ستكون “بريك دانس” واحدة من أربع لعبات جديدة تدخل لأول مرة جدول المنافسات الأولمبية بدورة باريس 2024. وهو بمثابة انتصار فريدٍ لواحدة من الألعاب التي شقّت طريقها من الأحياء الفقيرة إلى الساحة العالمية وفرضت نفسها وسط الكبار.
في السابق وافقت اللجنة الأولمبية الدولية على اقتراح منظمو ألعاب باريس بضم البريك دانس وركوب الأمواج والتزلج على الألواح والتسلق الرياضي إلى نسخة 2024. لكن ماذا عن تاريخ البريك دانس وتطوره ومدى انتشاره؟
تاريخ “بريك دانس”
يحيط الجدل بمسمى البريك دانس؛ حيث يرى البعض أنّ هذا المسمى متداول إعلاميًا. لكن الاسم الحقيقي هوbreakin ، ومن ثم تم تحويله إلى break dance.
كما لا يُعرف موعد نشأة رقص التكسير أو الرقص الأرضي على وجه التحديد. غير أنّ البعض يرجع ظهوره إلى سبعينيات القرن الماضي في جنوب برونكس بالولايات المتحدة الأمريكية. حيث الأحياء الفقيرة ذات التنوع العرقي الكبير؛ إذ ينحدر معظم سكانه من أصول إفريقية وإسبانية وآسيوية.
في ذلك الوقت، عُرفت أحياء جنوب برونكس بالعديد من المباني المهجورة والمهدمة، فضلاً عن انتشار جبال الركام. وهو ما مهد الطريق لانتشار المخدرات والعصابات وحوادث القتل.
سكان جنوب برونكس كانوا يعانون البطالة ويقضون معظم أوقاتهم في الساحات والأزقة يستمعون إلى الموسيقى المختلفة. وساعد التنوع العرقي إلى الاستماع لأنواع جديدة ومختلفة من الموسيقى، لتبدأ قصة نشأة البريك دانس.
كان وجود تجمعات شبابية على شكل دوائر ويستمعون إلى موسيقى مختلفة ونابضة بالحياة جزءًا من المشهد اليومي. فلم يكن من الغريب أن تستمع إلى موسيقى الأفروأمريكان واللاتينية؛ وذلك نتيجة الثقافات الموسيقية مثل السالسا، الفانك، الديسكو.
السلام والمحبة والمرح
معظم سكان أحياء جنوب برونكس كانوا ينضمون إلى العصابات، ومن بينهم “أفريكا بامباتا”، الشاب المنحدر من أصول إفريقية، الذي عرف لاحقًا بلقب (جد الهيب هوب). بدأت قصته عندما تعرض صديقه المقرب المنضم لعصابة Black Spade، لإطلاق نار أودى بحياته.
فقد “بامباتا” السيطرة على نفسه، كان متمردًا على كل شيء. أراد أن يغير مسار حياته وخشي أن يفقد حياته هو الآخر في عملية إطلاق نار عشوائي. ومن هنا عمد إلى إنشاء “أمة الزولو العالمية”، وتوحيد العصابات وتطويرها بشكل إيجابي والبحث عن هدف أسمى للعيش. بالإضافة إلى تحقيق نجاحات وبسط سيطرتهم على الموسيقى للتعبير عن أنفسهم.
صب تركيزه على الموسيقى الإفريقية وتطويرها، ودرس تاريخ الموسيقى الإفريقية؛ ليعرف من أين يبدأ. فبدأ يقود ثور الهيب هوب الجديدة، وأوضح رسالته في ثلاث كلمات (السلام، والمحبة، والفرح).
انفجرت الحركة في الثمانينيات، وأصبحت موضة وطنية. وصاحبها ظهور البريك دانس والمسابقات القائمة على الموسيقى وتأدية حركات بهلوانية تتطلب رشاقة والكثير من التمارين الشاقة. وذلك من أجل تأدية رقصة تتماشى مع الموسيقى، وفي غضون سنوات بدأت تنسحب موضة البريك دانس على أوروبا.
فرنسا الموطن الثاني لـ”بريك دانس”
كانت فرنسا الموطن الثاني لـ”البريك دانس”، بالتحديد الضواحي الفقيرة التي تشابه حالتها جنوب برونكس في الولايات المتحدة الأمريكية.
والمقرر أن يتم إقامة مسابقات “البريك دانس” في ستاد فرنسا ضمن جدول منافسات أولمبياد باريس. ويقع ستاد فرنسا على حافة ضواحي باريس التي يُقال إنها مسقط رأس موسيقى الهيب هوب هناك. ويعتبر سوق الهيب هوب في فرنسا الآن ثاني أكبر سوق في العالم، بعد الولايات المتحدة الأمريكية.
منذ الثمانينيات، حظيت موسيقى البريك دانس، وموسيقى الراب، والكتابة على الجدران بشعبية خاصة في الضواحي الفقيرة خارج المدن الفرنسية الكبرى.
