بعد مرور 11 عاما. أعلنت وزارة قطاع الأعمال العام عن توقيع اتفاق تسوية نهائي يحسم النزاع مع المالك السابق لشركة طنطا للكتان للزيوت والصابون “عبد الإله الكحكي” والشركة القابضة للصناعات الكيماوية. الخاص بتنفيذ حكم محكمة القضاء الإداري الصادر في العام 2011. الذي يقضي بعودة الشركة للقطاع العام. تنفيذا لقرارات اللجنة الوزارية لتسوية منازعات عقود الاستثمار المعتمدة من مجلس الوزراء.
العديد من الدعاوي القضائية والمفاوضات استمرت على مدار تلك السنوات حتى اتخذ قرار تسليم ” طنطا للكتان”، للشركة القابضة للصناعات الكيماوية.
11 عاما
يتساءل عمال شركة طنطا للكتان الذين يشعرون بانتصار، لم يخلو من المرارة، هل كنا في حاجة لكل تلك السنوات وما تم خلالها حتى يعود الحق لأصحابه؟.
جمال عثمان أحد القيادات العمالية والنقابي العمالي السابق، الذي استمر بجانب زملائه كل تلك السنين حتى يتمكنوا من تنفيذ الحكم ويستعيدوا شركتهم، يقول: منطوق الحكم واضح تماما لا يوجد به أي لبس، وينص : عودة الشركة للقطاع العام وبكافة العاملين بها قبل توقيع العقد”، وتم تأييده مره أخرى من المحكمة الإدارية العليا، بعد قرارات الفصل والخروج على المعاش المبكر والعديد من الأحكام والمظاهرات والإضرابات، بعد خسارة الشركة على مدار سنين خسائر فادحة.
وأضاف: أخيرا صدر القرار بتنفيذ الحكم. وستعود طنطا للكتان للإنتاج حتى لو كان بعمال غيرنا. وأتمنى من الدولة أن تضخ بها استثمارات. لما لها من أهمية ليس فقط على مستوى مصر بل والشرق الأوسط.
لسنا ندمانين على السنوات التي شردنا فيها وعن الإهانات والبهدلة، هذا مصنعنا وهذه صناعتنا التي لا نعرف غيرها وكانت تستحق كل هذا العناء، وكل عمال الشركة الذين غادروها غصب، سوف يعودوا لها بالعدل.
قرار وزارة الأعمال العام
انتهت أزمة شركة طنطا للكتان، لكنها ليست الوحيدة، مثلها العديد من الشركات الحاصلة على أحكام بالعودة إلى القطاع العام. ولم تنفذ تلك الأحكام حتى الآن. فهل سيكون لذلك القرار تبعات على باقي الشركات الحاصلة على أحكام بالعودة؟
وتعود أزمة تلك الشركات، منذ بداية تسعينيات القرن الماضي. عندما فتح الباب على مصرعيه للخصخصة، وبيع مصانع القطاع العام. وتخلي الدولة عن دورها تجاه الصناعة، وتركها للاستثمار المحلي والأجنبي، يفرض شروطه ويضع سياساته ليس فقط تجاه العمال ولكن تجاه الاقتصاد والصناعة عموما.
فساد عقود البيع
قضية عودة الشركات للقطاع العام استندت بالأساس على فساد عقود البيع التي تمت. وإهدار حق الدولة والعمال أثناء البيع، لو حاولنا تتبع عملية بيع شركة مثل طنطا للكتان، سنجد أن الشركة قد تم تقييمها في العام 1995 بمبلغ 211 مليون جنيه. حيث كانت تضم 10 مصانع. تضم مساحة شاسعة من الأراضي الخالية من المباني. بخلاف المواد الخام والمكن. وعلى الرغم من ذلك تمت صفقة البيع في العام 2005 للمستثمر السعودي عبد الإله الكحكي بمبلغ 83 مليون جنيه.
لم يكن القرار بالهين ولا جاء على طبق من فضة للعمال بعد حكم المحكمة. لكن جاء بعد محاولات عديدة من العمال اسمرت لسنوات. والضغط على وزارة الاستثمار والشركة القابضة للصناعات الكيماوية ومجلس الوزراء والنقابة العامة للصناعات الكيماوية. وأخيرا جاء القرار من وزارة قطاع الأعمال العام.
ومما جاء في القرار الذي نشره علي موقع الوزارة: بهذه التسوية يتم إسدال الستار على منازعات استمرت نحو 10 سنوات، وبمقتضاه يلتزم المستثمر بنقل كامل حصته في أسهم شركة طنطا للكتان والزيوت للشركة القابضة للصناعات الكيماوية. وقيام وزارة المالية بسداد مبلغ التسوية للمستثمر.
