ليست كل جلسات النساء معبأة بالنميمة. أحيانا تكون هناك موضوعات للنقاش، وفى جلسة نسائية طرحت إحدى الصديقات سؤالًا متى تتوقف الصداقة؟ وهل صاحبك على عيبه أمر مستمر لا ضوابط له، تلك الأسئلة التي تفتح نوافذ مباشرة للفهم والقبول، الأسئلة التي تقترب من عقلك فتزلزل أحجار طالما سدت الرؤية. وكانت سببا في توقف مفاهيم سيئة ومتعفنة تكون سبب في ظلمة إضافية للحياة.
تحدثنا عن المثل العظيم “صاحبك على عيبه” أمر هام وحقيقي، حين نتعرف إلى إنسان نقبله بمميزاته وعيوبه، نقبله بكليهما. ومن ثم لست أتفق مع هؤلاء اللواتي يتعرفن إلى صديقة جديدة، وفى ذات الوقت ينتقدن كل تصرفاتها. نتحدث عن الصداقة بين النساء لخصوصية العلاقة، فالعلاقات بين النساء متدفقة، عاطفية لمدى بعيد، متشابكة ومعقدة، يمكن أن تجد صديقين من الرجال، وأحدهما يقول للآخر أنه أنجب اليوم، فما يكون من الآخر إلا أن يهنئه ويبارك المولود، نفس الموقف مع النساء لا يتم تمريره على الإطلاق بل إنه سيكون سبب قطيعة، والأكثر أن إحدى الصديقتين إذا اكتشفت أن صديقتها حامل سيكون أيضا هذا سبب خلاف ومشاحنات، العلاقات بين النساء مربكة.
ماذا إن وضعنا تفاحة معطوبة في سلة؟
المثال الشهير لإبعاد المعطوب عن الصالح، والحديث عن قبول الآخر بعيوبه هو أمر صحيح لكنه ليس مطلق، ماذا إن كانت الصديقة حقودة طماعة، تستكثر على صديقتها كل شيء، تنظر لقليل صديقتها أنه كثير، تُفسد متعة الأشياء الصغيرة، وتزيح من نفسها الراحة، دومًا تدفعها نحو الضيق والحزن، الحديث هنا عن قبول الاختلاف وقبول أصدقائك بعيوبهن حديث مغلوط، فهناك عيوب قاتلة، تفسد لا تُصلح.
اليوم العالمي للصداقة.. البقاء للأوفى
نقطة الحبر التي تُفسد الحليب
في معمل العلوم كان المعلم يضع نقطة من الحبر في كوب من الحليب حتى نرى بشكل عملى الحركة العشوائية للجزيئات، نعم كانت تجربة علمية، لكن بعيدًا عن المعمل، ماذا إن كانت عيوب الصديق(ة) عيوب تُشبه نقطة الحبر، عيوب تُفسد حياة الطرف الآخر، حين تكون الصديقة حاسدة، كاذبة، حقودة، فعن أي قبول نتحدث؟
نحن نقبل أصدقاءنا بعيوبهم تلك العيوب التي لا تؤثر سلبًا علينا، ولا تُفسد حيواتنا، عيوب لا تنتشر بالوصل، ولا تنتقل عبر الوقت، لو أن الصديقة بخيلة، فماذا عن الوصل بين الصديقتين؟ البخل من الأمراض التي تصيب كل شيء، كيف ستحب صديقتها؟ كيف ستساندها؟ كيف ستعطيها أي شيء معنوي أو مادي؟
القبول ليس مطلق، وهو في حالات مثل هذه العيوب يُصبح شركا وفخا نسقط فيه، فإما تتحول الصداقة لعبء قاتل، أو أننا نتماهى وتُصبح لنا نفس العيوب.
حين نتحدث أننا باكدج، نتحدث عن الظروف والعثرات، فلا يصح أن تقطع صديقتها علاقتها بصديقتها لأن ظروفها الاجتماعية تغيرت، مثلا صارت مطلقة، أو فقدت عملها، أو أنها مهملة في مظهرها، أو تعيش في منطقة أقل من المنطقة التي تعيش فيها الأخرى. هذه الأمور التي نُطلق عليها عيوبًا، وهي ليست كذلك، لكنها نقاط اختلاف، نقبل الآخرين حين نختلف في الأفكار، وجهات النظر، ومع قبول الاختلاف في هذه النقاط تظل أيضًا الأمر مشروط، فهناك آخرون لديهم أفكار إقصائية، وعنيفة وضد الإنسانية مثل وجهات النظر هذه قبولها سيمررها ببطء لوعينا ونجد أنفسنا بعد قليل منحازين لها.
ليس كل عيب نقبله، نعم نحن لدينا مشاكلنا وعيوبنا، فينا المهووس والبطيء والكسول، والشكاء، والثرثار ومن لديه فوبيا من أمور مختلفة، نقبل اصدقاءنا حين تكون العيوب أو الاختلاف مقبول، حين لا يكون تبعاته أن نتحول عن مساراتنا ونرضى بعكس ما نؤمن، صاحبك على عيبه، لكن علينا أن نقف ونرى العيب أو ما نُسميه عيبًا، فهذه كلمة فضفاضة، وما أراه عيبًا قد لا يكون في نظر آخرين، الأمور الخلافية بيننا نقبلها والمفترض أنها لا تؤثر على الصداقة، لكن العيوب أو الطباع التي تُشبه نقطة الحبر فهي خطر يتحرك ببطء نحونا، الحقد يتسرب إلى نفوسنا، فنتحول لحاقدين بعد فترة، البخل يتمكن منا تحت مسمى الحرص والاعتبار للزمن، والكذب يُصبح ملون وباب لتمرير تفاصيل كثيرة، هؤلاء لا نقبلهم، ونحتاج إلى قوة لتحجيم العلاقة والوقوف على مسافة فلا تفسد أرواحنا.