الإصلاحات الاقتصادية، وساعدت تلك الجهود المتنوعة على إرساء الأساس لاستجابات مبتكرة لمكافحة الوباء.
ودللت المؤسسة على ذلك بإبرام 140 صفقة استثمار مع شركات مصرية ناشئة عام 2019. بما يعادل 25٪ من جميع الصفقات بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال ذلك العام. ووضع مصر في المرتبة الأولى من حيث عدد صفقات الشركات التي بلغت 98.5 مليون دولار، بزيادة 3٪ عن عام 2018.
وفيما يتعلق بمواجهة كورونا، يقول التقرير إن مصر مجموعة من الإجراءات التي تهدف إلى وقف انتشار كوفيد-19. بما في ذلك إنشاء مراكز اختبار، وفرض حظر التجول، وإغلاق دور العبادة مؤقتًا وتقييد السفر الجوي الداخلي والدولي. كما أوصت السلطات بأن يعمل الموظفون المدنيون غير الأساسيين من المنزل. كما جمعت بين الصرامة في مواجهة الوباء واستمرار النشاط التجاري من أجل التخفيف من أثره الاقتصادي.
وأشار إلى وضع الحكومة خطة من ثلاث مراحل لإعادة فتح الاقتصاد تدريجياً وإعادة الحياة إلى طبيعتها، مع تخفيف حظر التجول. كذلك أثبت النصف الثاني عام 2020 تحقيق التوازن بين الأولويات الاقتصادية والصحية – أظهرته. على سبيل المثال، من قبل الحكومة التي تطلب من المسافرين إجراء اختبار كوفيد-19 سلبي لدخول البلاد، مع الانتقال إلى إعادة فتح الأماكن الأثرية والسياحية.
ووفقًا لمتتبع الاستجابة الحكومية لـ كوفيد-19 التابع لجامعة أكسفورد، تلقت التدابير التي اتخذتها مصر ضد الوباء تصنيفًا صارمًا قدره 60.2 من 100 اعتبارًا من منتصف ديسمبر 2020. أعلى من تلك الموجودة في السعودية (50) والإمارات (49.1). لكنها كانت مماثلة لتركيا (62.5)، وأقل من المغرب (66.2) والأردن (78.7).
يعتمد التصنيف على قياس مركب من المؤشرات بما في ذلك إغلاق مكان العمل والمدرسة ووسائل النقل العام، القيود المفروضة على السفر. إلغاء الأحداث العامة، قيود على التجمعات الخاصة، وأماكن الإيواء. كما تحركت الحكومة بسرعة لتنفيذ تدابير مالية للتخفيف من الآثار الاقتصادية للوباء عبر حزمة بقيمة 100 مليار جنيه في أواخر مارس 2020. ذهب نصفها إلى قطاع السياحة المتضرر بشدة.
حزمة قوية
ونصت الحزمة على دعم الأسر الفقيرة والمتضررين مالياً من الأزمة، بما في ذلك دعم بقيمة 3 مليارات جنيه بقيمة 500 جنيه لكل عامل متضرر لمدة ثلاثة أشهر. مع تمديد ستة أشهر لسداد أقساط الائتمان لجميع الأفراد والشركات. والقروض الميسرة لقطاع التصنيع.
وذكرت أن الإجراء تضمن أيضًا ما يصل إلى 20 مليار جنيه لبرنامج شراء الأسهم من قبل البنك المركزي. وبموجبه يشتري البنك أسهمًا مدرجة في البورصة لدعم أسعار الأصول وسط تقلبات السوق وعمليات البيع المستمرة. ويعادل ذلك التمويل أكثر من 5٪ من القيمة السوقية لمؤشر البورصة الأوسع نطاقًا “EGX100”.
وخفض البنك المركزي سعر الفائدة التفضيلي من 10٪ إلى 8٪ للقروض الممنوحة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم. في قطاعي الصناعة والسياحة، والأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط للإسكان، كما اتخذ إجراءات إضافية لدعم الاقتصاد خلال الأزمة الصحية. كما تخفيض تكلفة التعاملات بالبورصة المصرية من 0.15٪ إلى 0.125٪ لغير المقيمين. ومن 0.15٪ إلى 0.05٪ للمقيمين، وكذلك المعاملات الفورية المعفاة من رسوم الطوابع. وتمديد تعليق ضرائب الأرباح الرأسمالية للمقيمين على الأوراق المالية المدرجة في البورصة من 17 مايو 2020 إلى 1 يناير 2022. ومنح شركات الصناعة والسياحة مهلة ثلاثة أشهر على الضريبة العقارية.
وقال التقرير إن الإصلاحات المالية والاقتصادية في السنوات الأخيرة وضعت مصر البلاد في وضع يمكنها من اتخاذ الخطوات اللازمة لدعم الاقتصاد عندما ضربها جائحة كوفيد-19، وكذلك. تم تعزيز الاستثمار في فترة ما قبل الجائحة لتعزيز البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وزيادة انتشار الإنترنت بشكل فعال لتسهيل استمرارية الأعمال عبر القطاعات.
وأوضحت مجموعة “أكسفورد للأعمال” أن برنامج مصر الرقمية لتطوير وتعزيز الاقتصاد الرقمي. الذي يركز على تعزيز البنية التحتية وبناء القدرات والإدماج الرقمي والانتقال إلى اقتصاد قائم على المعرفة. يمكن أن يساعد الدعم الحكومي الفعال لقطاع تكنولوجيا لمعلومات والاتصالات والنظام البيئي لريادة الأعمال في تعزيز النمو الذي يقوده القطاع الخاص والذي يعد مفتاحًا لخلق فرص عمل مستدامة.
كما وفر تجزئة الاقتصاد ونظام ريادة الأعمال المزدهر أساسًا للاستجابات المبتكرة للوباء. مع احتمال أن تكون ريادة الأعمال محركًا أساسيًا للانتعاش الاقتصادي وإعادة الابتكار مع انحسار الوباء. فمن الضروري أن يستمر هذا النظام البيئي في تلقي الدعم.
وقالت المؤسسة إنه مع سعي مصر إلى تعافي اقتصادها مع خروجها من جائحة كوفيد-19، ستكون حلول الأتمتة والصناعة. في طليعة تحسين الكفاءة وزيادة القيمة المضافة، إذ يوفر افتتاح المدن الذكية والتحسينات المستمرة للبنية التحتية. واحتمال طرح الجيل الخامس أساسًا متينًا لتحقيق هدف مصر المتمثل في أن تكون مركزًا إقليميًا للتكنولوجيا والاستعانة بمصادر خارجية.
وأوضحت مجموعة “أكسفورد للأعمال” أن التكنولوجيا كانت منذ فترة طويلة في صميم الجهود المبذولة للتحول بعيدًا عن النقد وتحسين الشمول المالي. لكن الوباء حفز على استيعاب المدفوعات الإلكترونية. فالاستفادة من التكنولوجيا لتحسين الوصول إلى الاقتصاد الرسمي والحد من الروتين يشجع المنافسة الصحية ويعزز جاذبية مصر للمستثمرين الأجانب والمحليين على حد سواء.
وأكدت أن مستقبل قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات سيتشكل من خلال جيل الشباب المتمرس بالتكنولوجيا تحت سن الثلاثين، والذي يمثل 60٪ من سكان مصر. وستعمل هذه المجموعة على زيادة الطلب وستكون مصدرًا رئيسيًا للمواهب المؤهلة. وسيساعد التعليم والتدريب في زيادة القوة الشرائية للمستهلكين ودعم الابتكار المستقبلي حيث يصبح هذا الجيل مهيمناً في القوى العاملة.