ارتفعت حدة التوتر الحدودي بين إسرائيل ولبنان بعد إعلان حزب الله مسؤوليته عن القصف الصاروخي الأخير على الحدود الشمالية لإسرائيل في إطار سلسلة من الهجمات المتبادلة بين الطرفين.
وعلى أثر ذلك تقدم مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة “جلعاد إردان” بشكوى رسمية ضد لبنان بوجه عام وحزب الله بصورة خاصة. ووصف الهجوم بأنه إرهابي واعتبره محاولة من جانب حزب الله لجذب إسرائيل لحرب مفتوحة. كما أنه يشير إلى ارتفاع مستوى التسليح لإيران وشركائها بالمنطقة مما يستوجب تدخل مجلس الأمن لتطبيق قرار رقم 1701 الساري منذ حرب يوليو (تموز) 2006. ومن الجلي أن هذه التصرفات تبعث برسالة من حزب الله لمحاولة تغيير قواعد الاشتباك مع الحفاظ على معادلة الردع في مواجهة إسرائيل.
دلالات الهجوم
حدث نوعي:
تشير هذه العملية إلى محاولة تغيير ديناميات المواجهة بين إسرائيل وحزب الله. إذ أنها أول هجوم مباشر يشنه حزب الله ضد إسرائيل بعد مرور 15 عاما منذ حرب لبنان الثانية عام 2006. والتي انتهت بموجب قرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن الدولي. الذي أرسى قواعد الاشتباك بين الطرفين. ومن ثم ظل الخط الأزرق -الحدود المعترف بها دوليًا بين إسرائيل ولبنان- هادئًا إلى حد كبير خلال عقد ونصف منذ الحرب. ويأتي هذا التصعيد بمخالفة واضحة لقرار مجلس الأمن، وبمثابة محاولة من حزب الله الإشارة إلى قدرته واستعداده على شن حرب ضد إسرائيل.
قوة حزب الله
لم يخش حزب الله إصدار بيان يتبنى فيه الهجوم على المواقع الإسرائيلية كمحاولة لاستعراض قوته العسكرية في مواجهة خصومه الإقليميين وبخاصة إسرائيل. حيث استطاعت ميليشيات حسن نصر الله تحقيق مكاسب استراتيجية على مدار السنوات الأخيرة. ووفقا لتقديرات الاستخبارات الإسرائيلية عام 2020، فقد ارتفعت ترسانة الأسلحة الخاصة بقوات حزب الله لما يتراوح بين 100-150 ألف صاروخ. بما يظهر قدرته على توجيه ضربات يومية نحو أهداف استراتيجية خاصة بالمنشآت الإسرائيلية. كما تضم ترسانته صواريخ يتراوح مداها بين 15 و700 كيلومتر. وصواريخ مُجنّحة يصل مداها إلى 200 كيلومترات، فضلا عن طائرات بدون طيار قادرة على الوصول إلى مدى 400 كيلومتر.
الضغط على الولايات المتحدة:
بالنظر إلى أن حزب الله يعد من أهم أذرع إيران في المنطقة ويعمل وفق أجندتها، فهو يمثل تهديدا مباشرا لإسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة. وبالتالي فإن إيران تمارس سياسة الضغوط الابتزازية مستهدفة من هذا الهجوم. بعث رسائل سياسية عسكرية إلى الولايات المتحدة مفادها الإشارة إلى قدرتها على زعزعة الاستقرار خاصة في الظرف الراهن. بهدف الوصول إلى اتفاق يناسب الطموحات الإيرانية، إذ أن كلا الطرفين بصدد بدء الجولة السابعة من مفاوضات فيينا بشأن الاتفاق النووي الإيراني. حيث انطلقت 6 جولات من اللقاءات بين الدول الغربية وإيران برعاية الاتحاد الأوروبي. ومشاركة غير مباشرة من الولايات المتحدة بهدف الوصول إلى توافق يعيد إحياء الاتفاق الذي تهاوى منذ العام 2018.
مواجهة حذرة
اتبع كلا الطرفين سياسة ضبط النفس في هذا الهجوم منعا للانزلاق إلى تصعيد مباشر، وتشير التقديرات العسكرية إلى تفوق في الميزان العسكري لحزب الله مقارنة بوضعه السابق. ويشار إلى أن هذه الهجمات لا ترقى إلى مستوى التصعيد لاعتبارات تتعلق بالجانبين.
