كشف استطلاع رأي أجري مؤخرا في ثلاث دول خليجية عن النظرة الشعبية الإيجابية لسياسيات الرئيس الأمريكي جو بايدن باتجاه المنطقة، باعتباره مناسبا للشرق الأوسط أكثر من سلفه دونالد ترامب، وكذا عدم تغير الموقف المؤيد للتطبيع مع إسرائيل رغم أحداث غزة الأخيرة.
الاستطلاع الذي خرج بالتعاون مع معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، حلل انحيازات وآراء المجتمع الخليجي في ثلاث دول؛ هي السعودية والبحرين والإمارات، بخصوص مجموعة من القضايا السياسية والأمنية والإقليمية، من بينها التغيير من ترامب إلى بايدن، ومدى قبول العودة للاتفاق النووي الإيراني، وضرورة أن تكون هناك علاقات طبيعية مع طهران، ثم تراجع القبول بتيارات الإسلام السياسي ومن بينها جماعة الإخوان.
وتفصح المعطيات الإحصائية عن صورة مخالفة جدًا للمتوقع لكنها (مقنعة)، بحسب معهد واشنطن، بينما تشير إلى قبول شعوب الخليج العربي للسياسات الأمريكية الرئيسية المتعلقة بإسرائيل وإيران وجيرانهم العرب، وعن اعتدالهم المتزايد في القضايا الإسلامية، وكذا استبعاد إمكانية أن يثوروا ضد حكامهم.
ويلفت معهد واشنطن في تحليله للبيانات والنتائج الصادرة، وقدرتها على صناعة السياسات أو التأثير في توجيهات النخب المحلية الحاكمة، إلى أن الأنظمة في تلك الدول ليست ديمقراطية، غير أن الرأي العام مهم لتحديد المعايير العريضة للعمل الحكومي، لذلك تعتبر تبعات ذلك على الاستقرار والشراكة مع الولايات المتحدة وأصدقائها الآخرين في المنطقة مهمة وأقله مشجعة إلى حد ما.
كما توافق نسبة ملحوظة تبلغ ثلاثة أرباع أو أكثر من المستطلَعين في كل دولة على الطرح التالي؛ في الوقت الحاضر، الإصلاح السياسي والاقتصادي الداخلي أهم لبلادنا من أي قضية متعلقة بالسياسة الخارجية، لذا يجب أن نبتعد عن أي حروب خارج حدودنا. لكن الرغبة في الإصلاح الداخلي لا تشمل الاحتجاج الشعبي. فقد وافق ما يناهز الثلاثة أرباع من المستطلعين في الدول الثلاثة على الطرح القائل: “من الجيد أننا لا نشهد تظاهرات ضد الفساد كتلك التي نشهدها مؤخرًا في لبنان والعراق وبعض المناطق الأخرى”.
كما طلب من المستطلعين اختيار أهم اثنتين من أولويات السياسة الأمريكية في منطقتهم، وعليه، انقسمت الإجابات بالتساوي بين الخيارات الأربعة المطروحة وقد “اختار حوالي ربعهم (الدفع باتجاه حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي)، كخيارهم الأول، في حين اختارت نسب متساوية تقريبًا أهدافًا أخرى، تمثلت في احتواء إيران وإنهاء الحروب في اليمن وليبيا) أو –وهذا مفاجئ أكثر- (تعزيز حقوق الإنسان والديمقراطية)”.
“بايدن المناسب للشرق الأوسط”
وفي ما يخصل الموقف من واشنطن، يرى ما يزيد عن النصف في الدول الثلاثة أن التغيير من ترامب إلى بايدن “مناسب للشرق الأوسط، في تناقض صارخ آخر مع النخب المحلية المسيطرة. وكما في الاستطلاعات السابقة، يعتبر أقل من النصف بقليل أن العلاقات الجيدة مع واشنطن مهمة، وهي نسبة تعادل تقريبًا النظرة إلى الصين خلال السنوات الأخيرة، وتزيد بعض الشيء عن روسيا”.
الباحث المتصص في الشأن الخليجي ومدير السياسات بمركز الإنذار المبكر للدراسات الاستراتيجية، الدكتور أحمد الباز، يوضح أن أي حديث عن علاقات جيدة مع إيران أو ممارسة الحقوق السياسية سيرفع من نسب القبول بشكل عام، لكن بالتدقيق في هاتين النقطتين نجد أن السبب في دفعها للأمام إنما يرتبط بالبحرين، التي تحوز أغلبية شيعية.
وبالتالي، فإن الموقف من إيران يتخطى حتى الموقف الإيجابي نحو رغبة في تدشين تحالف مع إيران لو سنحت الفرصة، وفقا للباز في حديثه لـ”مصر 360″، وهو نفس السبب الذي يرفع من مستوى التطلع في ممارسة حقوق سياسية باعتبار أن البحارنة الشيعة في نفس الوقت يتطلعون للحصول على موقع مناسب بالمملكة يتناسب مع أعدادهم وكونهم مكون رئيسي في البلاد.
