ورقة واحدة قادرة على تعطيل زيجات أو تمريرها، حيث تنشب الخلافات والصراعات بين الأسر المصرية وتنفض الأعراس. اختلافا على ما أسموه المصريين بـ”القايمة” وهي قائمة المنقولات الزوجية التي تبدل الحال في لحظة وتقلب الزيجات رأسا على عقب.
كان محمد جمعة يستعد لإتمام الزواج الذي تحدد بعد أسبوعين، لكن ما حدث من خلاف بين أهله وأهل العروس على تفاصيل قائمة المنقولات أفسد كل شيء. فيقول: “بعد تجهيز كل شيء ومع قرب موعد الفرح، ذهبت إلى والد العروس للتوقيع على القائمة. ولكني فوجئت برغبته في رفع سقف طلباته إلى 350 ألف جنيه بعد الاتفاق على القيمة الحقيقة للقائمة”.
وقائمة المنقولات كما عرفتها الجماعة الشعبية هي قائمة تتضمن جهاز العروس وأي منقولات تنقل معها من منزل أسرتها إلى منزل الزوجية، أو قائمة افتراضية تضع النمط المثالي لجهاز العروس وليس ما جلب،ة ويوقع عليها العريس انصياعا لمعايير الجماعة ولإثبات حسن نيته.
نفس المصير يواجه سامح زين الذي استهجن ما تم كتابته في قائمة المنقولات الزوجية. قائلا:” كاتبين حتى البلاستيك وعدد الملاعق، رغم أنها تتلف بالزمن”، رأى سامح أن ذلك الأمر لا يستطيع التوقف عنده فطالب الأهل بالزواج بدون قائمة وهو ما تم رفضه من جانبهم لينتهي زواجه أيضا.
قصة تتكرر عشرات المرات كل يوم الخلاف على القائمة يطيح بأحلام الشباب ويفسد مئات الزيجات دون أي سند قانوني أو ديني.
على ورقة بيضاء
بعد تجربة زواج فاشلة حاولت فاطمة السيد أن تضمن حقوقها بـ”ربط” زوجها لضمان استمرار الزواج. فقررت عدم كتابة قائمة منقولات زوجية، ولكنها أجبرته على توقيع ورقة بيضاء. قائلة: “هذه الورقة أعطتني شعور بالأمان تجاهه وكان الاتفاق على كتابة عدد من جرامات الذهب وهو لم يعترض وقتها على الفكرة”.
وتضيف فاطمة “بعد عامين من الزواج ساء الوضع وباتت الحياة الزوجية جحيما فقررت التخلي عن تلك الورقة ولجأت للخلع”. مؤكدة أنها شعرت بعدم الأمان فلم تحميها هذه الورقة ولم تضمن لها أي حقوق.
قائمة على ورق
يحرص بعض الأهالي على الالتزام بالعادات والتقاليد خوفا من الفضيحة والعار بين الأهل والجيران. وفي محافظة الشرقية حيث تنتظر إيمان فتحي، انتهاء الجلسة التي تجمع بين والدها والعريس. للتوصل لحل، بعدما شب خلاف بين الأسرتين حول قائمة المنقولات الزوجية والتي لم يتم إحضار شيء منها.
فتقول: “الزيجة كانت معرضة للفشل لتمسك أهلي بإلزام العريس للتوقيع على قائمة المنقولات من قبل أن نقوم بإحضارها. وهو ما تم تأجيله حتى بعد الانتهاء من تجهيزات الشقة”. مشيرة إلى أن أهل العريس سجلوا اعتراضهم خوفا من تدوين منقولات غير حقيقية.
قصص وروايات عديدة ومختلفة، يتفق فيها الأغلبية بضرورة السير على العرف والتمسك بالعادات والتقاليد. ويبقى الجزء الآخر منطويا دون تأثير منه على باقي الأغلبية، متخذه طريق آخر لها في إعداد أسس الزواج.
