كما يحلم الأطفال بزيارة مدينة ديزني (Disneyland) والمراهقون بالحياة في مدينة غوثام(Gotham City) الخيالية التي ولد بها باتمان والجوكر وروبن هود، فجبال أفغانستان ستظل حلم المراهقين من أبناء تيار الإسلام السياسي، هكذا خلقها الأمريكان وستظل لفترة طويلة للأسف، فهناك فقط يمكنك أن تلعب كل ألعابهم كما وردت في خيالات حسن البنا وسيد قطب وأبو الأعلى المودودي.
خيال سيد قطب وأسلوبه الأدبي تحول إلى حقيقة بفضل عبد الله عزام الفلسطيني الحركي صاحب القدرات التنظيمية العالية، وبتمويل سعودي ومباركة السادات ودعمه، وبتوفيق وتخطيط ورعاية المخابرات الأمريكية.
” جند الأفغان حاملين قرآن بيوروا العالم إسلامنا.. بعقيدة حديد وبعزم شديد خلّوا السوفيت قالوا حرمنا “
هكذا كان يهتف خالد فتح الله منشد (مغني) فرقة “الصراط المستقيم”للأفراح الإسلامية “في أول فرح إسلامي حضرته عندما كنت طفلا فى عرب الحصن بالمطرية سنة 1989. في الزفة التي كانت تخرج من المسجد وتجوب الشوارع للوصول إلى بيت العريس .
الفكرة الرئيسية التي نشأت الجماعات الإسلامية عليها وبسببها تتمثل في أن الإسلام في خطر ولابد أن نحميه عن طريق تكوين جماعات تهدف لإقامة الخلافة الإسلامية وحكم العالم، وهذا ما يسميه الإخوان المسلمون (أستاذية العالم).
وهذا هو الطعم الذي تصطاد به الجماعات الإسلامية الشباب، فأول خطوة في تجنيد واستقطاب الشباب هي إقناعهم أن هناك مؤامرة على الإسلام والطريقة الوحيدة لإنقاذ الإسلام هو الانضمام لهذه الجماعات والسمع والطاعة لقياداتها للدفاع عن الدين.. هنا تنمو في خيال هذا الشاب الصورة الخيالية للمجاهد المستمدة من كتب التراث، عن المقاتل ذي اللحية الطويلة والجلباب القصير يحمل سلاحا يقاتل به أعداء الله، ويحلم بالشهادة والحور العين.
أتذكر جيدا عروض أفلام الفيديو فى التسعينات عن الجهاد الأفغاني التي كانت تتم في مساجد الإخوان بعد صلاة الجمعة وعقب خطبة عصماء عن الجهاد وتلك الأناشيد الحماسية التي كنا نرددها.
كما لا يمكن أن أنسى مؤتمرات دعم ومساندة المجاهدين الأفغان التي كانت تنظمها لجنة الإغاثة الإنسانية في مقر نقابة الأطباء وحضور أمراء الجهاد الأفغاني وقتها كمتحدثين: قلب الدين حكمتيار وبرهان الدين رباني.
كما كان كتاب «آيات الرحمان في جهاد الأفغان» لعبد الله عزام تأثير السحر في تجسيد هذه الصورة الذهنية في خيال المراهق الإسلامي وحكاياته عن الشهادة والملائكة التي تقاتل مع المجاهدين ضد الملحدين وجثث الشهداء التي تطير في السماء ولا تتعفن، وجثث الروس أعداء الله التي تأكلها الكلاب.
عبد الله عزام الإخواني ذو التوجه السلفي الذى يعد الأب الروحي للسلفية الجهادية، ولد عام 1941 في الضفة الغربية، وخرج منها أثناء نكسة 67، ووصل إلى الأردن وشارك في العمل المسلح على حدود الأردن ضد العدو الصهيوني.
عزام تلميذ سيد قطب الذي تربي علي كتبه ولم يلقه، لكنه عندما انتقل إلى القاهرة عام 1971، تواصل مع عائلة قطب فالتقى بـ أمينة قطب زوجة كمال السنانير القيادي الإخواني الذي أقنعه فيما بعد بالسفر إلى أفغانستان، ومحمد قطب الذي سافر إلى أمريكا مع عزام عام 1977 وزميله في العمل في السعودية عام 1981 .. كان عبدالله عزام هو الذى جند أسامة ابن لادن وكان همزة الوصل بين كل رموز وأقطاب الإسلام السياسي.
لاعتبارات سياسية كثيرة أهمها الإرادة الأمريكية لمواجهة الصين وروسيا، ستظل أفغانستان لفترة ليست بالقصيرة قطعة السكر التي ينجذب إليها مهاويس المشروع الإسلامي كالنمل وستظل هي المكان النموذجي لممارسة دجل الإسلام السياسي كنقطة الانطلاق إلى إقامة الخلافة الإسلامية وأستاذية العالم، خاصة مع ترويج قناة الجزيرة لمشهد المجاهدين المنتصرين أصحاب اللحية الطويلة والجلباب القصير حاملين الأسلحة أثناء دخولهم القصر الرئاسي في كابول وإعلان دولتهم وعلينا أن نفكر ونعمل جميعا كأفراد ومؤسسات وبخاصة مؤسسات الدولة المعنية بالتعليم والثقافة والإعلام والأزهر والأوقاف والمجتمع المدني للعمل على تبصير الشباب وتوعيتهم بحقيقة هذه الأوهام.