في افتتاح مدينة الصناعات الغذائية في المنوفية يوم 3 أغسطس طرحت قضية دعم رغيف العيش وتكلفته وأهمية تحريك سعر الرغيف المدعم. وهذه القضية ليست بالجديدة بل هي جزء من مسلسل بدأه صندوق النقد الدولي في عام 1976. وصولا لاتفاق مصر 2016 وضغط الصندوق من أجل إلغاء الدعم بكل أشكاله وأنواعه. مع استمرار الحماية الاجتماعية المحدودة لتخفيف الأضرار عن المضارين من برامج الصندوق. والتحول للقطاع الخاص وبيع الأصول المملوكة للدولة وإطلاق حرية الأسواق وتعويم الجنيه.
لتبرير رفع أسعار عيش الفقراء ترددت عدة أكاذيب منها:
هل لدينا تصاعد أم تراجع في الزيادة السكانية؟
دأبت الحكومات المتعاقبة على تعليق فشل السياسات الاقتصادية والاجتماعية على شماعة الزيادة السكانية. وهي أكذوبة تدحضها أرقام وبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المعلنة في بيانها الصحفي المنشور يوم 5/7/2021 عن وصول عدد سكان مصر إلى 102 مليون. يقول البيان أن زيادة مليون نسمة كانت تتم خلال 178 يوم ثم ارتفعت إلى 205 يوم ووصلت ما بين 101 مليون و102 مليون إلى 275 يوم.
أي أن الزيادة السكانية تراجعت من مليون كل 6 شهور إلي مليون كل 9.1 شهر. وعلق الجهاز على ذلك باستمرار الانخفاض في مدة الزيادة. ولكن نطمح أن تصل الزيادة إلى مليون نسمة كل 12 شهرا. إذ يوجد تراجع في الزيادة السكانية باعتراف الجهاز الحكومي المسؤول عن السكان.
كما انخفض نمو المواليد ما بين 2019، 2020 بمعدل سالب بلغ (3.1%). وخلال الشهور الستة الأولي من عام 2021 مقارنة بالشهور الست الأولي من عام 2020. انخفض معدل المواليد بمعدل سالب بلغ (8.9%)، هذه أرقام التعبئة والإحصاء المنشورة والمعلنة. كما ارتفع معدل الوفيات خلال السنة الأخيرة وربما يرجع ذلك إلى إنتشار موجات وباء كورونا. لماذا الاستمرار في الحديث عن الزيادة السكانية ألم تطلعوا على تقارير أجهزتكم الحكومية؟!
كما تشير إحصاءات توزيع السكان إلى تزايد عدد سكان الريف عن الحضر بحيث أصبح 57% من السكان يعيشون في الريف و43% يعيشون في الحضر. وهو ما يعني هجرة عكسية من المدينة إلى الريف. ويرجع ذلك للعديد من الأسباب التي تقود لعودة جزء من سكان الحضر إلى الريف وهو ما يحتاج لحديث مستقل.
هل ارتفع استهلاك المصريين من الطعام؟
تقرير الجهاز المركزي “مصر في أرقام لعام 2020” يؤكد تراجع نصيب الفرد السنوي من استهلاك بعض المنتجات الغذائية خلال الفترة 2015 – 2018. تراجع نصيب الفرد السنوي من القمح من 244.8 كيلوا جرام عام 2015 إلى 239.4 كيلو جرام عام 2018 (أي أنخفض 5.4 كيلو). ويعرض التقرير إلى أن استهلاك المصريين ونصيب الفرد السنوي من المحاصيل النشوية والسكرية والخضر والفاكهة واللحوم الحمراء والدواجن والألبان. قد تراجع بينما ارتفع متوسط الاستهلاك السنوي من البقوليات والبيض فقط. ذلك وفقاً لبيانات تقرير التعبئة والإحصاء المنشور.
كما أصدر معهد التخطيط القومي تقرير أوضاع الأمن الغذائي في مصر 2019 جاء فيه:
تناقصت المساحات المزروعة بالقمح والأرز وكذلك مساحات الخضر والمحاصيل السكرية والزيوت. كما تزايد الاعتماد على المزارع السمكية لتوفير الاحتياجات من الأسماك رغم وجود البحرين ونهر النيل والبحيرات والتي تراجع انتاجها من الثروة السمكية. وتزايد الاعتماد على القطاع الخاص في الزراعة حيث يسيطر على 65% من الاستثمار في الزراعة. مقابل 35% فقط للحكومة وهو ما أدى لارتفاع أسعار العدد من المنتجات الغذائية. تراجع متوسط نصيب الفرد السنوي من الحبوب والمحاصيل السكرية والزيوت النباتيه، وكذلك من اللحوم الحمراء والبيضاء والألبان ومنتجاتها. ويؤكد التقرير نفس النتائج التي نشرها جهاز التعبئة والإحصاء عن تراجع متوسط نصيب الفرد للعديد من المنتجات الغذائية. ولذلك تتزايد أمراض سوء التغذية في مصر كما سنوضح في جزء تالي.