أما أماني راشد، فقد قررت عدم الالتزام بالعرف السائد من منقولات الزوجية المتعارف عليها وذكر ما جاء لمقر منزل العروسين بالتفصيل في ورقة. فتقول: “ناقشت الأمر مع زوجي كنا متفقين على أن قائمة المنقولات ما هي إلا ورقة، لن تضمن الحقوق كما يعتقد البعض”.
وتضيف: “ورغم التزام أهلي بالتقاليد قررنا أن نفعل ما نؤمن به، دون أن يعترضوا طريقنا، فقرر زوجي كتابة شيك بمبلغ مالي يشعر أهلي بالأمان، ولكن لا يضمن حقوقي سوى أن التزام الشخص بما يتعهد من وعود أخلاقية”.
مبادرات مجتمعية
ومن صعيد مصر، خرجت مبادرة “معا ضد المغالاة في نفقات وتكاليف الزواج” من بين أهالي نجع الجديدة التابع لقرية دنفيق بمركز نقادة جنوب قنا. لإلغاء الذهب في المهور للتخفيف عن كاهل الأسرة من نفقات زواج الأبناء، نظرا لارتفاع الأسعار وخاصة الذهب. حيث اعتادت بعض الأسر في صعيد مصر عدم الاكتفاء بعدد جرامات محدد، ولكن تقاس محبة الرجل لديهم بقيمة الذهب.
وتستهدف هذه الحملات التوعية بين الأهالي والشباب من خلال مواقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”. حيث ظهرت مبادرة أخرى “زيتنا في دقيقنا” أسسها شباب وفتيات نجع حمادي للحد من الإسراف والمغالاة لتكاليف الزواج.
وفي دراسة، بجامعة جنوب الوادي بقنا، أثبتت أن متوسط العمر عند الزواج الأول قد أخذ اتجاهًا تصاعديًا. حيث كان 25 سنة لدى الذكور في بداية الدخول للألفية ليرتفع إلى نهاية الثلاثينيات في الوقت الحالي بسبب التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية. وأوضحت أن بعض الحالات تصل للأربعين من العمر عند الذكور دون زواج بسبب المغالاة وقوانين المجتمع القبلي المكون لمجتمع محافظات الصعيد.
فيما وضع القائمون على مبادرة “قائمة أبو تريكة” أسس أخرى للزواج، على آلا تتعدى تكاليف الزواج 10 آلاف مقسمة على الزوجين مناصفة بينهم. وحدد القائمون على المبادرة أن تتكون الشبكة من “دبلة وخاتم”، وإلغاء كل ما هو غير ضروري ومكلف.
وفي واقعة أثارت الجدل، بعدما قرر والد عروس كتابة “من يؤتمن على العِرض لا يُسأل عن المال” على قائمة المنقولات الزوجية التي كان من المفترض. بحسب العرف أن يدون بها جهاز العروس ومنزل الزوجية. وهو الأمر الذي أعاد النقاش وخلق موجة من السخرية حول فكرة قائمة المنقولات أو ما يعرف بـ”القايمة”.
القائمة في القانون
وتنص المادة 341 من قانون العقوبات على أن “كل من أختلس أو استعمل أو بدد مبالغ أو أمتعة أو بضائع أو نقوداً أو تذاكر أو كتابات أخرى. مشتملة على تمسك أو مخالصة أو غير ذلك إضراراً بمالكيها أو أصحابها أو واضعي اليد عليها وكانت الأشياء المذكورة لم تسلم له. إلا على وجه الوديعة أو الإجارة أو على سبيل عارية الاستعمال أو الرهن. أو كانت سلمت له بصفة كونه وكيلاً بأجره أو مجاناً بقصد عرضها للبيع أو استعمالها في أمر معين لمنفعة المالك لها أو غيره. يحكم عليه بالحبس ويجوز أن يزداد عليه غرامة لا تتجاوز مائة جنيه مصري”. ما يؤكد اعتبار القانون تبديد قائمة المنقولات “جريمة”.
