مشهد 1
الساعة التاسعة ليلا، استراحة أولياء الأمور في المعهد العالي للباليه، تحديدا “وليات” الأمور، فكل من يجلس أو يقف هن أمهات لفتيات صغيرات في صالات التمرين ننتظرهن حتى ينتهين من الدروس التي تتكرر كل أسبوع يوما أو يومين.. وأيام ما قبل الامتحانات تذهبن طوال الأسبوع يوميا، سواء في أيام ممطرة فنتكدس بالداخل نتونس بأحاديث عن التربية وقرارات وزير التربية والتعليم وتبادل خبرات شراء أحذية البالية الجيدة ونخفف الوقت بالضحك والمشروبات الساخنة، أو نذهب في أيام دراسة فتجد كثيرات يشددن الفتيات المرهقات بحقائب المدرسة ويشجعهن على تغيير ملابسهن بينما تضع الطعام في فم ابنتها من علب أحضرتها من البيت.
تجلس الكثيرات منهن يجهزن ملازم تختصر الدروس والواجبات المدرسية حتى تساعد ابنتها في استثمار الوقت. كثيرات يقودن سياراتهن طوال اليوم من المدرسة للتمرين ومن التمرين للبيت، وكثيرات يعتمدن على المواصلات والتبديل بينها على طول الطريق من البيت للمدرسة ومن المدرسة للتمرين ومن التمرين للبيت.. مثلي، لكننا جميعا نتفق على التشجيع ومنح الحب والطعام وإهدار وقتنا بلا فائدة تعود علينا نحن، سوى رؤية فتياتنا سعيدات يتقدمن في أي لعبة أو رياضة أو العزف على آلة موسيقية..
الأسبوع الماضي حصد أبطال أوليمبيون مصريون ميداليات فضية وذهبية وبرونزية، ورائهم ليس فقط مدرب ولا دعم مالي من رجل أعمال فهؤلاء ظهروا فيما بعد- رجل الأعمال يظهر بعد تحقيق الإنجازات وبدء تحقيق البطولات على المستوى المحلي أو العربي.. البداية كانت في الفجر حين كانت تصحو أمهاتهم تعد الفطور وتشجع على الذهاب للتمرين أو الركض أو الأحماء، تركض هي أيضا بين المدرسة والنادي، “تدبيق” فلوس التمرين والأكل الصحي وتوفير اللبن والبيض، غسيل ملابس التمرين على اليدين حتى لا تبوظ من الغسالة ونضطر لشراء غيرها، ساعات طويلة من الطبطبة ومناقشات دعم نفسي وثقة لم تنتهي رغم التعثر أو فقدان الأمل..
مشهد 2
على مواقع التواصل الاجتماعي ينتشر بوست لطالبة من الإسماعيلية تحكي فيه العنف الذي تتعرض له على يد أمها الممرضة ملاك الرحمة، بجانب هجر الأب لأسرته وتطليقه لزوجته ثم سفره خارج مصر وانقطاعه عن الفتاة ورفضه أي محاولة تواصل معها، كانت أمها على الناحية الأخرى تُجيد تعنيف وضرب ابنتها وإجبارها على لبس الحجاب، لم تكن تقبل المناقشة..مجرد المناقشة في مبدأ خلع الحجاب، كانت تكتمها فورا بالضرب والشتائم ثم اختتمت مُجمل أعمالها الفنية التي تفتخر بها كأم قوية متدينة بأن انزلت ابنتها من سيارتها حتى اصبحت أمامها على الطريق ودهستها/ خبطتها فاحدث بها كسورا عقابا لها على رفض الحجاب.. استنجدت الفتاة في البوست بأن يدفع عنها أحد قسوة وعنف أمها، ثم ظهرت الأم في فيديو تدافع فيه عن مبدأها في تربية ابنتها، وتوالت التعليقات التي تدعم موقف الأم.. كثيرون يرون أن التربية هي الضرب والتكسير والتقييد بسلاسل من حديد كما فعل أب بابنته منذ أسبوعين.
كل شيء مباح باسم التربية، مهما تطور المجتمع واطلع على ثقافات أخرى وسافر وعاش بين مجتمعات أخرى يظل كما هو، يختلط الشباب في سفرهم للتعلم أو العمل ويرون المجتمعات المتقدمة كيف تحترم الطفل وكيف تعاقب الوالدين إذا ارتكب أحدهما أي عنف حتى ولو بالتهديد لطفلهما وتصل في حالات كثيرة للإشراف الجتماعي وتربية الأطفال بعيدا عن أهلهم لمجرد أنهم كانوا يربونهم بطريقتنا.