إلهامي الميرغني: يجب التفرقة بين الزيادة الكمية والزيادة الحقيقية في الاستهلاك لأنني قد أنفق ألف جنيه علي الطعام في 2019 وأنفق 1300 جنيه في 2020. فشكليا نرى أن الاستهلاك زاد 300 جنيه لكن لو حسبنا كمية الطعام التي اشتراها في 2019 وثبتنا الأسعار للمقارنة بأسعار 2020. نكتشف أن الإنفاق زاد ولكن كمية الطعام انخفضت لأن الأسعار ارتفع
هل نحن شعب مستهلك شره؟
يصور الإعلام الرسمي أن الشعب المصري شره لاستهلاك الطعام وهو ما نفته تقارير التعبئة والإحصاء ومعهد التخطيط والعديد من دراسات قياس استهلاك المصريين من الطعام. والتي أكدت تراجع متوسط حصة الفرد في العديد من المنتجات الغذائية.
يجب التفرقة بين الزيادة الكمية والزيادة الحقيقية في الاستهلاك لأنني قد أنفق ألف جنيه على الطعام في 2019 وأنفق 1300 جنيه في 2020. فشكليا نرى أن الاستهلاك زاد 300 جنيه لكن لو حسبنا كمية الطعام التي اشتراها في 2019 وثبتنا الأسعار للمقارنة بأسعار 2020. نكتشف أن الإنفاق زاد ولكن كمية الطعام انخفضت لأن الأسعار ارتفعت. وبالتالي فإن زيادة الإنفاق زيادة غير حقيقية. ولكن هل هذا استنتاج خاص بي أم أن هناك دراسات تؤكد ذلك؟
توصلت دراسة الدكتورة هبة الليثي، مستشار الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء “تحليل مؤشرات الفقر من واقع مسوح الدخل والانفاق والاستهلاك” إلى النتائج الآتيه:
- انخفض الاستهلاك الفعلي للفرد بين عام 2015 ، 2018 بمقدار 5.1%.
- كان الانخفاض في الحضر أكبر منه في الريف وفي المحافظات الحضرية (القاهرة، الاسكندرية، بورسعيد، السويس) أكبر من الأقاليم الجغرافية الأخرى.
- ريف الوجه القبلي هو المنطقة الوحيدة التي ارتفع فيها الاستهلاك الفعلي ولكنها لازالت أقل المناطق من حيث مؤشر مستوى المعيشة.
أما المركز المصري للدراسات الاقتصادية العقل المفكر للجنة سياسات جمال مبارك والمركز الفكري للطبقة الرأسمالية المصرية. فقد أعد دراسة بعنوان “دراسة تحليلية لأهم مؤشرات بحث الدخل والإنفاق والاستهلاك” وحول مدى التغير في متوسط الاستهلاك/الإنفاق السنوي للأسرة. بين 2015 و2017/2018 (بالألف جنيه) توصلت لنتائج أكبر مما توصلت لها الدكتورة هبة الليثي. حيث توصلت الدراسة إلى أنه “بينما ارتفع متوسط الاستهلاك للاسرة بالأسعار الجارية بنسبة 43.6 %، انخفض بالأسعار الثابتة بنسبة 9.7 %. بما يعني أن الاستهلاك الفعلي انخفض والزيادة في المؤشر الأول غير داله لأنها تنبع من زيادة الأسعار فقط”. هذه رؤية أكبر مركز للدراسات الاقتصادية للطبقة الحاكمة في مصر. والتي تؤكد انخفاض الاستهلاك بنسبة 9.7% وهو ما يرد على ادعاءات شراهة المصريين للطعام.
مؤشر الجوع
هو مؤشر مصمم لقياس الجوع على المستويات العالمية والإقليمية والوطنية، ويصدر المؤشر عن معهد بحوث السياسات الغذائية الدولية. بهدف قياس درجات الجوع كل عام لمعرفة مدي التقدم أو عدمه في مكافحة الجوع. ويعرف الجوع وفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة العالمية التابعة للأمم المتحدة، على أنه الحرمان من الطعام وسوء التغذية. الذي يجعل الفرد لا يستطيع الحصول على 1,800 سعرة حرارية، حداً أدني يومياً لحياة صحية ومُنتجة. ويعتمد مؤشر الجوع العالمي على أربعة معايير لقياس مستوى الجوع للدولة محل الدراسة. تتمثل بشكل أساسي في حساب: النسبة المئوية للسكان الذين يُعانون من نقص التغذية. النسبة المئوية لإنتشار “الهُزال” بين الأطفال دون سن الخامسة، النسبة المئوية لانتشار التقزم بين الأطفال دون سن الخامسة، النسبة المئوية للأطفال الذين يموتون قبل سن الخامسة.
