أثارت الآلية التي سقطت بها السلطة بأفغانستان في أيدي طالبان التساؤلات بشأن جدوى الوجود الأمريكي في البلاد لـ 20 عاما. وكيف استطاعت طالبان الاستيلاء على السلطة بهذه السرعة، حيث سقطت المدن الأفغانية واحدة تلو الأخرى إلى أن سقطت العاصمة “كابول”. وعلى إثر ذلك غادر الرئيس “أشرف غني” البلاد تاركا الحكم لقادة الحركة في مشهد دراماتيكي. ويبدو أن هذه الأحداث ليست وليدة اللحظة، ولكن سبقها خطوات منظمة وتفاهمات محلية ودولية مكنت الحركة من العودة مرة أخرى.
أدوات عودة طالبان
في ظل سعي الحركة إلى الحكم في أفغانستان، اتبعت استراتيجية محكمة تتضمن عدد من الأدوات التي مكنتها من تحقيق أهدافها:
هشاشة القوات الوطنية
لم تتمكن القوات الأمريكية والغريبة المتواجدة في أفغانستان من بناء قوات أمنية وطنية قادرة على الدفاع عن البلاد. كما اتسعت مواطن الضعف في أركان الجيش والشرطة نتيجة الاستنزاف المستمر خلال المواجهات المتتالية ضد مقاتلي طالبان والتنظيمات الإرهابية كتنظيمي داعش والقاعدة. وعلى الرغم من أن عدد القوات يبلغ حوالي 300 ألف، إلا أنه واقعيا هناك تفاوت في توزيع القوات. على سبيل المثال في المحافظات الجنوبية، شهدت فراغ أمني بما يقترب من نسبة 50%: 70%. وفقا للتقرير الصادر في 2020 من مكتب المفتش العام المتخصص في إعادة إعمار أفغانستان. مما ساعد طالبان على نشر عناصرها في تلك المناطق، بجانب أكثر من 80٪ من الطرق السريعة في البلاد.
كما اتخذت طالبان منهجية عزل الجيش الأفغاني عن وحداته بهدف الضغط عليه وإضعاف خلاياه. حيث استغلت طالبان خبرتها بالتضاريس، وشكلت سلسلة من البؤر الاستيطانية لجذب القوات الأمنية نحوها من أجل استنزافها وتفريق الوحدات. بحيث تفقد قدرتها على المقاومة أو التضافر، كما عطلت خطوط الاتصال الأرضية في محاولة لعزل نقاط التفتيش وتهيئة الظروف لهزيمة القوات الأفغانية.
تحركات منظمة
اتبعت طالبان استراتيجية التغلغل في كافة أركان الدولة نظرا للطبيعة المجتمعية والقبلية للشعب الأفغاني. كما تطورت طالبان إلى مجموعة عسكرية قادرة على التقدم على طول خطوط متعددة. حيث ركزت على السيطرة على المناطق الريفية مستغلة الفراغ الذي تركه القادة الأمريكيين حينما حشدوا قواتهم في المدن الحضرية. ومن ثم لم تتغيب طالبان عن ميدان العمليات، وتوسعت ضرباتها إلى الشمال والغرب وليس معاقلهم الجنوبية التقليدية. بحيث استطاعت وضع يدها على المعابر الحدودية الرئيسية ونقاط التفتيش، وتحويل الإيرادات الجمركية إليها. كما صعدت من عمليات القتل المستهدف للمسؤولين الرئيسيين ونشطاء حقوق الإنسان والصحفيين وفي أغسطس 2015. استطاعت إحكام قبضتها على مدينة قندوز مما يعكس خطوات استراتيجية تمكنت من خلالها إسقاط السلطة في كابول.
التعاون مع القاعدة
كانت فترة حكم طالبان حاضنة قوية للتنظيمات الإرهابية لاسيما رفضها تسليم “أسامة بن لادن” للأدوات عودة طالبانولايات المتحدة. والذي كان سبب مباشر لدخول قوات التحالف إلى الأراضي الأفغانية، كما قدمت القاعدة الدعم المالي واللوجسيتي لأعضاء حركة طالبان. وساعدتها في السيطرة على الشمال، ويتعهد أعضاء القاعدة بتقديم البيعة وقسم الولاء الديني لزعيم طالبان الأعلى. وقد صرح الملا “داد الله” -أحد قادة طالبان- في مقابلة عام 2006 مع منظمة القاعدة الإعلامية الرئيسية “السحاب”. أن تنظيم القاعدة تعاون بشكل جيد مع مجاهدي طالبان، وفي ظل الضغوط والإدانة الدولية. اضطرت طالبان إلى إخفاء علاقتها بالتنظيم، إذ صرح “عطية الله الليبي”، “بالطبع سياسة طالبان هي تجنب رؤيتنا معا أو الكشف عن أي تعاون أو اتفاق بيننا وبينهم. وذلك بهدف تفادي الضغط الدولي والإقليمي وعدم مراعاة الديناميكيات الإقليمية. نحن نحترمهم في هذا الصدد”.
الترهل الإداري
تعاني الإدارات الحكومية تفشي نسبة الفساد بمختلف صوره، حيث بلغت أفغانستان المرتبة 179 على مؤشر مدركات الفساد. كما كشفت تقارير دولية حصول بعض القيادات الأمنية على رشاوي لأجل ترك مواقعهم. بالإضافة إلى تنامي شوكة الجماعات الإجرامية وتجار المخدرات الذي تحقق بفعل التراجع الأمني وتدني مستوى الرقابة. فضلا عن الإهمال الذي ضرب القطاع الزراعي، وتدهور المرافق والبنية التحتية مع استمرار معدل الوفيات المرتفع. وعدم قدرة المواطنين الحصول على المياه النظيفة الصالحة للشرب أو الكهرباء، ولم تستطع الحكومة الحصول على ثقة المواطنين، وهو ما استغلته الحركة لرفع نسبة الغضب الشعبي تجاه الحكومة.
