عادت “الأطراف المجهولة” و”الأصابع الخفية” التي عادة ما ترمز بها الحكومات في أحاديث أزماتها الداخلية، للإشارة إلى أطراف يصعب تحديدهم، إلى الواجهة العربية والإقليمية من جديد، وهو ما تكرر في 3 بلدان عانوا من التغير المناخي خلال فترة الصيف، لكن لم تتخل حكوماتهم عن مفردات الأزمات، حتى لو كانت ظواهر طبيعية غير مألوفة يعيشها قسط كبير من دول العالم.
فمنذ اليوم الأول لاندلاع الحرائق في بلدان متفرقة هي (تركيا، الجزائر، تونس)، ساقت حكومات هذه البلاد رواية الطرف المجهول والأصابع الخفية التي تقف وراء إشعال الحرائق بالغابات، نظرا لتكرارها في أماكن واحدة في توقيت متقارب، بل اتهمت تركيا والجزائر أطرافا بعينها، وألقتا القبض على عناصر يشتبه وقوفهم وراء إشعال الحرائق.
الجزائر تبحث عن أياد إجرامية
خلال الأيام القليلة الماضية اندلعت أكثر من 50 حريقا متركزة في منطقة القبائل قرب العاصمة الجزائر، ووصل عدد القتلى أكثر من 70 شخصا، فيما تشير الاحصائيات إلى احتمالية الزيادة، فضلا عن عشرات الإصابات.
وعلى الفور خرجت مصادر حكومية تتهم عصابات تخريبية وراء الحرائق، خاصة لاندلاعها في وقت واحد ومتقارب.
وقال كمال بلجود وزير الداخلية: «لا أستبعد أن تكون أياد إجرامية قد تسببت في الحرائق»، مبديا تعجبه من اندلاع عشرات الحرائق في نفس التوقيت، زاعما وجود حاقدين على الجزائر يصرَون على تحطيمها بكل الوسائل.
فيما منح الرئيس عبد المجيد تبون، بعداً سياسياً ينسجم مع التلميحات التي تشير إلى وجود فاعل وعناصر تخريبية وراء اشتعال الحرائق بشكل غير مسبوق لم تشهده بلاده من قبل.
ويبدو أن للأزمة أصول أبعد من الحدث الحالي حيث سبق للرئيس “تبون”، أن اتهم جهات مجهولة بإضرام النار في غابات تيبازة، غرب العاصمة العام الماضي.
وفتحت السلطات الجزائرية تحقيقا للوقوف على أسباب الحرائق، وما أن كانت اندلعت بفضل التغير المناخي وارتفاع درجات الحرارة أم بفعل فاعل.
كان تبون أمر بصياغة مشروع قانون يعاقب المسؤولين عن إشعال الحرائق في الغابات، بأحكام تصل إلى 30 عاما في السجن أو حتى السجن مدى الحياة إذا تسبب الحريق في مقتل أشخاص.
تبون لم يسم أشخاصا أو حركات سياسية، لكنه حذر الشعب الجزائري من استغلال منظمتين إرهابيتين هذه الفتنة للتفرقة بين الشعب ومؤسسات بلاده.
وتصنف الجزائر الحركتين الإخوانية رشاد والانفصالية والماك على أنهما إرهابيتان، كما تدرجهما على قوائم الإرهاب بالبلاد.
وتشهد السنوات الأخيرة صراعا أمنيا بين الحكومة والحركات الإخوانية، إذ تعلن الجهات الأمنية كل فترة عن تفكيك خلايا إخوانية تابعة لحركة رشاد، التي تمثل غطاء لميليشيات مسلحة متورطة في العديد من الجرائم.
تعارض رشاد نظام بوتفليقة منذ تأسيسها في 2007 وينطوى تحت أفكارها عدد من السياسيين ومعارضي الخارج، وتتهما تقارير جزائرية بتلقي تمويلات خارجية من تركيا تحديدا.
حرائق الغابات.. كوارث تهدد رئة العالم
حرائق تركيا.. بين غضب الطبيعة وانتقام الساسة
منذ 28 يوليو المنصرم، وقعت أكثر من 214 حريقة، منقسمة ما بين 46 محافظة جنوب غربي البلاد ضمت كلا من (أنطاليا وموغلا ومرسين)، سجلت خلالهم تركيا 6 وفيات وعشرات الإصابات.
بالرغم من اعتياد تركيا على اندلاع الحرائق بشكل سنوي، إلا أن تضاعف المساحات خلال تلك الأزمة فتح الباب على مصراعيه حول الأسباب ومدى احتمالية وجود عناصر تخريبية أشعلت الحرائق عن عمد لتحقيق مكاسب سياسية.
وخلال الأيام القليلة الماضية بدأت أصابع الاتهام توجه إلى أطراف سياسية وجهات معادية لسياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إذ اشار عدد من الساسة المحسوبين على النظام إلى وجود عمل تخريبي من قبل حزب العمل الكردستاني، الذي يقود عمليات مسلحة ضد الحكومة منذ 40 عاما. وتحديدا في 1984 باعتبارهم عمدو إلى إشعال الحريق لدخول البلاد في حالة من الإرباك وزيادة الضغط على آردوغان.