الجانب الإسرائيلي
تجنبا لحرب مفتوحة على جبهتين في سوريا ولبنان
وفقا لتصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي السابق في فبراير 2021، أنهم يستهدفون إبعاد إيران عن سوريا خلال ذلك العام، وفي هذا السياق. وجهت إسرائيل عدة ضربات إلى المواقع العسكرية للحزب في منطقتي “السفيرة” و”القصير” في ريفي حلب وحمص. التي تضم معامل الدفاع والبحوث العلمية، إضافة إلى قواعد للحرس الثوري الإيراني وقوات أخرى موالية لإيران في تلك المنطقة. بجانب مخازن ومستودعات للأسلحة والذخيرة والصواريخ، تابعة لـحزب الله، في مطاري الضبعة والشعيرات العسكريين. والتي أعقبها الرد من جانب حزب الله بتوجيه ضربات مباشرة من جنوب لبنان نحو منطقة مزارع شبعا. وهي المنطقة المتصلة بالجولان السوري، أي أن هذه الضربات المتبادلة قد تجر الطرفين إلى مواجهة مفتوحة في أماكن تمركزه مما يشتت القوات الإسرائيلية.
الأزمة اللبنانية
تشهد لبنان منذ سنوات أوضاع غير مستقرة آلت إلى أزمات متفاقمة مثل أزمة الوقود وانقطاع التيار الكهربائي وهبوط الليرة إلى نسبة 70% من قيمتها أمام الدولار. كما قفز حجم الديون إلى حاجز 90 مليار دولار، بالإضافة إلى فشل تشكيل حكومة مستقرة الذي دفع المواطنين إلى الاحتجاج في الشارع مما ينذر بانفجار اجتماعي. قد يؤدي إلى انهيار أركان الدولة بأكملها، والذي بدوره يمثل فرصة ثمينة أمام حزب الله لبسط كامل هيمنته على الدولة في ظل تراجع القدرات الأمنية الوطنية. وفي المقابل يعمل الحزب على توسيع قدراته من الأسلحة والصواريخ. والذي يمثل تهديدا مباشرا تجاه إسرائيل في ظل احتمالات انهيار الدولة اللبنانية ومساعي الحزب نحو اختراق العمق الإسرائيلي. لمقارعة إسرائيل بساحة جديدة تضاف إلى سوريا والعراق، مما يضيف إلى الوزن النسبي حاليا لموقف حزب الله. ويدفع إسرائيل إلى التروي في تحركاتها.
خسائر متتالية
كشف العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة –الذي استمر 11 يوما، في الفترة ما بين 10 -21 مايو- عن مواطن ضعف منظومة الدفاع الإسرائيلية “القبة الحديدية”. ومحدودية قدراتها على مواجهة كافة الضربات بجانب الإخفاق على الجبهة الداخلية الإسرائيلية. مما يضيف عبء جديد على القوات الإسرائيلية بإعادة ترتيب نفسها في مناطق الصراع. لذلك فإن إسرائيل غير مستعدة في الفترة الحالية على الانجراف في مواجهة حزب الله وأعوانه.
حادث السفينة الإسرئيلية
تعرضت سفينة إسرائيلية “ميرسر ستريت” في 29 يوليو إلى هجوم أثناء عبورها قبالة سواحل بحر عمان الذي يمثل نقطة عبور استراتيجية لناقلات النفط. مما أسفر عن مقتل شخصين. وبعض الخسائر المادية، وعقب ذلك، أصدرت القيادة المركزية للجيش الأمريكي بيان يكشف تورط إيران في هذا الحادث. من خلال طائرتين بدون طيار، ويعتبر هذا الحادث بمثابة الهجوم الخامس على سفينة ذات صلة بإسرائيل. مما يرفع من مستوى المخاطر في مياه الخليج، ويعجز إسرائيل عن اتخاذ أي قرارات تصعيدية في مواجهة إيران.
مشكلات داخلية
تعتبر إسرائيل في فترة حرجة من تاريخها، إذ تواجه عدد من المشكلات الخارجية وكذا على المستوى الداخلي. حيث إن حكومة بينيت لاتزال غير مستقرة ولا تحظى بدعم كبير من أعضاء الكنيست إذ تشكلت بعد 4 جولات انتخابية مما يعكس عمق التناقضات داخل الائتلاف الحكومي الجديد. هذا بجانب الضغوط التي تعاني منها الدولة في الفترة الحالية وحربها المفتوحة مع أعدائها الإقليميين. بالإضافة إلى أن الاقتصاد الإسرائيلي تعرض إلى انتكاسات نتيجة تداعيات جائحة كورونا. إذ سجل في الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري انكماشا بنسبة 3%، كما تسجل البطالة نسبة عالية بما يقارب 22.6%.