واعتادت مجموعات الراب الرائدة مثل NTM وSniper وLa Rumeur على موسيقاهم. وذلك من أجل إلقاء اللوم على السياسيين والشرطة في الظلم وعدم المساواة التي يعاني منها الشباب في الضواحي.
لم يكن وضع فرنسا لـ”البريك دانس” ضمن الألعاب الأربعة الجديدة في أولمبياد باريس 2024 مفاجئًا. إذ قبل لندن 2012، جادل الناشط الرياضي مارك بيريمان بأن الألعاب الأولمبية ينبغي أن تصبح أكثر شمولاً. كما دلل بسباق فرنسا للدراجات وكيف يجذب الأنظار من كافة أنحاء العالم.
وطالب بإدراج الألعاب والرياضات ذات الشعبية في الأحياء الفقيرة غير مشمولة في الأندية ذات المقابل المادي المبالغ فيه. وأكد أن قيمة الألعاب الأولمبية أن تكون متاحة للجميع وأن “البريك دانس” جزء أصيل من الثقافة الفرنسية. خاصة بالنسبة إلى هؤلاء المنتمين للضواحي الأكثر فقرًا، ولا يجدون سوى الموسيقى والرقص لتفريغ طاقاتهم.
الوصول إلى العرب
بدأت موسيقى الهيب هوب تتحسس طريقها إلى الدول العربية، ووجدت ضالتها في الشباب المراهق، فظهر نجوم مراهقون. وبدأ الراب يجد طريقه إلى مسامع الشباب، ومعه بدأت ثقافة رقص التكسير “البريك دانس”.
كانت ثورة الفيديو كليب آخذة في الصعود وظهور مايكل جاكسون بـ”طلته ورقصاته الغريبة” حاضرة بكثرة في الأوساط الشبابية، ومن هنا بدأ الشباب تقليده وأصبحت ثقافة الرقص على أنغام موسيقى الهيب هوب شيئًا بديهيًا.
يقول أحمد فوكس طالب بكلية الهندسة ومحترف للرقص: “في طفولتي تعرفت على مايكل جاكسون وتعرفت عبره على الرقص بشكله الجديد. كنت شديد التعلق به وبالحالة التي خلقها، بدأت في تقليد حركاته الراقصة. وبعد فترة بدأت أتعرف على مجموعات تشاركني نفس الاهتمام”.
مجموعات شبابية
بدأت مجموعات شبابية في تكوين فرق تنافسية فيما بينها، حتى انتشرت ثقافة البريك دانس. ولم يكن الأمر باليسير؛ إذ لم يعترف أحد بمثل تلك الرقصات أو اعتبارها رياضة في حد ذاتها. وذلك رغم كونها تتطلب الكثير من التمارين الشاقة والخطرة.
يقول فوكس: “بدأنا عمل مجموعات مختلفة، كنا ومازلنا نتدرب في الحدائق والساحات المفتوحة، نستمع إلى موسيقانا ونبدأ في تجربة رقصات مختلفة. بعضنا شارك في مسابقات خاصة بالرقص دعمتها ريد بول. كانت تلك المرة الأولى التي شعرنا فيها بأن أحدًا يرانا ويدرك قيمة ما نقدِّم”.
يرى العديد من المهتمين بـ”البريك دانس” في وضع فرنسا للرقص ضمن مسابقات أولمبياد 2024 أمرًا مهماً. وفرصة كبيرة للإعلان عن أنفسهم بشكل أوضح وأكثر حضورًا على المستوى العالمي.
فرصة لأن يتم النظر إلينا بعين المحترفين لا عين الهواة. لم نعد الشباب المراهق الذي يسعى لقضاء وقته في الرقص، بل الأمر أكثر من ذلك، نحن نعيش الأمر كليًا، يسيطر علينا في كل خطواتنا ويتملك تفكيرنا
كما يتابع فوكس بقوله: “شعرنا بسعادة غامرة بعد أن علمنا أن البريك دانس سيكون حاضرًا في أولمبياد باريس المقبلة. فهي فرصة لأن يتم النظر إلينا بعين المحترفين لا عين الهواة. لم نعد الشباب المراهق الذي يسعى لقضاء وقته في الرقص، بل الأمر أكثر من ذلك، نحن نعيش الأمر كليًا، يسيطر علينا في كل خطواتنا ويتملك تفكيرنا”.
تمثيل مصر في أولمبياد 2024
وتابع: “نحن مستعدون لأن نسير في المسارات الرسمية من أجل تمثيل مصر في أولمبياد 2024، نعمل على التدريب وابتكار رقصات تعبر عنا وعن ثقافتنا. نحاول أن نجد سبيلا للتعبير عن أنفسنا دون أن يكون الأمر ليس إلا تقليدا للغرب”.
يستطرد فوكس: “خلال السنوات القليلة الماضية وجدنا فن الراب والتراب يشق طريقه إلى الجمهور، أصدقاء لنا تحولوا إلى نجوم ويقدمون الحفلات ويظهرون في الإعلانات، أعتقد أن الفرصة المقبلة هي لنا”.