وبحسب القرار: كانت اللجنة الوزارية لتسوية منازعات عقود الاستثمار. وافقت على مشروع اتفاق تسوية المنازعة القائمة بين الشركة القابضة للصناعات الكيماوية وورثة عبد الاله صالح كعكي، وشركة النوبارية لإنتاج البذور وشركة النيل للاستثمار والتنمية السياحية والعقارية. وتفويض رئيس الشركة القابضة للصناعات الكيماوية في التوقيع على اتفاقية التسوية
وكان مجلس الوزراء اعتمد في 14 يوليو الماضي. قرارات اللجنة الوزارية لتسوية منازعات عقود الاستثمار المنعقدة والصادرة قبلها بيوم واحد. فيما يخص اتفاق تسوية المنازعة القائمة بين الشركة القابضة للصناعات الكيماوية ومستثمر مشتري أسهم شركة طنطا للكتان والزيوت.
تسلسل الأحكام وبداية النزاع
بدأت النزاعات بين المستثمر السعودي عبد الإله الكحكي. عندما فصل 9 عمال على خلفية إضراب حدث في عام 2008. ثم بدأت موجة جديدة من الإضرابات داخل الشركة عامي 2009 و2010. ضمن حراك اجتماعي واسع شارك فيه الآلاف من عمال مصر على مستوى القطاع الخاص والعام على حد سواء. للمطالبة بتحسين أوضاعهم المادية وتعديل عقود العمل وعودة المفصولين، وغيره.
وبعد استمرار التظاهرات والإضرابات تم توقيع اتفاقية عمل في 30 يونيو 2010. تقضي بخروج 600 عامل على المعاش المبكر. مقابل مبلغ 50 ألف جنيه لكل عامل دون النظر للسن أو الخبرة أو المدة.
بعدها بأشهر وبعد قيام ثورة 25 يناير 2011. أقام العمال دعوى قضائية في محكمة القضاء الإداري في 21 سبتمبر من العام نفسه. حملت رقم 34248 لسنة 65 ق. طالبوا فيها بعودة الشركة للقطاع العام. وأقام الدعوى نيابة عن العمال، المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والمحامي العمالي ومدير المركز آنذاك خالد علي.
وحصل العمال على حكم بعودة الشركة للقطاع العام من دائرة الاستثمار بمحكمة القضاء الإداري برئاسة المستشار حمدي ياسين عكاشة نائب رئيس مجلس الدولة في 12 سبتمبر 2011.
ثم قامت الشركة القابضة للصناعات الكيماوية ومجلس الوزراء ووزارة الاستثمار والمستثمر عبد الإله الكحكي وبنك الاستثمار القومي. بالطعن على حكم محكمة القضاء الإداري. أمام المحكمة الإدارية العليا. التي حكمت برفض الطعن وتأييد حكم المحكمة القضاء الإداري بعودة الشركة للقطاع العام في 29/9/2013.
حكم القضاء الإداري
وجاء في حكم محكمة القضاء الإداري: بقبول الدعوى لانتفاء القرار الإداري وبإلغاء القرار المطعون فيه والصادر من اللجنة الوزارية للخصخصة والمعتمد من مجلس الوزراء بالموافقة على بيع 100% من أسهم شركة طنطا للكتان والزيوت. وما يترتب عليه من آثار، أخصها بطلان عقد بيع 100% من أسهم شركة طنطا للكتان والزيوت المبرم بين كل من الشركة القابضة للصناعات الكيماوية كنائبة عن الدولة وبتفويض من وزارة الاستثمار وبنك الاستثمار القومي ويمثله وزير المالية، وبين شركة الوادي لتصدير الحاصلات الزراعية (30%) وشركة النوبارية لإنتاج البذور(35%). وشركة النيل للاستثمار والتنمية السياحية والعقارية (25%) وشركة ناصر للاستثمارات الدولية. ويمثلهم عبد الإله محمد صالح الكحكي وناصر فهمي المغازي.