أهداف حزب الله
الحفاظ على مكاسبه في المنطقة
في إطار الحرب الدائرة بين إيران (حزب الله) وإسرائيل، استطاعت قوات حزب الله تحقيق مكاسب واسعة على مدار 10 سنوات في سوريا ولبنان. وبالتالي فهي لا تريد التورط في حرب متعددة الجبهات قد تخسر فيها ما حصلت عليه من مكاسب. وهو ما يفسر الهجمات الأخيرة، حيث استهدفت مناطق مفتوحة وغير مأهولة في هار دوف. إذ أن حزب الله لن يفرّط بأوراق القوة التي لا يزال يمسك بها.
تراجع المزاج الشعبي
على الرغم من المكاسب السياسية التي يحققها حزب الله خلال الآونة الأخيرة، فهو يواجه رفضا كبيرا من المواطنين في لبنان خاصة بعد انفجار مرفأ بيروت أغسطس 2020. بالإضافة إلى ما يعانيه الشعب حاليا من معاناة لتأمين لقمة العيش. وهو ما ألقى الشعب بمسؤوليته على أعضاء حزب الله وحركة أمل. وبالتالي فإن الحزب لا يتمتع بظهير شعبي قوي يمكنه من شرعنة هجماته، بل على العكس، اعترض المواطنين اللبنانيين على الحادث الأخير ورفضوا جر لبنان إلى حرب مواجهة مع إسرائيل.
إتمام الاتفاق النووي
استأنفت المفاوضات بين إيران والقوى الكبرى في فيينا منذ أبريل بغية الوصول إلى آلية مناسبة لأجل عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي. ويعول الرئيس الجديد “إبراهيم رئيسي” على إنجاح المفاوضات بغرض الحصول على الدعم الشعبي. وفك الحصار على إيران، ورفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، وتخفيف الضغوط المالية. لذلك فلا تستهدف إيران (حزب الله) الدخول في حرب مباشرة مع حليف الولايات المتحدة (إسرائيل). وتكتفي بالمناوشات كإشارة إلى قدرتها وفي نفس الوقت جذب الولايات المتحدة للوصول إلى تسوية ملائمة.
مشكلات الداخل الإيراني
تعاني إيران الفترة الحالية عديد من الأزمات، في ظل تولي حكومة جديدة، بالإضافة إلى أن هناك نحو 9.2 ملايين شخص عند حد الفقر. ومليوني شخص في فقر مدقع، وأفاد البنك الدولي أن الاقتصاد الإيراني ينكمش بنسبة 8.7%. إضافة إلى مشكلة المياه والكهرباء في الآونة الأخيرة، مما دفع المواطنين إلى التظاهر، واتساع احتجاج الأحواز الذين خرجوا رفضا لسياسات نظام الملالي. في إشارة واضحة إلى ضعف النظام الإيراني على إدارة البلاد، وهو ما يعني انشغال القيادة الإيرانية بمواجهة الاحتجاجات الداخلية. وعدم استعدادها على إشعال حرب مفتوحة مع إسرائيل.
توترات محتملة
من الواضح أن الحكومة الجديدة في إسرائيل تتبع دبلوماسية غير صدامية، على غرار نهج إدارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن”. كما صرح المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي “أمنون شيفلر” بأن إسرائيل لا ترغب في التصعيد على الحدود مع لبنان ولكنها مستعدة لذلك. في إشارة إلى عدم الرغبة في الانجرار إلى حرب مباشرة مع إيران في الوقت الحالي.
وفي حالة قيام حزب الله تصعيد حجم عملياته، قد يتعرض الجانبين إلى خسائر غير محتملة خاصة في ظل حكومة غير مستقرة لكلا الطرفين. لاسيما وأن وزير الدفاع الإسرائيلي “بيني غانتس”، وجه برسالة إنذار إلى حزب الله بألا يختبر القدرات الإسرائيلية.
ويسعى حزب الله لتوسيع مكاسبه خلال الفترة الحالية مستغلا تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية في مناطق تمركزه لاسيما سوريا ولبنان. وهو ما تدركه إسرائيل في الوقت الحالي، لذلك فهي تحاول تقليص الدور الإيراني من خلال حشد المجتمع الدولي ضد تصرفاتها العدوانية في المنطقة. هذا بجانب عدم رغبة كل جانب لشن حرب لن يستطيع كلا منهم السيطرة على مداها. وإنما سيكتفي حزب الله وإسرائيل ببعض المناوشات في حدود قواعد الردع القائمة.