الرئيس التركي مؤمن هو الآخر بهذه النظرية وخرج ليؤكد تلك الشائعات قائلا: “منذ اندلاع تلك الحرائق تساورهم الشكوك بهذا الصدد، وإنهم قاموا بالتحقيق في هذه الجزئية وجرى توقيف عدد من الأشخاص واعتقال آخرين لضلوعهم في هذه الأعمال. وأن في عائلات هؤلاء المعتقلين أشخاصاً لهم صلة بتنظيم “BKK” الإرهابي”، مشددًا في الوقت نفسه على أن جميع تشكيلات الاستخبارات وأجهزة الأمن تواصل تحرياتها في هذه النقطة، ومن ستثبت إدانته سينال عقابه.
صحف تركية داعمة للرئيس زعمت ان جماعة وصيقة الصلة بحزب العمل الكردستاني تدعى “أبناء النار” تقف وراء إشعال الحرائق.
وبحسب صحيفة “يني شفق” فإن كوادر للجماعة المزعومة اعترفت لها أنها من تقف وراء تلك الحرائق، حيث جاء على لسان أحد قيادات الجماعة –لم يتم تسميته – تبنيها للحرائق قائلا: الحكومة التركية لا تفهم لغة أخرى، ولذلك أردنا تركيعها بالنار”.
في الوقت ذاته، ارتفعت أصوات تلمح إلى أن النظام التركي يبحث عن شماعة ليعلق عليه فشله في احتواء الأزمة، لذا عمد إلى تغليفها في أزمة سياسية، مطالبين بمزيد من التحقيقات حول الأسباب الحقيقية وراء الأزمة وتعريف الشعب التركي بشكل يقيني من يقف وراءها.
حرائق تونس.. واتهامات ضمنية لحزب النهضة
لم يتم إغفال دور الارتفاع الحاد في درجات الحرارة في إشعال حرائق تونس، خاصة أنه تم تصنيف مدن تونسية بـ”الأعلى حرارة عالمياً”، لذا كان من الطبيعي أن يتم تسليط الضوء على وقوف التغير المناخي خلف إشتعال الحرائق وكونها سببا رئيسي لتفاقم الأزمة.
إلا أن الأزمة السياسية التي وقعت في الداخل التونسي الأيام القليلة الماضية، وإصدار الرئيس التونسي قرارات وصفت بـ”الثورية”، وإطاحته بحكم حزب النهضة التونسية من خلال حزمة إجراءات سياسية، لفتت الانتباه إلى عدم استبعاد وجود عصابات تخريبية وراء اشتعال النيران بشكل غير مسبوق ولم تشهده البلاد من قبل.
وتعاني العديد من المناطق الجبلية في بعض محافظات الوسط والشمال الغربي في تونس، اندلاع عشرات الحرائق، حيث سجلت منذ بداية شهر يونيو حتى اليوم قرابة 175 حريقاً في الغابات امتدت على مساحة اقتربت من 4875 هكتاراً.
وخرج الرئيس التونسي قيس سعيد ملوحا بأن حرائق غابات جبل عمدون في ولاية باجة (شمال غرب)، تمت بـ”بفعل فاعل يريد الاستفادة السياسية”، زاعما أنه عمل إجرامي مدبر ضد الدولة وأجهزتها”.
فيما خرجت بيانات رسمية من قيادات حكومية في تونس يؤكد ان أكثر من 90% من الحرائق هي بفعل الإنسان نافياً أن تكون كلّها أفعال متعمّدة.
واستند مسؤولون حكوميون إلى تاريخ ممتد منذ عام 2017، عمدت خلاله جماعات تخريبية إلى استخدام الحرائق كأداة ضغط على النظام السياسي التونسي، حيث تم إلقاء القبض على عنصر تكفيري تسبّب حينها في حريق كبير، كما تم إلقاء القبض على مشتبه به خلال الأيام القليلة الماضية في إضرام حريق بمحافظة بنزرت شمال البلاد.
مصالح تجارية وراء حرائق تونس
في الوقت ذاته ظهر متهم جديد في الحرائق المستعرة في تونس، بعيدا عن التغيير المناخي والدوافع السياسية، وهم مافيا الأخشاب، حيث تم تسليط الضوء على أسباب تجارية بحتة وراء الحرائق.
وتداول نشطاء تصريحات حكومية حول وجود لوبي ذو مصالح تجارية عمد إلى افتعال الحرائق لكي ينتفع من الحطب الذي ستفرزه الأشجار، خاصة أنه خلال عام 2020تعمّد عدد من المخربّين قطع 400 شجرة بمحافظة جندوبة من أجل الاستفادة من الأخشاب واستخدامها في أعمال تجارية.
إنذار أحمر للبشرية
اللافت أن هذا يحدث في الإقليم وسط تحذيرات غير مسبوقة أطلقها علماء في الأمم المتحدة من أن تأثير البشر الضار على التغير المناخي “حقيقة لا تقبل الجدال”.
وذكر التقرير أن الانبعاثات المستمرة للغازات الدفيئة قد تشهد أيضا تغيرا في حدود درجات الحرارة الرئيسية خلال ما يزيد قليلا على عقد.
هذا التقرير وصفه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش بأنه بمثابة إنذار أحمر للبشرية.