كذلك قضت ببطلان جميع القرارات التي ترتبت خلال مراحل إعداد العقد ونفاذه. وبطلان أية قيود أو تسجيلات بالشهر العقاري لأية اراضي تخص هذا العقد. وبطلان شرط التحكيم الوارد بالمادة الرابعة عشر من العقد المشار إليه. وإعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد. واسترداد الدولة لجميع أصول الشركة وكافة ممتلكاتها المسلمة للمشتري مطهرة من أي حقوق عينية تبعية يكون المشتري قد أجراها. وإعادة العاملين إلى سابق أوضاعهم السابقة. مع منحهم كامل مستحقاتهم وحوافزهم وحقوقهم، وتحمل المشتري وحده كامل الديون والالتزامات التي رتبها خلال فترة نفاذ العقد، وما يترتب على ذلك من آثار وذلك على النحو المبين بالأسباب وألزمت الجهة الإدارية والمدعي عليهم المصروفات. كما جاء بالحكم المنشور على موقع المركز المصري.
الامتناع عن التنفيذ
في عام 2013 وقبل صدور حكم المحكمة الإدارية العليا. أقام عمال شركتي طنطا للكتان والزيوت والنيل لحليج الأقطان. دعوى ضد رئيس مجلس الوزراء بصفته وعنوانه. وجاء الحكم لصالح شركة النيل لحليج الأقطان. التي حصلت على حكم بالعودة للقطاع العام أيضا، وجاء الحكم بالحبس والعزل ضد رئيس مجلس الوزراء آنذاك هشام قنديل.
ثم في 2 أكتوبر 2013. أصدر حازم الببلاوي رئيس الوزراء وقتها. قرارا بتشكيل لجان لاستلام شركة طنطا للكتان وتشكيل مجلس إدارة. وبالفعل استلمت الشركة القابضة شركة طنطا للكتان وعينت مفوض عام عليها لحين البت في أمرها.
وعلى مدار السنوات السابقة تعاقب حوالي 4 مفوضين على الشركة لم يكن في مخططهم تشغيل الشركة بكامل طاقتها أو عودة جميع العاملين. بل بالعكس حققت الشركة خسائر بملايين الجنيهات. وعلى الرغم من ذلك ظل عمال الشركة بالتناوب يحضرون لمقر الشركة يوميا والضغط لمحاولة تنفيذ الحكم.
مصير العاملين
قال جمال عثمان: الحكم واضح وصريح ويقضي بعودة جميع العمال الذين كانوا على قوة الشركة قبل توقيع عقد البيع في 2005. وبالرغم من الضغط عليهم للخروج على المعاش المبكر من قبل المستثمر إلا أنهم مازالوا موجودين ويتمنون العودة.
استلم عبد الإله الكحكي الشركة، بها 2000 عامل لم يتبق منهم حتى الآن سوى 300، منهم 250 عقود مؤقتة تم تعيينهم في السنوات الأخيرة.
تاريخ الشركة
تأسست شركة طنطا للكتان والزيوت. كشركة مساهمة مصرية بمقتضي مرسوم صادر بتاريخ 4 نوفمبر 1954. برأسمال قدره 85 ألف جنيه مصري. ارتفع إلي 400 ألف جنيه سنة 1960.
بدأت الشركة بـ 76 عاملا. قبل أن يرتفع العدد إلى 500 عامل. وتشكل أول مجلس إدارة للشركة من كل من روبير خوري، أميل فركوح، كلود ميشاقه، إدوارد ناصر، مراد فركوح، وليم ستيفنسون.
كان الغرض من تأسيس الشركة هو زراعة وتصنيع وتصدير الكتان ومشتقاته. بعد اندماج ثلاث مصانع للكتان. الأول مصنع فركوح للكتان لصاحبه إميل فركوح لإنتاج ألياف الكتان ومشتقاته بميت حبيش البحرية. والثاني مصنع إنتاج دوبارة وحبال الكتان (الجملين) لصاحبه إدوارد ناصر وشركاه وكان يقع بالقرب من طريق الإسكندرية. والثالث والأكبر مصنع روبير خوري وشركاه لإنتاج الكتان ومشتقاته وزيت بذرة الكتان المغلي للبوية (أبو الريش). وكان يشغل مساحة 35 فدان بموقع الشركة الحالي بميت حبيش البحرية.
في يوليو 1961 تم تأميم الشركة. وفي العام 1962 افتتح مصنع الخشب الحبيبي وكان الأول من نوعه في مصر والشرق الأوسط بقدرة إنتاجية 30 طن في اليوم من ألواح الخشب الحبيبي.
وفي عام 1981 تم افتتاح مصنع لإنتاج الخشب الحبيبي الملصق ميلامين. في بداية التسعينات تم افتتاح مصانع لإنتاج الخشب الحبيبي الرفيع والراتنجات (الغراء) والكونتر المسدب. وقد شغلت الشركة بعد تلك التوسعات مساحة 73 فدان تقريباً.