تزايدت قيم مؤشر الجوع في مصر من 13.5% سنة 2015 إلي 14.8% سنة 2018. وبذلك تقع مصر ضمن المستوي المعتدل للجوع. وهو المستوى المحدد نسبة الجوع به ما بين 10% – 19%. وقد بلغت قيمة المؤشرات الأربعة المكونة لهذا المؤشر نحو 4.8% من السكان يعانون من نقص التغذية. 9.5% من الأطفال يعانون من الهزال، 22.3% من الأطفال يعانون من التقزم، 2.3%من الأطفال يموتون دون سن الخامسة. (المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية -2018).
وقد أكد الرئيس السيسي في حديثه عند افتتاح مدينة الصناعات الغذائية في المنوفية وجود 4 مليون طفل يعانون السمنة المفرطة. وهي أحد أمراض سوء التغذية إضافة إلى 8 مليون طفل يعانون الأنيميا وفقر الدم 1.3 مليونا يعانون من التقزم وقصر القامة. أي أن 12.7 مليون طفل مصري يعانون من أمراض سوء التغذية وفقأ للأرقام التي ذكرها الرئيس السيسي. وبدلاً من البحث عن برامج لتنفيذ توصيات منظمة الصحة العالمية. وتوفير طعام غني بالعناصر الغذائية لتخفيف حدة الجوع وأمراضه. يأتي الحديث عن زيادة أسعار رغيف الخبز الحصن الأخير للفقراء في مصر ولتزيد معدلات أمراض سوء التغذية لدي الفقراء المصريين أكثر من (٢٩.٥٪) وخاصة لدي الأطفال.
رغيف العيش
عجائب وطرائف البيانات الحكومية والتصريحات وطرق حساب الدعم والتلاعب المحاسبي بها. يوجد في مصر رغيف عيش وزنه 110 جرام وغير مدعم يباع بخمسين قرش ويحقق ربح لصاحب الفرن. بينما تدعي الحكومة أن الرغيف المدعم الذي يباع بخمسة قروش ووزنه 90 جرام والأكثر ردائه مقارنة بالغير مدعم يكلف علي الدولة 65 قرش. هل يعقل أن رغيف وزنه أعلي وجودته أعلي ويضاف إليه ربح صاحب الفرن ويباع للمستهلك بخمسين قرش بينما عيش الحكومة يكلف 65 قرش؟!
وفقا للبيانات المنشورة في البيان المالي للموازنة 2021/2022 فإن العام القادم ستعتمد مصر على استيراد 65% من القمح 5.1 مليون طن وانتاج 3.5 مليون طن تمثل 35% من استهلاك القمح. وأن عدد المستفيدين من دعم الخبز 66.7 مليون فرد بواقع 5 أرغفة للمواطن يومياً، 4.3 مليون فرد يستفيد من دعم دقيق المستودعات بواقع 10 كيلو جرام للمواطن شهرياً. وبذلك تحتاج مصر لإنتاج 89 مليار رغيف عيش سنويا، كما أوضح وزير المالية أن 74% من المواطنين يستفيدون من دعم الخبز بينما 26% يقومون باستبدال نقاط الخبز.
لذلك يشكل رغيف العيش المدعم (وزن 90 جرام) مصدرا أساسيا لطعام الفقراء والكادحين في مصر. وفي دراسة قديمة للدكتورة أمنية حلمي أعدها المركز المصري للدراسات الاقتصادية وجاء ضمن نتائجها” ساعد دعم الخبز البلدي على إبقاء حوالي 730 ألف نسمة فوق خط الفقر. (وهؤلاء يمثلون نحو 18.9% من إجمالي الفقراء خلال عام 1999/2000″ ذلك وفق بيانات عام 2000. وقبل 21 سنة من الآن وقبل قرارات صندوق النقد الدولي في 2016/2017 وبما يؤكد على أهمية دعم رغيف العيش. ثم عادت الدكتورة أمنية حلمي في موقع آخر لتؤكد “تتحيز سياسة الدعم الحالية لصالح الأغنياء على حساب الفقراء، ويستفيد منها سكان الحضر أكثر من المقيمين في الريف. ويستحوذ المواطنون في الوجه البحري على النصيب الأكبر منها بالمقارنة بالمقيمين في الصعيد. ويؤدي عدم وصول الدعم إلى المواطنين الأكثر فقراً واحتياجا له، وتسربه لغير مستحقيه، إلى عدم العدالة الاجتماعية”. رغم كل هذه المبررات والتقاير والدراسات الحكومية وبدلاً من إصلاح الدعم يتم إلغاؤه وتخفيض الإنفاق عليه ليزيد الفقراء فقرافهي انحيازات اجتماعية واضحة.