يرى الشباب في هذه المجتعات كيف يحترم الناس معتقدات الأخرين وآراؤهم ولبسهم وطريقة حياتهم.. إلا أنهم رجالا ونساء- يعودون بنفس الفكر ويصدرون على هذه الدول أحكاما من نوعية ” الغرب الكافر” أو “مجتمع متسيب” ويعود ليمارس عنفه تجاه أولاده وتجاه زوجته، وتعود السيدة التي عاشت سنوات طويلة في مجتمع متفتح لتربي ابنها بنفس الطريقة التي سجلت فشلها لسنوات طويلة.. طريقة فاشلة أنتجت أبناء يعانون أمراضا نفسية ينجو منها البعض والبعض الآخر يوجه العنف لأبنائه وهو لا يدري.. دائرة لا تنتهي من القهر والتعذيب باسم الأمومة والأبوة والسلاح الذي يرفع في وجه من يعترض: “ده أنا خلفتك وربيتك هو أنا ما ليش حق عليك؟”
في نهاية المشهد ترتضي الفتاة أن تعود للعيش مرة أخرى مع أمها، لم تجد قانون يحميها ولا مأوى للفتيات اللاتي يتعرضن للضرب، ولا ناس وقفوا جنبها.. فهي في نظر المجتمع ابنة عاقة تُنكرفضل أمها عليها.. ليس لها مكان ولا ملجأ فتضطر للعودة..
زووم أوت/ توتالة يعني: مجتمع يمنح حق الدهس والضرب لسيدة على فتاة لمجرد أنها حملتها واطعمتها وتدفع لها مصاريف المدرسة فبالتالي هي تمتلكها، جيران وأهل وجمهور مواقع التواصل الاجتماعي يدعمون الأم.. دولة لا تحمي الأطفال والمراهقين ولا تفعل بنود قانون الطفل..
مشهد 3
حفل زفاف نيللي كريم، تظهر في الصور مرتدية فستانا شيك رقيق وطرحة وتضع زهور صغيرة على شعرها ومكياج هادئ بجوارها زوجها في بدلة بيضاء ووجه مبتسم مسرور، تنهال التعليقات على الصور بالسخرية لأنها تجاوزت الأربعين ببضع سنوات ولأنها تتزوج للمرة الثالثة ولأن زوجها يصغرها بثمان سنوات، ولأن أبنائها الذين يقتربوا من سن الزواج حضروا الزفاف بل وفرحين بأمهم، كما أنها الفاجرة ترتدي فستانا أبيض.. كيف هذا؟
حسنا يبدو أن المجتمع حصلت له صدمة فالناس أعتادت دائما وأبدا أن من تُطلق تتم معاملتها أنها سيدة درجة تالتة أو رابعة لا يحق لها الزواج إلا برجل به عيب ما، لا أعرف أصل أو سبب تعامل الناس مع المطلقة بهذه الدونية، بينما يتعاملون مع المطلق أنه لا تشوبه شائبة فيحق له الزواج بفتاة لم يسبق لها الزواج، تعود الناس ألا يروا المطلقة تشترط في زيجتها الثانية مهرا أو شبكة.. دي تحمد ربنا أنها لقت حد يرضى بها أصلا.. هتطلب شبكة وفرح واللا إيه؟ اللي هنقدر عليه نجيبه.. كفاية دبلة ومحبس ونبقى كارمينها ونكتب الكتاب ونروح..
فالناس اتخضت حين رأت مطلقة ترتدي فستانا أبيض وتتزوج رجل يصغرها والذي هو أيضا من العجائب، كما أن ولادها واقفين جنبها بيتصوروا وهو في رأي الناس مخالف لطبيعة الأبناء الذكور اللي بيغيروا على أمهم، طبعا الذكور اللي بيغيروا على أمهم وبيرفضوا أنهم يتجوزوا تاني بعد طلاق أو موت والدهم دول مرضى نفسيين أو لم يتربوا أصلا كويس، أمه مش ملكية له تركها له أبوه.. ولا ده معناه أنك راجل وشهم بتغير على أمك.. ده معناه أنك أناني مش عايزها تنبسط وتفضل وحيدة، الناس أتصدمت من كل هذه المفاجآت المتتالية.. بينما في الواقع هم يقدسون التقليل من المطلقة ولو ستتزوج يجب أن تتزوج بطريقة وطقوس معينة وكأنها بالفعل ” معيوبة”.. نيللي كريم لم تخضع لتنميط المجتمع وتزوجت في حفل كله سعادة وبهجة.. أتمنى كل مطلقة تنبسط في زيجتها الثانية وتتشرط وتفعل ما تريده يوم زفافها.