ربما لأن تيمة «غدر الصحاب» شديدة التأثير في ثقافتنا الشعبية، كان هذا هو سبب الاهتمام الكبير بالجريمة التي عرفت باسم «فتاة عيادة كفر الدوار»، خاصة بعد أن أوضح بيان النيابة العامة أن مقتل الفتاة البريئة لم يكن أمرا وليد اللحظة أو ناتجا عرضيا عن محاولة السرقة، بل جاء نتيجة قرار مسبق واتفاق بين صديقة الضحية واثنين آخرين، كما بيّنت التحقيقات قدر «الغلّ» الذي استحوذ على قلب القاتلة، التي لم تكتف بالتعاون في ترتيب عملية القتل فحسب، بل كالت لرأس الضحية «ركلات عدَّة ثم طعنتها بسكين في أماكن متفرقة من جسدها حتى زهقَتْ رُوحها وفاضت إلى بارئها» حسب بيان النيابة، الذي أوضح كذلك أن الجريمة سبقتها محاولة فاشلة للتنفيذ قبل حوالي الشهرين.
ربما أيضا زاد من الاهتمام بتلك الجريمة أنها مختلفة عن الجرائم التي تكون المرأة عادة مرتكبتها أو ضحيتها، كجرائم العنف المنزلي بأنواعها، أو الخيانة، أو الخطف والاغتصاب. وإنما الدافع هنا غير معتاد ناتج عن «خلافات بينهما – لتميز المجني عليها عن المتهمة في العمل، وسوء وتدهور علاقتهما» ومن ثم «نَوتِ المتهمة الانتقام منها بقتلها».
ومع ذلك، فإن ما لفت انتباهي في الجريمة ليس الصديقة المتهمة بقتل «فتاة العيادة»، وإنما الشخصين اللذين استعانت بهما، أو لنقل تلك السهولة التي استطاعت بها فتاة عادية، تنتمي إلى الطبقة الوسطي، أن توفر شخصين مستعدين للقتل. لا بل أن تبقي على اتفاق القتل ذلك، لمدة تقارب الشهرين إلى أن حان موعد التنفيذ، وصحيح أن حتى لو كان أحد المتهمين، كما يقول تقرير النيابة، قد «أصيب بالرعب ففرّ من مكان الجريمة» بينما كانت الضحية تلفظ أنفاسها الأخيرة من الاختناق، ويزيد الهمّ حين نعرف أن أحد المتهمين هو طفل أقل من 18 عاما، ولم يوضح بيان النيابة إن كان المتهم الطفل هو الذي فرّ من مسرح الجريمة أم الآخر، لكن هل ذلك يهم؟
ربما لأسباب تتعلق بالمساحة التي صار على صحافتنا ألا تغادرها، زادت تغطية أخبار الجرائم والحوادث، ما زاد بالتبعية من متابعة الجمهور لها، ثمة جريمة واحدة على الأقل جزء من «التريند» اليومي، وهكذا تسلّم كل جريمة راية الجدل إلى الجريمة التالية، وأدى ذلك إلى إحساس عام بأن الجرائم قد ازدادت في المجتمع أو – على الأقل – زادت وحشيتها.
ولأن التقرير السنوي للأمن العام لم يعد يُنشر للتداول منذ سنوات طويلة، فإننا لا نستطيع الجزم بأن الجرائم زادت أو قلّت، ولا حتى بأنواع معينة منها، ولا يمكننا إلا أن نتوقع زيادة منطقية ناتجة عن الزيادة الطبيعية لعدد السكان، أما النسبة فتحتاج لأرقام وإحصاءات غير متوفرة للصحافة أو الخبراء، وبهذا لا يبقى للمتابع سوى الاطلاع اليومي على الجرائم المنشورة، ومحاولة الرصد عبر وقائعها، ومن تلك الوقائع يبدو صادما أن معاوني قاتلة فتاة العيادة ليسا استثناء، وأن الجرائم الجماعية، إذا جاز التعبير، صارت تحتل حيزا معتبرا من أخبار الحوادث والجرائم، ولا يقصد «بالجماعية» هنا الجرائم التي ترتكبها العصابات أو الناتجة عن المشاجرات أو أعمال الثأر، بل الجرائم التي يستعين فيها المتهم الأول بأصدقاء أو معارف أو حتى أشخاصا مستأجرين لمعاونته – أو الحلول محله – في عمليات قتل، أو عمليات اغتصاب تتطور إلى قتل، كما في الواقعة المذهلة لشاب الدقهلية الذي أرسل عاملا ليغتصب زوجته كي يستطيع اتهامها في شرفها!، وحين قاومت الزوجة مغتصبها، قتلها. لقد نال المتهمان، الزوج والعامل أقصى عقوبة وهي الإعدام شنقا، ولكني مرة أخرى، لم أفكر في الزوج الفظيع قدر ما فكّرت في العامل الذي ما أن طلب منه طلب رهيب كهذا حتى نفّذه وكأنه ذاهب لشراء السجائر، وحين قاومته الزوجة قتلها، بل اعتدى عليها بعد القتل!
يسأل المرء نفسه مجددا، من هم هؤلاء؟ وكيف يمكن لأشخاص عاديين – أي ليسوا زعماء عصابات- العثور بتلك السهولة على مجرمين بهذه الفظاعة؟ إننا نتحدث هنا عن جرائم مروعة كالقتل والاغتصاب، وهي من الجرائم القليلة التي تتفق على فظاعتها كل الثقافات، فهي ليست محلا لاختلاف وجهة النظر، ومع ذلك فإنه لا يبدو- وفقا لما تنشره صفحات الحوادث- أن توفير مرتكبيها عملية شديدة الصعوبة، فلماذا؟ إنه سؤال ينبغي أن نسأله لأنفسنا وأن نتمعن فيه ولا نهمل البحث عن إجابته، من المخيف العيش وبين ظهرانينا كل هؤلاء القتلة الذين ينتظرون الفرصة.