وإلى ذلك، يشير المعهد الأمريكي إلى أن الاستطلاع الذي نفذ بواسطة مقابلات شخصية مع عينة عشوائية من ألف مواطن من كل دولة، كشف عن جملة “مفاجآت”، من بينها “أن الاتفاق النووي المتجدد مع إيران، والرئيس جو بايدن، يحظيان الآن بدعم الأغلبية الضيقة على الأقل. كما أن الصراع الأخير في غزة لم يقلل من تأييد التطبيع مع إسرائيل، البالغة نسبته 40 في المائة تقريبل.
ويضاف إلى ذلك أن التعاطف مع “التفسير المعتدل للإسلام” آخذ في الازدياد، في حين أن تأييد جماعة “الإخوان المسلمين” آخذ في التناقص”.
غير أن الاستنتاج الحاسم الأول الذي توصلت إليه الاستطلاعات، بحسب المعهد الأمريكي، هو أنه “وفي تناقض حاد مع معظم أقاويل النخبة والرسائل الإعلامية الرسمية في تلك الدول الخليجية العربية، يعتبر أكثر من 60 في المائة من الشعب في كل دولة أن إعادة تفعيل الاتفاق النووي مع إيران سيؤثر إيجابيًا على المنطقة. لكن الملحوظ هنا هو أن رأيهم هذا لا يعود إلى كونهم يرون العلاقات الجيدة مع إيران مهمة لبلدهم، وهو موقف عشرة في المائة فقط من المواطنين في كل من السعودية والإمارات.
وبينما سُجلت النسبة نفسها بين سنة البحرين، غير أنها ارتفعت بين الغالبية الشيعية في الجزيرة البحرينية إلى 37 في المائة. لكن بشكل عام، وفي ما يتعلق بمجموعة واسعة من القضايا الجدلية، لم تلحظ سوى اختلافات بسيطة في المواقف بين السُنة والشيعة في الدول الثلاث، وهو ما وصفه معهد واشنطن بـ”غير المتوقع”.
ومن بين الأمور التي تبدو غير متوقعة، وفقا للمعهد الأمريكي، هو الاستنتاج أن النزاع المسلح الذي نشب بين إسرائيل وحماس لم يترك تأثيرًا يذكر على المواقف تجاه أي من الطرفين. ففي استطلاع سابق أجري في نهاية عام 2020 “كانت نسبة 40 في المائة تقريبًا في كل دولة تؤيد “اتفاقيات أبراهام” مع إسرائيل، وكانت نسبة مماثلة تقريبًا تتقبل “الاتصالات التجارية أو الرياضية مع الإسرائيليين”. وبالكاد تغيرت هذه النِسب في هذا الاستطلاع الأخير الذي أجري بعد أسابيع قليلة على انتهاء العدوان في غزة”.
ويردف: “في كل من السعودية والإمارات، أعرب أقل من ربع المستطلَعين عن رأي إيجابي “نوعًا ما” تجاه “حماس” اليوم. لكن هذه النسبة ترتفع، لأسباب مجهولة، إلى 44 في المائة في البحرين، حيث يقول 53 في المائة أيضًا إن إطلاق حماس للقذائف والصواريخ على إسرائي” سيكون له تأثير إيجابي “نوعًا ما” على الأقل على المنطقة ككل”.
“الخط العام لجمهور الخليج لا يفضل الحرب”
ويعقّب الباحث المتصص في الشأن الخليجي ومدير السياسات بمركز الإنذار المبكر للدراسات الاستراتيجية على ذلك، بأن الخط العام لجمهور الخليج لا يفضل الحرب، موضحا لـ”مصر 360″ أنها “مجتمعات اقتصادية في الأساس، والحرب عدو للتجارة، وكون إيران قريبة من تلك المنطقة الهامة فإن هذا الجمهور يتطلع لسلام مستدام دون التدخل في شؤون الأخر. وهو ما يفسر الرغبة في العودة للاتفاق النووي، خصوصا أن عقود من العقوبات لم تثن إيران عن قيامها بتهديد دول الجوار”.
كما أن الحرب في غزة لم تسهم في تغيير الموقف من التطبيع، ذلك أن الأمر مرتبط بالإخوان المسلمين، وكون حماس مرادفاً لهم في العقل الجمعي، بحسب الباز، ونظراً لأن هناك مشروعاً واضحاَ في دول الخليج بالتصدي للإخوان المسلمين فإن النتيجة التي توصل لها الاستطلاع تبدو منطقية.
وبسؤاله عن مدى صحة اعتبار أو توصيف نتائج الاستطلاع بأنها تبدو مباغتة للبعض أجاب: “السبب في ذلك وجود وجهات نظر مسبقة وجامدة عن منطقة الخليج سياسة وسكاناً، تحاول بعض الجهات الأجنبية منذ فترة الوصول لحالة من الفهم العميق لمنطقة الخليج ولا زالت هذه المحاولات في طور البدايات، على عكس وجهات النظر العربية تجاه تلك المنطقة التي تتسم بهذا الجمود وعدم الوعي بالمتغيرات التي تحدث بمنطقة الخليج. فعلى سبيل المثال قد تبدو نتائج هذا الاستطلاع مباغته إن تم أخذه على عواهنه وإن لم يتم التدقيق في جغرافيا العينات”.