جاء الخبر مزعجًا، لكنه متمم للصورة التي ترتسم في الأيام السابقة عن حوادث قتل غير مبررة نظريًا لهؤلاء الذين يجلسون في موقع الخبراء والعالمين ببواطن الأمور.
صديقة تقتل صديقتها هكذا الأمر خبر، ستطويه عشرات الأخبار والكوارث التي يمر بها الكوكب، في ذات اليوم الذي نُشر فيه الخبر، رافقته لقطات لتعليقات متبادلة بين الصديقتين عن أبدية العلاقة، وديمومة المحبة.
نعيش مزدوجي الشخصية، حالة فصام عامة، نضحك في الصور ونحن ملئ بالوجع، لكننا نتعامل مع صور الآخرين بضرورة أنهم سعداء، ونحن فقط الموجوعون
لا أعرف لماذا تخرج إلى رأسي تلك الجملة المكتوبة على مرايات السيارات، الأجسام والصور ليست كما تبدو في الحقيقة، ولماذا نعرف ذلك لكننا نتجاهله؟
نعيش مزدوجي الشخصية، حالة فصام عامة، نضحك في الصور ونحن ملئ بالوجع، لكننا نتعامل مع صور الآخرين بضرورة أنهم سعداء، ونحن فقط الموجوعون، نكتب تعليقات لأشخاص لدينا نحوهم ندبات، لكننا نتعامل مع المكتوب من الآخرين على أنه حالة حب خالصة.
حالة الفصام هذه التي تدفعنا لإنكار الحوادث والدهشة، ومصمصة الشفايف.
العلاقة بين النساء شديدة الإرباك، مساراتها متشعبة، ومشاعرها مرتبكة، وعشوائية ومتطرفة، وتعتمد المبالغة سياقًا أساسيًا، بالطبع هناك استثناءات، ولا أطرح تعميمًا، لكنني أتحدث عن الغالبية، النساء يُبالغن بتطرف، وكثيرات منهن حين تحكي عن حب أو كره هي تصدق ما تقول، فهي تمارس المبالغة وتعيشها، ولذلك لا تشعر إزاء صدق المتحدثة بأي كذب أو ادعاء.
النساء يتأثرن بالتفاصيل، فيمكن أن تكتب امرأة عن صديقة لها قصائد غزل، وبطولات في الدعم، وربما أن الأمر كله لأنها اشترت لها خبز من الفرن وهي قادمة، لكن مشاعر الوحدة والنقص الدفينة بداخل كثيرات منا تجعلها تشعر بامتنان أكبر من اللازم لأي دعم، تدفع الكثيرات منا للمبالغة في مشاعرهن، محاولة التشويش على الداخل، وإظهار سعادة وقتية بوصفها سعادة دائمة.
القتل لا يحدث مفاجأة
كثير من التجاهل والتغاضي هو السبب وراء الدهشة والمفاجأة، حين تفسد علاقة ويقع أذى من أحد الطرفين على الآخر، أو كلا الطرفين يؤذي الآخر، فالصديقة التي قتلت صديقتها، أو دبرت وشاركت لقتلها كانت هناك عشرات التفاصيل الكاشفة عن غِيرة وكره ينمو في الأعماق، لكننا لدينا تصورات خاطئة بأن المراجعة قِلة أصل والبعد في الوقت المناسب خيانة، كثيرًا ما نظل في علاقات منهكة حتى لا يُقال عنا أننا “قللات الأصل”، أو ناكري الجميل، وهي أيضًا توصيفات غير دقيقة، فالبعد دون أذى أو تشويه أفضل كثيرًا من الاستمرار في الزيف.
وضع الأحكام بناء على صور وتعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي هو أمر خاطئ بالأساس، فنحن نفس الأشخاص الذين نكتب أن حالات سعادة وبهجة رغم معاناة لا نحكي عنها، أو حتى اتهاماتنا للآخرين بأنهم يحكمون على صورنا رغم أن الله أعلم بحالنا، هذه حالة فصام جمعي نعيشها ولا نتجاوزها.
هؤلاء الذين بكوا الصداقة، واستندوا في كلامهم ومنشوراتهم إلى التعليقات والصور المتبادلة بين الصديقتين، غفلوا عن حالهم، وعن فكرة أساسية أن النساء متدفقات المشاعر، مفرطات التعبير عن الفرح والحزن
هؤلاء الذين بكوا الصداقة، واستندوا في كلامهم ومنشوراتهم إلى التعليقات والصور المتبادلة بين الصديقتين، غفلوا عن حالهم، وعن فكرة أساسية أن النساء متدفقات المشاعر، مفرطات التعبير عن الفرح والحزن، الدعم والتخاذل، باحثات عن علاقات أبدية من وجهة نظرهن، تتصف بما تشعرن به في اللحظة التي يكتبن عنها، لكن ذلك غير حقيقي، لا شيء أبدي.
نفس الطريقة التي تعامل بها الغالبية مع تعليقات وصور ومنشورات الصديقتين تعاملوا بها مع الزوجة التي قتلت زوجها لخلاف دار بينهما في المطبخ.
حالة من التسطيح والتبسيط المخل، التعامل مع البشر عبر الشاشة من مقعد مريح، توصيف العلاقات وتصنيفها سلبًا وإيجابًا، هذه الحالة التي تُرضي الغالبية ولا تورطهم في كشف أنهم يقعوا في ذات الخطأ، وأنهم يفعلون ما يفعله الآخرون وينتقدونه هم.
على مواقع التواصل لسنا مطالبين بأن تأتي صورنا بائسة، أو غاضبين، نحن بالأساس غير مهتمين بتسجيل لحظات الغضب والحزن، الأغلب أننا جميعًا مهتمون بتوثيق لحظات السعادة، لكن سعار مواقع التواصل والتواجد والشهرة خلّف معه حالة من إصدار الأحكام، ومحاولات التعميم،
على مواقع التواصل لسنا مطالبين بأن تأتي صورنا بائسة، أو غاضبين، نحن بالأساس غير مهتمين بتسجيل لحظات الغضب والحزن، الأغلب أننا جميعًا مهتمون بتوثيق لحظات السعادة، نلتقط الصور في المناسبات اللطيفة، وأماكن التنزه، لكن سعار مواقع التواصل والتواجد والشهرة خلّف معه حالة من إصدار الأحكام، ومحاولات التعميم، الكثيرون يرضيهم أن يخرجوا بمقولات لا خير في الزمن، وأنه لا يوجد صداقة، وأن الصديقة قتلت صديقتها من أجل أن تأخذ مكانها من العمل وتستولي على إيراد العيادة، فهل حياة إنسان ثمنها عدة آلاف في أفضل الأحوال لن تتجاوز عشرة آلاف جنيه؟
الأخبار تتوالى، والمصائب تتعدد، وسيضيع خبر الصديقتين وسط سيل الجرائم، وسيظل الكثيرون يحكمون ويصنفون العلاقات من على مقعدهم خلف الشاشة، فالحياة أجمل هكذا من وجهة نظرهم، ولن يتغير شيء.