نهلة إمام: عادة شعبية توارثتها الأجيال حتى أصبحت عرف، ووجدت في وثائق الجنيزة اليهودية واستخدمتها الجماعة الشعبية كأحد ميكانيزمات الدفاع ضد مضاعفات إنهاء الزواج لضمان حقوق الزوجة
المرأة المصرية اليهودية
وتقول الدكتورة نهلة إمام لمصر 360 إن القائمة هي عادة شعبية توارثتها الأجيال حتى أصبحت عرف. وعن أصل القائمة أوضحت أنها وجدت في وثائق الجنيزة اليهودية واستخدمتها الجماعة الشعبية كأحد ميكانيزمات الدفاع ضد مضاعفات إنهاء الزواج لضمان حقوق الزوجة.
وأشارت إلى أن القائمة وسيلة استطاعت أن تجبر القوانين الوضعية التعامل معها كواقع وحقيقة بشكل يؤكد إمكانية استغلال القوة الكامنة في التراث الشعبي. ولا تتفق إمام مع هذه العادة بسبب ارتفاع تكاليف الزواج وترى أن الحل هو قرار من الدولة بعدم الاعتداد بالقائمة حتى تتوقف هذه العادة التي تفسد زيجات كل يوم بسببها.
واكتشفت نسخة ما زالت محفوظة لأقدم قائمة زواج كُتبت في مصر منذ نحو 850 سنة تقريباً، احتفظت بها دار الجنيزة التابعة للمعبد اليهودي في القاهرة. تم التعرف على أصل قائمة المنقولات، حيث يرجع تاريخها إلى عام 1160 ميلادية. وتتضمن نفس مواصفات قائمة الزواج الحالية في مصر.
ووثقت القائمة كل شيء في مسكن الزوجية آنذاك بشكل تفصيلي. إذ تشمل منقولات وعفش منزل الزوجية بكامل تفاصيله من الملعقة وحتى الأثاث.
توريث العرف
انتشرت قائمة المنقولات الزوجية، بعد انتشار ثقافة تعدد الزوجات، وتزامن مع ذلك انتشار زواج المصريين المسلمين من البنات اليهوديات. بينما لم يكن هذا في عرف المرأة اليهودية، فاعتبرته يهدد زواجها والطلاق في حالة رفض التعدد. خصوصاً مع ميل الزوج إلى الإنجاب من زوجته المسلمة.
قررت الزوجة اليهودية تقييد الرجل بحيلة قوية، ففكرت في تكبيله بقائمة منقولات تثقل كاهله. وتتحول إلى عبء مادي كبير يحول بينه وبين الزواج عليها من أخرى. فقامت بتوثيق جميع المنقولات، والمشغولات الذهبية والتي لها أن تستردها حال الطلاق. وهو مما يجعل الزوج يتراجع ألف مرة قبل أن يفكر في الزواج من جديد، وإلا خسر كل شيء وأصبح مدانا برده إليها.
ومن هذا الوقت وحتى عصرنا الحالي، استمر الوضع، بفضل قاعدة “بنت شمعون مش أحسن من بنتي”. ولمجاورة اليهود للمسلمين فانتقل هذا العرف من عائلات اليهود في مصر إلى عائلات المسلمات. ليستمر هذا العرف في التناقل على مر السنين إلى أن وصل إلى يومنا هذا وأصبح له قوة القانون.
وأحلت دار الإفتاء “قائمة المنقولات الزوجية”، معتبره أن قائمة المنقولات الزوجية تحافظ على حق المرأة الذي هي بذلته وأصبحت مالكة له فلا يوجد إشكال على ذلك.
وأوضحت في أحد فتواها أن “القائمة إذا استخدمت في موضعها الصحيح. ولم تستخدم للإساءة ليست أمرًا قبيحًا، بل هي أمر حسن يحفظ حقوق الزوجة ولا يضر الزوج”.