القوة الشعبية
تعتبر قبيلة البشتون هي العمود الفقري لحركة لطالبان، مما يضيف ثقل استراتيجي وشعبي للحركة. إذ أن البشتون هي أكبر عرقية في أفغانستان، ويتركز تواجدها في شرق باكستان وجنوب وشرق أفغانستان. ويشكلون البشتون ما يقرب من نصف السكان 20 مليون نسمة فضلا عن أن البشتو هي اللغة الرسمية. وأقر دستور الإمبراطورية الدورانية (1747-1828) لكبار قبائل البشتون بقيادة البلاد، كما حققوا نجاحات ملموسة في مقاومة الغزو السوفيتي، لذلك فهم ينظرون إلى الحكم بنظرة استحقاقية.
الأداة الدعائية
أيقنت جميع التنظيمات الإرهابية أهمية الحرب النفسية في ساحة المعركة والتي تشعلها الأداة الدعائية من خلال دورها في الحشد الجماهيري وإضعاف معنويات خصومها. لذلك استخدمت طالبان الدعاية المصممة والعمليات الإعلامية لتقويض الروح المعنوية والتماسك للجنود الأفغان. بالإضافة إلى التركيز على وسائل التواصل الاجتماعي، وتصوير العمليات الهجومية لإثبات قدرتها على دحر القوات الوطنية.
فشل جهود قوات التحالف في أفغانستان
وذلك وفقا لعدد من العوامل: إهمال معالجة الجذور التي آلت بحركة طالبان إلى سدة الحكم. أيضا لم تهتم بإعادة إصلاح ما دمرته الحرب، أو عملية بناء الدولة، وتراجع التنسيق الدولي في مواجهة التنظيمات المتطرفة. مما أدى إلى تعقيد الأمن الإقليمي وإطالة أمد الصراع، إهمال الجانب الأيدولوجي وقيم المواطنة وأدوات الحرب السياسية.
نشأة حركة طالبان
ترجع جذور حركة طالبان إلى أوائل التسعينيات، بدعم من أجهزة المخابرات الباكستانية، وينتمي معظم أعضائها إلى جماعة البشتون. ونشطت لأول مرة في المعاهد الدينية بين الطلاب في جنوب شرق أفغانستان على الحدود مع باكستان” ولاية قندهار”. وتوسع نفوذها حتى وصلت إلى الحكم في 1996 بعد الإطاحة الرئيس الأسبق “برهان الدين رباني”. ومن ثم أعلنت أفغانستان إمارة إسلامية، إلا أن دخلت القوات الأمريكية أفغانستان أعقاب أحداث 11 سبتمبر. واستمرت الجماعة في ممارسة وجودها بالتزامن مع الوجود الأمريكي الذي استمر 20 عام، حتى تمكنت من إسقاط العاصمة “كابول” مرة أخرى.
ويمثل هبة الله أخوند زاده، المرشد الأعلى حاليا لطالبان، حيث تولى القيادة في عام 2016. بعد مقتل محمد منصور، ومنذ توليه القيادة، عمل أخوند زاده على توطيد سلطته بين الفصائل السياسية والعسكرية.
أهداف حركة طالبان
ترى حركة طالبان أنها الأولى بحكم البلاد باعتبارها تتبع منهج الشريعة الإسلامية، وبالتالي ركزت على استعادة ما خسرته الجماعة في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وتتبنى أيدولوجية تقترب مع تنظيم القاعدة، ومنذ البداية، حددت حركة طالبان أهدافها في إنشاء إمارة تحكم بما تقتضيه الشريعة الإسلامية. مثل تطبيق الحدود فيما يخص رجم الزاني وقطع يد السارق وإعدام القاتل، وحظر بيع الكحول وغيرها.
بالإضافة إلى ذلك، التركيز على المظاهر الإسلامية بما يتوافق مع مبادئهم من خلال ممارسات أكثر صرامة. وشملت هذه الإجراءات حظر أجهزة التلفزيون والموسيقى والسينما ومعظم أشكال الترفيه الأخرى. كما تم تغريم الرجال الذين لم يلتزموا بإطلاق اللحى، وأحيانا سجنهم، والقضاء على حقوق المرأة من حيث تحريم ذهاب الفتيات منذ سن العاشرة إلى المدرسة. وإلزامهم بارتداء الزي الشرعي وغيرها.
مصادر التمويل
من الصعوبة بمكان تقدير حجم القدرات التمويلية لحركة طالبان، وطبقا لتقرير الأمم المتحدة الصادر في يونيو 2021. فإن معظم الأموال تأتي من الأنشطة غير المشروعة، مثل إنتاج الأفيون وتهريب المخدرات والابتزاز والاختطاف من أجل الحصول على فدية. بحيث تدر الجماعة ما يتراوح بين 300 مليون دولار إلى 1.6 مليار دولار سنويًا. إضافة إلى ما تحصل عليه نتيجة نهب الموارد الطبيعية في المناطق الخاضعة لسيطرتهم مثل مصادر الطاقة. إلى جانب أنها تتمتع بشبكة من المؤسسات الخيرية غير الحكومية التي تعود عليها بقدر كبير من التبرعات من المؤيدين والحلفاء.